نستكمل المشاهد من الأربق هذه الحارة التي سماها لوريمر _ المؤرخ البريطاني في وثائقه (1908) بالقرية بحيث أنني كنت أكثر انسيابا للمعلومات في الفضاء الرحب وأكثر غزارة عن ما كتبته في سطور مختصرة (مختزلا) المشاهد في سطور لاتكاد تلامس شغاف القلب فضلا عن استيفاء حق الأربق كما هي في حياة المطرحيين من صور أخرى لاتقل جمالا فيما كتبت.
وإنني إذ أقدر فيه هذا العتاب الأخوي المفعم بالإنشداد لزمن الصبا ، أود أن أذكر بأن ما قلته في الفضاء لايمكن تكراره بالقلم باعتباري كنت حاضرا في قلب المستمع لحظة تدوين الماضي العبق وأنى لليراع أن يخط ما خطه القلب.
يقول لوريمرفي معجمه الجغرافي عن الخليج (الفارسي) في المجلد الثاني الذي تضمن معلومات جغرافية واحصائية بأن القرية المحمية شهدت اضمحلالا نتيجة غرق قسم من سفنها في تلك الفترة وقد أحصى وجود 25 نخلة فيها وعددا من المواشي من أبقار وأغنام وأشار إلى وجود ثكنة فيها تأوي خمسين عسكريا في الليل يعملون نهارا على توفير الحماية لمدينة مطرح المجاورة.
وقد مررت على تاريخ القرية كما سماها لوريمر وهناك دارت المعارك وفي قلب مطرح وعند أسوارها فقد دارت رحى الحرب بين رجالات الإمام عزان بن قيس القادم بجيوشه وعساكره لإسقاط سلطة سالم إبن سعيد بن ثويني الذي تولى حكم مسقط بعد والده السلطان ثويني إبن سعيد البوسعيدي.
ومع الوجود البريطاني في قلب المعادلات يوم ذاك فقد انهارت قوة الإمام عزان بن قيس على أسوار مسقط وسقط الإمام مضرجا بدمه ودفن في مقبرة حارة الشمال وانتهت المعارك بتولي السلطان تركي إبن سعيد السلطة بعد رجوعه من منفاه في الهند.
تلك واحدة من حكايات حارة الشمال والأربق.
ونعرج على أيام السلطان سعيد بن تيمور، فقد شرع ببناء المدرسة السعيدية (1959) على واجهة البحر وقبل أن تبدأ المدرسة في استقبال طلابها كانت قد بدأت في تدريس الرعيل الأول من تلامذة مطرح في قلب حارة الشمال على الجانب الغربي ببيت ” المنذري” حيث ضم المبنى عددا من الطلاب تحت إدارة ناظرها الأستاذ قاسم محمود شاهين حتى عام 1962 وهو ذات المبنى الذي تحول مع الزمن إلى مقر للنادي الأهلي والمبنى كان يتبع ورثة أبناء الحاج علي عبداللطيف فاضل.
وبانتهاء العمل بالمدرسة السعيدية تحول الطلاب للمبنى المعروف فيما بعد بالمدرسة السعيدية ومع ناظره رمزي مصطفى محمود وفيما سبق كان مدرسا لمادة اللغة الإنجليزية في سعيدية مسقط.
وبقي الأستاذ أحمد دراز والأستاذ محمود بدر شعث مجاورين لأول مبنى السعيدية في الحارة حتى أواخر السبعينيات من القرن الماضي.
ومع ساعات العصر وفي أيام الإجازات من المدارس كان الطلبة المتمرسون منهم في اصطياد “البمبو” من السمك والنوارس “الهويريات” يخرجون من الدرب السالك بعد انحناءة مسلخ المواشي إلى حيث الخلجان والشطآن والبعض منهم كان يصطحب ” الهواري” ذات المجاديف ليصل إلى أبعد خليج في الأربق ومنه كان يأخذ طريقه لأعلى البحر “الغبة” حيث السفن الشراعية الراسية القادمة من الكتش والكجرات وعموم السند وهي محمولة بالبضائع أو لتوها تكون قد أفرغت بالحمولات منتظرة ساعة الرحيل.
كان الصبية يأخذون استراحاتهم على ظهور هذه السفن والبعض يصل إليها منهكا بينما الآخرون يستخدمون الهواري ومع التطور استبدلت المجاديف بالمكائن في فغدت الهواري تقصد السفن الكبيرة في طول البحر وعرضه من الدواركا والدمرا ودريسا وسردانا وسانتيا والتي كانت تعمل على خطوط الهند والباكستان وأخرى على خطوط شرق أفريقيا ومعظم هذه السفن كانت تبحر في مياه مسقط ومطرح بالأخص وهي بريطانية /الهندية التي استخدمتها بريطانيا أيام استعمارها للهند لشحن البضائع التي كانت حاضرة في مشاهد عمان بالأخص.
