Ayoon Final logo details-3
Search

بروليتاريا الخليج

آية السيابي

تقول الروائية التركية أليف شافاك صاحبة رائعة قواعد العشق الأربعون: “إن المال والطبقة الاجتماعية ما يزالان امتيازين يوفّران القوّة للبعض من دون الآخر”
وبعيدا عن النفخ في بالون التنظير! وبعيدا عن حقيقة البروليتاريا في منطقتنا، أعتقد أن السيدة أليف شافاك أصابت تماما فيما رمت. أجدني أستحضر “جوي” هنا. سيّدة ثلاثينية بشوشة الوجه حسنة المظهر. وفدت إلينا من أرخبيل يتّخذ مكانه في شرق آسيا. وهي أم لطفلين أكبرهما لم يتجاوز التاسعة من عمره، أودعتهم عائلتها البعيدة هناك، لتُريق سنين سبع من عمرها في العمل لدى عوائل الخليج هنا، وجدت جوي نفسها وقد تمدّدت عائلتها دفعة واحدة. وأصبحت ترعى ثلاثة ذكور مراهقين وأم لا تُعنى بأمور المنزل وأب مشغول على الدوام. لأعترف لكم صراحة، لولا وجود جوي، لما تمكّنتُ من قراءة صفحة واحدة في كتاب! فالبيت وأعماله لا تهدأ إطلاقا! كيف لا، وثقافتنا هي في إمتداد بيوتنا أفقيا وتطاولها في العُليّ حتى تعجزنا العناية بها. جوي تقوم بكل الأعمال المنزلية، جميعها بلا استثناء. بدءا من طبخ ثلاث وجبات دسمات وطبق حلو تستطيبه الأفواه لفترة ما بعد الظهيرة. وتهتم بالتنظيف اليومي لغرف النوم جميعها ودوراتهم وصالات الجلوس والمطبخ والحديقة وكي الملابس…الخ وانتهاءا بتلميع السيارات المركونة في مرأب المنزل. يا إلهي، أصابني الدوار وأنا أعدّد ما تقوم به جوي كل يوم! يبدأ نهار جوي في السادسة والنصف صباحا وينتهي في التاسعة مساءا! وإذا ما زارنا ضيف، فتمتد ساعات عملها لأكثر من ذلك بكثير! ولن أحدثكم عن شهر رمضان، وتضاعف الأعمال في المطبخ، لأنه شهر نموذجي قوامه الأكل واللحوم والحلوى. شهر لتعبئة البطون الجائعة، وهذه حقيقة لا يمكن إنكارها ودس رؤوسنا في التراب خجلا من مواجهتها. هل لنا إنكار أن الخدم نعمة قد نُحسد عليها؟ بل ونُصنّف بموجبها ضمن طبقات العوائل البرجوازية في مقاييس الدول الأخرى؟! ونحن في حقيقة الأمر ما نحن إلا من عامة الناس. إحدى معارفي، تشتكي دائما من ضيق الحال وشح ما في اليد. بالرغم من ذلك، فقد تتنازل عن أي شيء عدا خادمتها. وغيرها الكثير الكثير ممن أصبح وجود خادمة -واحدة على الأقل- في منزلها من الضرورات القصوى كوجود الفرن والثلاجة وجهاز التكييف في بلداننا الصحراوية.
في زياراتي إلى الدول العربية خارج مظلتنا الخليجية، إكتشتفُ أن المنزل لدى الغالبية العظمى من العوائل، هو مأوى للأسرة الواحدة. أساسه وجود السقف والجدران. وهدفه الخصوصية، والحفاظ على الكرامة، والحماية من الظروف الجوية والتوتر السياسي وجميع المشاكل المجتمعية التي قد يتعرض لها المشردين الذين لا مأوى لهم. وليس تضخيم البناء وتعدد الغرف والملاحق وتنوعها إلا ترف فائض وأكثر مما يجب. أما عن ثقافة الخدم، فتكاد تكون معدومة، إلا إضطرارا ملحا. كوجود طفل لدى أبوين يعملان النهار كله ويتعذر عليهما إيواء الطفل في بيت العائلة الكبرى، عندها -قد- يتفقان على مربية (غير وافدة) تعمل في ساعات محددة خلال النهار مقابل أجر.
فهل فعلا أصابت الكاتبة التركية شافاك، في قولها أن المال والطبقة الاجتماعية إمتيازين يولدان القوة للبعض دون الآخر؟!

secondplay

3 Videos
Play Video

TestPlaylist

3 Videos
Play Video