دائما ما تستوقفني ممارسة النائم للحلم، وما يتبعه من إنفعال شاق وجهد نفسي إذا ما كان كابوسا مزعجا. أو في أحايين أخرى دعة وسكينة نفسية، إذا ما أشار الحلم إلى شيء يحبه الإنسان ويتمناه. كرؤية من فقد من أحبابه يتمثل أمامه ويحادثه كأنه واقع. وهذا ما يؤكد لنا بأن النوم لا يكون حالة إسترخاء عضلي فقط. وليس موت مؤقت كما قيل سابقا. لأن النائم لا يغادر وعائه الذهني والحسي، بل يؤكد العلم الحديث بأن النائم يكون في حالة من الوعي الفكري الناشط، وهي فترة زمنية يحتاجها الإنسان لإعادة شحن طاقاته مجتمعه. ولكن، خلال هذا الوقت، ينتقل النائم إلى عوالم أخرى تبدو لديه أثناء حلمه مألوفة جدا، بينما هي تختلف كليا أو نسبيا عن واقعه. ويبدأ خلال هذه الفترة بالنبش في مخزونه العاطفي الكبير الذي تشكل خلال مراحل حياته ومواقفه تجاه الأحداث التي عبرته. تعتبر الأحلام من أكثر الظواهر الغامضة التي تثير فضول الإنسان، وهي مرآة لعقله ومشاعره وتطلعاته.
لطالما كانت وما زالت الأحلام تثير إهتمام فئة كبيرة من الناس. لاسيما الأشخاص الذين لا يحلمون إلا النّزر اليسير من لياليهم. حيث يبدأون في نسج تفسيرات مختلفة لما يراه النائم أثناء حلمه. وقد أعده الكثيرون رسائل من اللاوعي تشير إلى حقيقة ما حول الحالم في حياته الخاصة. ووجد البعض أنها تمثل تنبؤات للمستقبل الغامض، ومضى قوم آخرون إلى أنها مجرد تخيلات فقال عنها أضغاث، وأعدها على أنها خليط من الحقيقة والوهم معا. وبالتالي، فهي لا تشكّل أية أهمية على حياة الفرد. ومقامها كمقام الرغوة من الفنجان. ولكن، قد تكون الأحلام عبارة عن ردود فعل ذهنية تحدث نتيجة لعمليات مصدرها الدماغ، وتعبيرا عن الرغبات المختزلة في قعر سحيق للنفس، وقد تعكس أيضا الضغوط النفسية أو الاجتماعية التي يعيشها الفرد منا. متأثرا بالأحداث اليومية التي يعبرها أثناء يقظته، وهذا ما يجعل الأحلام والرؤى موضوعا ثريا للدراسات النفسية والإجتماعية. فضلا عن أن أهميتها تكمن في أنها جزءًا لا يتجزأ من حياة الفرد. لأنها أولا، تستقطع حيزا مهما من حياته أثناء نومه، بصرف النظر عن مدته الزمنية. ولكن تأثيره على نفسية الفرد قد يكون طويل المدى في بعض الحالات. وثانيا، لأنها تعبّر عن جوانب مختلفة من شخصية الإنسان وعوالمه الداخلية.
لم تختلف الأديان كثيرا حول المنطق الأساسي الذي خلقت لأجله الأحلام والرؤى، والذي تجسد في إهتمامها الكبير بالتفاسير. فقد إتفقت الديانات اليهودية والمسيحية على أن الرؤى ما هي إلا رسائل إلهية ورؤى نبوية. فقد جاء في سفر التكوين أن النبي يعقوب عليه السلام قد رآى »سُلَّمٌ مَنْصُوبَةٌ عَلَى الأَرْضِ وَرَأْسُهَا يَمَسُّ السَّمَاءَ، وَهُوَذَا مَلاَئِكَةُ اللهِ صَاعِدَةٌ وَنَازِلَةٌ عَلَيْهَا. وَهُوَذَا الرَّبُّ وَاقِفٌ عَلَيْهَا، فَقَالَ: «أَنَا الرَّبُّ إِلهُ إِبْرَاهِيمَ أَبِيكَ وَإِلهُ إِسْحَاقَ. الأَرْضُ الَّتِي أَنْتَ مُضْطَجِعٌ عَلَيْهَا أُعْطِيهَا لَكَ وَلِنَسْلِكَ. وَيَكُونُ نَسْلُكَ كَتُرَابِ الأَرْضِ، وَتَمْتَدُّ غَرْبًا وَشَرْقًا وَشَمَالًا وَجَنُوبًا، وَيَتَبَارَكُ فِيكَ وَفِي نَسْلِكَ جَمِيعُ قَبَائِلِ الأَرْضِ. وَهَا أَنَا مَعَكَ، وَأَحْفَظُكَ حَيْثُمَا تَذْهَبُ، وَأَرُدُّكَ إِلَى هذِهِ الأَرْضِ، لأَنِّي لاَ أَتْرُكُكَ حَتَّى أَفْعَلَ مَا كَلَّمْتُكَ بِهِ» وهذه الرؤية ليعقوب ما هي إلا إتصال السماء بنبيّه يعقوب عليه السلام.