ومن المشاهد التي لازمت حارة الشمال وكانت جزءا من كيانها مشهد دروازة مطرح على أول خط من جهة البحر بانتهاء حدود جبروه وهذه الدوازة كانت مدخلا إلى مطرح من جهة دارسيت.
وفي جوانب هذه البوابة كانت هنالك مقاهي “قهاوي” وهي كلها من السعف والطرابيل وعلى مساحة منها كانت هنالك قهوة تلاصق سوق سمك المساء وهو ذات المكان الذي كان الحاج عرفات يبيع فيه السح والرويد وأنواع من الفواكه والخضار في ساعات الصباح وهذه القهوة كانت للحاج عباس العجمي وكانت من السعف.
وقد إشتهر بأكلاته الشعبية وتنوره كان يزخر بالخبز التنوري الإيراني وكان المطرحيون يقصدونه في ساعات المساء لشوي السمك (البتشي) من الكنعد والسهوة وهو على أول طريق الحارة وقد لازم المطرحي هذه القهوة التي كانت تأوي الهاربون من المدارس من الصبية وكثيرا ما كانوا صيدا ثمينا لفرق الواشيلوه ويتم استدارجهم هنا ويقعون في كمائن محكمة بأيدي المهرة من ذوي العضلات المفتولة كانوا يشكلون مجموعات ومهمتهم اصطياد الهاربين من المدارس.
وقبل أن نسدل الستار عن قرية الأربق وتابعتها حارة الشمال تحضرني شخصية كان لها كبير الأثر على موارد الدولة ونمائها فيما مثلت من مصدر يكاد يكون الأوحد في الثلاثينيات والأربعينيات والخمسينيات من القرن الماضى على ميزانية الدولة وهي الشخصية التي عاشت في أحضان حارة الشمال وتمثلت في محمد سالم الحرمي الذي كان مسؤولا على جمارك مسقط ردحا من حقبة حكم السلطان سعيد إبن تيمور رحمه الله.
فقد كان محمد سالم الحرمي أحد المخلصين من رجالات الدولة آنئذ وقد إعتمده السلطان سعيد في مهمة إدارة الجمارك لما وجد فيه من الكفاءة والإقتدار في إدارة شأن الجمارك التي شكلت العمود الفقري لاقتصاد عمان في تلك الحقبة الزمنية.
وقد جمعته مع السلطان سعيد بن تيمور رحمه الله الصحبة وكان محل ثقته وقد درسا سويا في مدرسة أبوذينة هما والآخرون من أبناء عمان في داخل أسوار مسقط.
وتعتبر هذه الشخصية من الشخصيات النافذة التي تركت بصماتها على الحالة الإقتصادية ومما ذكره القريبون منه أن الحرمي هو أول من وقع على تصدير أول شحنة تُحمل على ناقلة نفط تخرج من المياه العمانية من سيح المالح عام 1967 باعتباره كان مسؤولا على أهم نقطة جمارك في كل عمان يوم ذاك.
الأربق كانت سانحة المطرحيين الذين كانوا يشكلون مجموعات ويخرجون إلى شطآنها في ساعات المساء وبعد أن تهدأ ساحاتها من ضجيج الحياة أثناء الذروة.
فمع تباشير الصباح ووقتما تسقط الشمس أولى أشعتها فتبعث معها الحياة، وعلى أصوات الديكة وعواءات كلابها الضالة ومواءات قططها الجائعة واللاهثة وراء اللمم من القواشع المفترشة في أكبر ساحات مطرح في حارة الشمال، يخرج علينا رجل ستيني على وقاره، والشيب قد بدا على محياه وعوارضه فيمشط حجب الظلام اللاف لسكيك سور اللواتيا إلى رحاب مطرح عبر بوابة السور تحت حراسة علي الدرواني ، وقد إعتاد أن يراه مع ساعات الفجر فيشد حيزومته و يفتح حَلقة البوابة الفرعية من قبل أن ينفخ لإخماد الفتائل في السُرج المضيئة بأروقة السور وأزقاته.
وعلى صوت العم محمد عبدالحسين الداتاني وعلى أوتار حنجرته وأنفاس حشرجاته وعلى مناداته كانت حارة الشمال تستفيق ملبية نداء حي على العمل.
