هل حان الوقت لأن ننفض أسس نظام التعليم لدينا؟
وأن ننتقل به إلى مرحلة أعلى كما انطلقنا صعودا في مجالات الصحة، والتنمية الإقتصادية، والبشرية، والبنى التحتية التكنولوجية؟!
نظام التعليم المدرسي هو الخطوة الأولى لتشييد مجتمع متقدم وناجح. والنظام الحالي قد مضى عليه ردح من الزمن دون تغيير حقيقي، ما يعني أن الوقت حان بل وتأخر لاستحداثه اليوم.
أسوأ ما في النظام التعليمي الحالي هو أنه يرتكز على الحفظ والتلقين. ما يخلق شخصيات لا تملك أدنى درجات التفكير النقدي والتفكير الابداعي الذي يجعله يرى الفضاء متسعا خارج صندوقه. فضلا عن المناهج المدرسية أحادية المسار، التي تتباين فيها القدرات الفردية. بدءا من الرغبة وانتهاءا بالإستيعاب. بأساليب تعليمية نظرية، متجاهلين تماما تنوع الشخصيات بين بصرية وسمعية وحسية. ناهيك عن فيلم الرعب الذي ينتاب غالبية الطلاب، ما ان تبدأ فترة الإختبارات، التي تتطلب منك تفريغ كل ما امتصته ذاكرتك خلال أشهر المدرسة فوق الورقة. وهنا تناقض فج مع مبدأ Go Green، متجاهلين بذلك أهمية نشر الوعي البيئي!
أعتقد أننا في حاجة ماسة وملحة اليوم، لإدراج مناهج تختلف عما ورثناه قبل عدة قرون في المدرسة. وفق خطة ممنهجة، قائمة على الفهم لا على زنة الكتب والحفظ الضرير والإختبارات الدورية. كأن يتبنى الطالب مشروعا بكافة تفاصيله. حتى يُحسن تجاوز الصعاب التي تواجهه في مرحلة مابعد المدرسة. وقد تتنوع المناهج مثل:
- أساسيات الإقتصاد، ومفهوم العملات والتداول، والمناقصات وغيرها.
- العالم التقني بمساراته المختلفة
- الأدب والشعر والدراسات النقدية وإنتاج مادة أدبية صالحة للنشر
- الفن بكل تفرعاته من موسيقى ورسم…الخ
- ثقافة الأديان وتاريخ الحضارات
- مدخل إلى علم الإنسان
- النقد الثقافي والتحليلي والفلسفي
- ثقافة السؤال وتعزيز قيم الحوار
- قواعد الخلق السوي والسلوك والتعامل بكل مساراته
- التواصل المجتمعي لبناء قادة مفوّهين وخلق شخصيات قادرة على التأثير في أتباعها بصفة متزنة
- المهارات الحياتية
أما عن سن المدرسة، فهنا أحب أن أؤكد أن طفل اليوم أكثر ذكاءا ومهارة -بناءا على دراسات حديثة- ما يعني أنه قادر على الإندماج ضمن المجتمع المدرسي في الرابعة من عمره. وبالتالي، لا حاجة لأن يمضي الطالب إثنى عشر سنة في مقاعد الدراسة ليخرج إلى العالم الجامعي وهو في سن الثامنة عشر. فهذا هو الهدر الأكبر والتهميش الحقيقي لطاقاته وهي في ثرائها الأكبر. ماذا لو أنهى الطالب تعليمه المدرسي بالمفاهيم الجديدة وهو في سن الخامسة عشرة؟! ثم أنهى دراسته التخصصية وهو على أعتاب العشرين من عمره. ثم وفي الثلاثين، يكون قد إجتاز دراساته العليا وهو في عنفوان الشباب. أرى أننا سوف نشهد تغييرا كبيرا على مستوى الفرد الفكري. وبالتالي مجتمع جديد بنشأة جديدة وقدرات عالية وفكر حداثوي متزن. وجيل قادر على مواجهة تحديات مختلفة. ما يعظّم فكرة بناء الأسرة ويقلل من حالات الطلاق المهولة. ويحد من انتشار الجريمة.
أما عن التوقيت المدرسي، نتفق كلنا على أن آفة المراهق اليوم هو الفراغ. فماذا لو قضى الطالب وقتا أطول في يومه الدراسي، منشغلا بشغف إنشاء المشاريع ووضع الخطط والحلول والبدائل. ولاضير في حصص ترفيهية متنوعة، كمشاهدة أفلام تثقيفية أو ممارسات متنوعة.
الطالب هو ابن المجتمع، واللبنة الأساسية لمستقبل الأمه. وليس مشروع تدجين لتحويله إلى تابع، حيث يرى ما أُريد له أن يرى ويسمع ما أريد له أن يسمع. في عصر الثورة المعلوماتية، وسيادة الذكاء الاصطناعي، والغزو الفكري الذي يتعارض وثقافاتنا. آن لنا أن نعيد النظر في ما يحقن به الطالب من مصادر مختلفة قد تقلب الموازين أمامنا فيما بعد.