الديانة المسيحية أيضا ترى أن الرؤى هي وسيلة للتواصل مع الله لدى المصطفين من عباده. فقد جاء في العهد الجديد: «ملاك الرب ظهر ليوسف في حلم قائلًا: قم وخذ الصبي وأمه واهرب إلي مصر« لأن هيرودس ملك اليهود آنذاك كان ينوي أن يهلك يسوع الرضيع خوفا على عرشه.
أما عن الديانات الهندوسية والبوذية، فتذهب إلى إعتبار أن الأحلام ما هي إلا روحانيات قصوى، وأسلوب قدسي للتواصل مع الآلهة في السماوات العلى. وتجتهد في تفسيرها بأساليب فلسفية وإتصال مع الذات العميقة.
نجد أيضا في الميثولوجيا الإغريقية والبابلية، أنها كانت تؤمن بيقين أن الأحلام جميعها هي من صنع الآلهة. وأنها رسائل وأوامر واجبة التنفيذ على بني البشر. فتأتي على شكل تحذيرات وتوجيهات. ولا يملك أسرار التفسير إلا الكهنة والعرافين. لذا فقد تضمن الأدب الإغريقي قصصا تدل على تأثير الأحلام المباشر في إتخاذ قرارات مصيرية.
وقد تناول عالم الإجتماع العراقي، د. علي الوردي، موضوع الأحلام والرؤى في كتابه (الأحلام بين العلم والعقيدة) بإسهاب، حيث أشار إلى أن الأحلام تعكس الصراعات الداخلية في النفس البشرية. وأنها إحدى الوسائل التي يعبر فيها الإنسان عن مشاعره المكبوته. وركز د. علي الوردي على الجانب الثقافي والإجتماعي في تفسير ظاهرة الأحلام. ومدى تأثير الرؤى في صنع بعض القرارات والتوجهات في المجتمع والدولة. مستعينا بذلك على آراء بعض الفلاسفة مثل: أرسطو الذي اعتبر الحلم جزءًا من النشاط الطبيعي للعقل، حيث يعتقد أن الأحلام تنشأ من الانطباعات والتجارب التي تجمعها النفس أثناء اليقظة. وكان مما نقل عنه أنه قال: “إن الحلم هو تفاعل من القوى العقلية”.
جاء أيضا في كتاب مقدمة إبن خلدون (الفصل السادس عشر من الباب السادس) حيث قال: “أن المدارك التي في الحس الظاهر هي بعينها، ولكن ليست في الجوارح كما هي في اليقظة. لكن الرأي يتيقن، كل شيء أدركه في نومه لا يشك فيه ولا يرتاب. مع خلو الجوارح عن الاستعمال العادي لها. والناس في حقيقة هذه الحال فريقان: الحكماء، يزعمون أن الصور الخيالية يدفعها الخيال بحركة الفكر إلى الحس المشترك الذي هو الفصل المشترك بين الحس الظاهر والحس الباطن. فتصور محسوسة بالزاهر في الحواس كلها. ويشكل عليهم هذا بأن المرائي الصادقة التي هي من الله أو من الملك أثبت وأرسخ في الأدراك من المرائي الخيالية الشيطانية مع أن الخيال فيها على ما قرروه واحد. والفريق الثاني وهم المتكلمون. أجملو فيها القول وقالوا: هو إدراك يخلقه الله في الحاسة فيقع كما يقع في اليقظة.”