وعلى الوجه الآخر فإن مسلخ المواشي هو الآخر كان يبدأ صباحاته على حاجات الناس فيبدأ محسن عبدالغني وعبدالعزيز دلشاد ومالألله خور وموسى علي عبدالرب بذبح الخراف والمواشي والتيوس فتحملها الحمير تارة في جيوب الأثواج وأخرى عبر السيارات على قلتها إلى حيث الساحة المفتوحة في جيب من جيوب خور بمبه حيث تباع اللحوم ، فيبدأ المطرحي الميسور باختيار اللحم على ندرته وغلاء سعره ، فيما ينفق المُعوزٌ على السمك الفائش والبقليات شاكرا رب العباد على نعمائه ووافر كرمه وجزيل عطائه.
وعند نزول الحمولات من الخضار فإن الحاج العرفاتي كان يبدأ سوقه ببيع الخضروات المشبعة بقطرات الندى وكأنها كحبات اللؤلؤ المُنَضٌد من القرع و”البرنجان” و”النانية” و”الجلجلان” والخس والخيار والجزر وكلها كانت تفوح بعبق أديم الأرض ساعة هطول المطر .
بجانبه كان أصحاب المؤن الغذائية وعلى الدكك يبيعون للناس أقوات يومهم وبشئ من السمن المستخرج من القَلٌات والرز في الجواني المربوطة بجوت الخيش مع أنواع من “البزارات” ، فتوزن بكياسٍ وبكياسين و بالمكاييل المعدنية المستخدمة آنئذ ، فأغلب الناس كانت تأخذ حاجات يومها بيومها.
ومن مشاهد الأربق أنها قد ضمت محرقة للبانيان التي بقيت معالمها حتى أواخر الستينيات من القرن الماضي وقد أزيلت مع زوال معالم القرية عندما اكتسحتها الآلة من بين ما اكتسحتها من المعالم وبقي “لا ليش” الإبن البار لأبيه “ويلجي دامودار” البانياني المشهور في السوق الصغير في مطرح يتذكر إحراق جثة أبيه ويبكيه مفجوعاً لأن المحرقة غدت خبرا من أخبار الأربق ، وكان أبوه هو آخر بانياني يتم حرقه في محرقة البانيان في الأربق.
كانت القلعة البرتغالية من أبرز معالمها فاستوت بالأرض على حصائد “الدايناميتات” ، وقد كانت شبيهة بقلعة مطرح إذ كانت هي وأختها صنوتان حاميتان لكيان مطرح ولمئات السنين.
لقد طُمست خلجان الأربق، كما اختفت من راسياتها وصلابها الشاهقة قرية الشطيفي على مرمى البصر منها، فعلى علوها كان المطرحي يخاطب أهليها وصياديها وأصحاب “الهواري” كانت تقل أجود السمك من خلجانها، وعلى شطآنها كان يقوم بتجفيف القاشع ويحملها إلى بخاخير حارة الشمال ليصدرها إلى الهند والسند عبر السفن الراسية فيها.
إندثر جل معالم حارة الشمال منها الحوض الجاف فطالما إحتضن السفن المعطبة منها ومن على أرضها كانت تتنفس الصعداء لاستراحاتها وشكلت لربابنها مأوى ومجمعا لتجفيف السردين المحمول على ظهور سفنهم إلى بلاد الله الواسعة شرقا وغربا.
حارة الشمال أول مسافر خانة للمخدوم (الطبيب)الذي كان في الأصل ملكا لعبدالفتاح بن محمد بن صالح المعيني، جاب شرق الأرض وغربها واتخذ المكان مأوىً لتجار الهند الذين سكنوا في هذا المكان وأدوا الأدوار الناهضة لتوسيع تجارتهم مع عمان منذ أيام السلطان تيمور بن فيصل وقد بقي ولازال معلما حاكيا باسم خليل Guest house وصاحب ملكيته هو عبدالفتاح بن محمد بن صالح المعيني ثم غدا ملكا لإبراهيم لشكوه واليوم أصبح ملكا للشيخ عبدالملك الخليلي وبه فرع لبنك مسقط “الميثاق ومطعم لبان”.
فيما إندثرت معظم معالم الأربق وغدت حيا للميناء بعدما كانت أربقاً وسموها غربقاً بلغة العرف الدارجة.
