Ayoon Final logo details-3
Search

صناعة القادة

زكريا الحسني

تعني “كاريزما القيادة” في اللغة بأنها “هبة وهدية السماء” وكذلك تعني “سحر الشخصية والجاذبية العارمة لها” ويُطلق عليها كذلك “الشخصية القوية”.  

أما المعنى الاصطلاحي، ‏فتعني تلك الشخصية التي تمتلك مؤهلات وصفات تجعل “الآخرين ينجذبون إليها ويقتنعون ‏بأدائها” حتى لو لم يكون الشخص رئيساً “فالكاريزما” تعني بكلمة واحدة: “الجاذبية الرائعة”.

التاريخ مشحون بنماذج قيادية فذة كانت تمتلك “كاريزما” خاصة بها لعبت دورا بارزا في صناعة مجتمعاتها. “فرعون” مِصر أراد طمس معالم قيادة موسى “ع” وكاريزما شخصيته بمنع ولادته وقتل كل رضيع يولد في مِصر في تلك الحُقبة بناء على معلومات تلقاها من الكهنة بأن وليدا من بني إسرائيل يوشك أن يزيح عرشه للأبد. مشيئة السماء القاهرة اقتضت أن يتربى “موسى” الوليد في بيت “فرعون” نفسه، وكانت السماء قد صبغت شخصيته منذ مرحلة الطفولة بكاريزما جاذبة جدا لكل من ينظر إليه، يقول تعالى: “وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِّنِّي“، وبتواجده في قصر “فرعون” تمكن موسى “ع” أن يترعرع ويشب ويتعلم ويستفيد كثيرا مما كان يدور حوله من الحياة في أروقة القصر.

“كاريزما” موسى تجلت بأن سحرت زوجة “فرعون” التي لم يكن لديها أبناء، فقذف الله في قلبها حب النبي موسى “ع”، فأخذته بيديها واحتوته بقلبها وتربى في كنفها، وصدق الله إذ قال: “وَلِتُصْنَعَ عَلَىٰ عَيْنِي“، فسخر له عينا زوجة “فرعون” لترعاه أرقى رعاية، إنها إرادته تعالى ولطفه وسابغ نعمته التي كلما تأمل فيها المرء فاض حنانا وبكاء.  

البُعد القيادي في موسى لم يكمن اللباس يشكل عموده الفقري، فلم يستعين في الكاريزما” التي كان يمتلكها بأناقة القصور، فهذه مهما كانت جميلة إلا أنها لا تمنح لفاقد “الكاريزما” موهبة امتلاكها. إنها روح موسى “ع” وجوهره الباطني الذي كان يبعث في من حوله الأمل والالهام، فقد سطع ألقه من رحم المعاناة لتغيير مصير أمة.

إن مسألة الإيمان في صاحب “الكاريزما” مسألة محورية، ومن الايمان تُخلق القيادة، ولا يتجلى الايمان إلا من خلال ثقافة صلبة، ونشأة سوية، تلعب الأسرة الدور الأبرز فيها، تتبعها المدرسة والحارة والمسجد فالمجتمع.

 “لي كوان يو” الذي صمم على اخراج أمته السنغافورية من وحول الجهل و الفقر و المرض و الفساد والجريمة،  صحيح لم يكون يؤمن بأن الإصلاح مستحيل، لكنه أيضا عرف كيف يبدأ وماذا يستهدف.

“من أين أبدأ” و”ماذا أستهدف” هما أصعب سؤالان يواجهان أصحاب “الكاريزما” القادرة على التغيير، وبالإجابة الصحيحة يحدث المستحيل.

ولقد بدأ بمعلمي الأجيال، لأنه عرف “من أين تؤكل الكتف”، فعندما أضحى المعلم صاحب راتب يفوق راتب غيره في أجهزة الدولة المقبلة على صناعة البلد صناعة أخرى، حدث التغيير، لأن خطط التغيير ببساطة استهدفت الانسان أولا، فمن الطبيعي أن يتم استهداف اصلاح الاقتصاد قبل السياسة، والإنسان قبل الأجهزة، والرفاه الاجتماعي قبل العسكرة.

يقول “يو”: “الكل كان يقول بأن الإصلاح مستحيل، لكنني الْتفتُّ إلى المُعلمين و المُدرسين وكانوا في بؤس وازدراء شديد، فمنحْتُهم أعلى الأجور و المرتبات في الدولة، وقلتُ لهم: “أنا عليّ أن أبني أجهزة الدولة، وأنتم تبنون لي الإنسان، واهتممتُ بالاقتصاد اكثر مِن السياسة، وبالتعليم اكثر من نظام الحكم، فبنيت المدارس، والجامعات، وارسلت الشباب الى الخارج للتعلم، ومن ثم الاستفادة من دراساتهم لتطوير المجتمع السنغافوري”.

ويسترسل: ” لقد كان عدد القادة النجباء قليل، وأمام طوفان التغريب وأمراضه المزمنة التي تستهدف عمق المجتمعات وقواعدها، فتدمر النشء وتحبط الهمم وتهدد الفطرة، أضحى الخطر مضاعفًا ذلك أننا لا نعيش في ساحة هادئة تحت ظروف الاستضعاف، بل نتعرض لحملات عدوانية مستمرة تريد النيل من أغلى ما نملك، عقيدتنا وإيماننا الذي هو سر قوتنا”.

‎لا ينقصنا رأس المال البشري، ولا ‎الثروات الطبيعية، ولسنا نفتقر إلى موقع استراتيجي فريد، ولا التاريخ الماجد التليد، لكن ينقصنا القادة ذوي “الكاريزما” التغييرية الفريدة، ومن المؤسف أن نشهد في هذه الآونة من نهضتنا المتجددة هبوط أعداد البعثات الخارجية إلى الجامعات العالمية لاكتساب العلوم والاحتكاك بالخبرات، فبلغت أعداد هذه البعثات التي تصنع التمكين والقدرة على التغيير بحيث لا تتجاوز الستمائة! إنه عدد ضحل للغاية لأجل نهضة شاملة متجددة مستمرة، تبحث عن كفاءات نوعية في أبناء الوطن، ترفل بإرادة وعزم على التغيير لبلوغ أعلى مراتب التقدم والرفاه الاجتماعي.

secondplay

3 Videos
Play Video

TestPlaylist

3 Videos
Play Video