أَيا صَحْبي!.. وَقَدْ قَلَّ الصِّحابُ
لِمَنْ أَشْكُو الْجَفا ؟ لِمَنِ الْعِتابُ؟
*
كَأَنَّ الْأَرْضَ تَحْتَ الشَّمْسِ تَغْلي
وَهذا الْأُفْقُ لَيْسَ بِهِ سَحابُ
*
كَأَنَّ اللّيْلَةَ الظَّلْماءَ.. عُمْرٌ
وَلَيْسَ لَها مِنَ الصُّبْحِ اقْتِرابُ
*
أُكَلِّمُها وَحيداً.. دُونَ حُلْمي
كَراحِلَةٍ… يُراوِدُها الْإِيابُ
*
فُؤادي.. فارِغٌ مِنّي وَ مِنْكُمْ
وَ نَبْضُ دَمي يُساوِرُهُ ارْتِيابُ
*
فَصارَ مُرَوَّعَ النَّبَضاتِ قَلْبي
وَ دَمْعي، في مَآقيكُمْ يُذابُ
*
بِدَمْعِ الْعَيْنِ أَغسِلُ ما تَبَقّى
مِنَ الْكَلِماتِ، يَكْتُبُها الْخُضابُ
*
فَفي الْأَسْحارِ تَنْكَشِفُ اللَّيالي
وَ بالْأْنْوارِ، يَغْتْسِلُ الضَّبابُ
*
أَعادَتْني إِلى السّاحاتِ حَرْبٌ
بِلا نَصْرٍ، وَ لا فيها انْسِحابُ
*
وَ هَزَّتْني عَلى الْأَهْواءِ ريحٌ
إِلى حُلْمٍ، وَحَلَّقَ بي سَرابُ
*
فَباتَ الْعَزْمُ يَدْفَعُني لِحَتْفي
وَ مَوْعِدُهُ.. فِراقٌ فَاغْتِرابُ
*
وَدِدْنا.. لَوْ يُعَلِّمُنا زَمانٌ
بِأَنّا عِبْرَةٌ.. فينا الْكِتابُ
*
يُرينا كَيْفَ يَصْفو النّاسُ حُبَّاً
وَ كَيْفَ يُغادِرُ الْقَلْبَ اكْتِئابُ
*
وَكَيُفَ الرُّوحُ يَحْرُسُها نَقاءٌ
وَإِنْ هَرَبَتْ سَيُرْجِعُها اسْتِثابُ
*
فَما هِيَ، غَيْرُ عابِرةٍ لِأُُخْرى
وَ إِلّا هَبَّةٌ.. ثُمَّ انْسِحابُ
*
تَطيرُ كَغَيْمَةٍ، أَخْفَتْ نُجُوماً
لِأَطْمارِ التُّرابِ، بِها انْجِذابُ
*
تَهادَتْ رَجَّةٌ.. حتّى تَبَدَّتْ
مَلامِحُها إِذا انْكَشَفَ الْحِجابُ
*
فَعادَ الظَّنُّ.. مُنْدَفِعاً إِلَيْنا
وَ فيهِ النّاسُ شَكٌّ وَ ارْتِيابُ
*
وَقَفْتُ بِعِبْرَةٍ.. أَبْكي عَلَيْها
كَما الْوَجْدُ الْقَديمُ فَلا يُصابُ
*
وَسِرْتُ بِحَيْرَتي تُؤْوي سُؤالاً
لِمَنْ أَشْكُو؟ وَقَدْ قَلَّ الصِّحابُ