وعندما نتذكر حارة الشمال نتذكر من شخوصها ورجالاتها :
شهاب بن أحمد المدني:
الشخصية المهيبة صاحب اللحية الكثة دائري الوجه يميل للون الأحمر ، وكانت لديه اتصالات مع كبار موظفي الحكومة في تلك الفترة. وقد كان طيب العشرة كريم الطبع تجمعه العلاقات الطيبة ب “السيد العالم “حسين أسد الله كان يزوره في بيته مع الصباح الباكر.
ومع المساء نجده وقد فرش له مكانا على دكة دكان جعفر محمد سعيد ناجواني في السوق الصغير “الظلام” في لمة من الأصدقاء والمعارف.
كان مهيباً، دمث الطباع ، إجتماعياً، تربطه الصداقات مع الطيف المطرحي، ويغدق العطاء للمعسرين، فعند بيته القريب من ” خليل جيست هاوس” يقصده ذوو الحاجة فيغدق عليهم ويقضي لهم حاجاتهم وبما تيسر.
باع أرضاً على والي مطرح ذات مساحة كبيرة في الريام فأصبح حديث الساعة يومها وكانت الأرض مبتغىً للتجار وخصوصا أن المنطقة قد أخذت في الإنفتاح على مشاريع تجارية منها مشروع برادات مطرح في الستينيات من القرن الماضي.
الشيخوخ حمد وحمود ومحمد أبناء سعود الخنجري
وشخصية مهيبة أخرى وقد كان مرجعا دينيا وفقيها يقصده كثير من الناس من مناطق السلطنة للتشاور في أمور الدين في الحلال والحرام وأحكام الدين ألا وهو الشيخ حمد بن سعود الخنحري.
وأخوه كذلك وهو الشيخ حمود الذي كان يداوم في مكتب الوالي في مطرح نائبا له ، يؤدي الأدوار المتقدمة هنالك ومؤتمناً على كتابة الصكوك في البيوع والمواريث والوكالات.
واخوهما الأصغر وهو الشيخ محمد الذي عمل مترجما في مكتب قائد الدفاع أثناء حكم السلطان سعيد بن تيمور رحمه الله.
سالم بن عبدالله المنذري
إحدى الشخصيات النافذة في حارة الشمال، وأحد أعيانها، ورجالها البارزين والمميزين.كان يمتلك منزلا في وسط الحارة والذي أصبح أول مكان للمدرسة السعيدية الحكومية في مطرح.
كما ومع الزمن وبعد أن رحل النادي الأهلي من مقره القديم خلف الملعب الكبير فإن هذا البيت أضحى مقرا لهذا النادي.
كان يعرف بالنوخذة “سالم” أي قبطانا للسفينة لأنه كان يتولى قيادة السفن في البحار وعرفه الناس من خلال مهنته في ركوب البحر.
صالح بن أحمد الميمني
وكان يملك أسطولا من السيارات الثقيلة ويقوم بنقل المؤن إلى المناطق الداخلية ويملك أيضا المزارع الجميلة في السيب كنا نذهب إليها و نزور من أبنائه عبدالله ومحمود جمعتنا وإياهما الصحبة ونفس الصف في السعيدية.
الحاج عبد الفتاح بن محمد بن صالح المعيني
كان أحد كبار تجار مطرح، واشتهر في تصدير وتوريد البضائع إلى الهند في عمومها (بلاد الهند والسند)
وقد بنى تحفة معمارية في حارة الشمال أمسى مأوى لتجار الهند وغيرهم ممن كانوا يتعاملون مع تجار مطرح وسمي بإسم “خليل جيست هاوز”
كانت لديه سفينة شحن تقوم بنقل البضائع من مطرح إلى عموم الهند وأثناء الحرب العالمية الثانية تعرضت إلى تدمير من إحدى الغواصات الألمانية في بحر العرب بمحاذاة سواحل عدن ولم ينجو على ظهرها فيما نجا سوى محمد عبدالفتاح ابن مالك السفينة وعلي بن سالم الحرمي.
كاهودار
الشخصية القيادية عند الإخوة البلوش وقد قيل الكاهودار نسبة للقائد حيث كانت له قدم سابقة في مواقع الجيش السلطاني ومع تقاعده غدا يدا للخدمات الإجتماعية لإخوته من البلوش فكان محل ثقتهم وباب عونهم، وفي أواخر الستينيات غادر مع إبن عمه إلى دبي فعملا في تجارات الذهب يصدٌِرانه إلى محافظات باكستان من كويتا وپسني وگوادر وإقليم مكران واختفت أخباره لكن ذكره بقي على الألسن لدى إخوانه ولدى المطرحيين ممن عايشوه ومسكنه على أول حارة الشمال بالقرب من مسجد المنذري.
يقول لوريمر( 1914) عن الأربق:
ففي دليله الجغرافي دليل الخليج وفي المجلد الثاني الذي تضمن معلومات جغرافية واحصائية بأن القرية المحمية شهدت اضمحلالا نتيجة غرق قسم من سفنها في تلك الفترة وقد أحصى وجود 25 نخلة فيها وعددا من المواشي من أبقار وأغنام وأشار إلى وجود ثكنة فيها تأوي خمسين عسكريا في الليل يعملون نهارا على توفير الحماية لمدينة مطرح المجاورة.
وقد مررت على تاريخ القرية كما سماها لوريمر وهناك دارت المعارك من قربها “حارة الشمال”
وفي قلب مطرح وعند أسوارها دارت رحى الحرب بين رجالات الإمام عزان بن قيس القادم بجيوشه وعساكره لإسقاط سلطة السيد سالم إبن سعيد إبن ثويني الذي تولى حكم مسقط بعد والده السيد ثويني بن سعيد.
ومع الوجود البريطاني في قلب المعادلات يومئذ فقد انهارت قوة الإمام عزان بن قيس على أسوار مدينة مطرح وسقط الإمام مضرجا بدمه ودفن في مقبرة حارة الشمال، وانتهت المعارك بتولي السلطان تركي بن سعيد السلطة بعد رجوعه من منفاه في الهند.
ونعرج على أيام السلطان سعيد إبن تيمور ، فقد شرع ببناء المدرسة السعيدية 1959 على واجهة البحر وقبل أن تبدأ المدرسة في استقبال طلابها كانت قد بدأت بتدريس الرعيل الأول من تلامذة مطرح في بيت المنذري في قلب حارة الشمال وعلى الجانب الغربي منه .
حيث ضم المبنى عددا من الطلاب تحت إدارة ناظرها الأستاذ قاسم محمود شاهين.
وبانتهاء العمل بالمدرسة السعيدية تحول الطلاب للمبنى المعروف فيما بعد بالمدرسة السعيدية ومع ناظره رمزي مصطفى محمود الذي سبق أن عمل مدرسا للغة الإنجليزية في سعيدية مسقط وجاء به مدير المعارف آنئذ والي إسماعيل خليل الرصاصي والذي قدم إلى عمان في عام 1929 وأصبح فيما بعد واليا لمطرح.
وقد انشئت هذه المدرسة بمطرح وافتتحت في نوفمبر 1959 وبدأت الدراسة بحوالي ٢٠٠ طالب ، وفي ديسمبر ١٩٦٠ إنتقل مقر المدرسة إلى مبنى إنشئ على أرض الحاج علي عبداللطيف فاضل وتم تعويضه عنها.
ومن مديري المدرسة ومدرسيها من الدول العربية الشقيقة:
قاسم محمد شاهين
رمزي مصطفى
احمد دراز
محمد بدر شعث
رشيد حسن سلايمة
صالح محمد طه
محمد عثمان
ومن المعلمين العمانيين
علي بن سيف بن علي الوهيبي
السيد سيف بن سلطان بن حمود البوسعيدي(١٩٦٠ حتى ١٩٦٤)
عبدالله بن هاشل الجرداني
سعيد بن إبراهيم الكندي
ذياب بن صخر العامري
علي بن سالم بن سليمان الفارسي
السيد محمد بن سلطان بن حمود البوسعيدي(١٩٦٩ حتى ١٩٧٠)
سليمان بن سعيد بن علي الوهيبي(١٩٦٩ حتى ١٩٧١)
ومع ساعات العصر وصباحات أيام الإجازات كان المطرحي المتمرس في اصطياد “البمبو” من “الصيمة” والنوارس “الهويريات ” يخرجون بالعشرات من وراء الدرب السالك بعد انحناءة المسلخ من جانبه الغربي إلى حيث الخلجان والشطآن على مد البصر والبعض كان يصطحب “الهوريات” ذات المجاديف ليصل إلى أبعد خليج في الأربق ومنه كان يأخذ طريقه في أعلى البحر إلى حيث السفن الشراعية الراسية القادمة من الكتش والكجرات وعموم السند وهي محمولة بالبضائع أو لتوها قد أفرغت حمولاتها منتظرة ساعة الرحيل.
كان المطرحي ومع أيام العطل أو في ساعات المساء يخرج من حارة الشمال على ظهر السفن الخشبية ذات المجاديف أو الماكنات يأخذ استراحته على ظهور السفن الكبيرة ساعة وصولهم إليها وهي ترسو على بعد أميال بحرية من مكان انطلاقتها.
ومن المشاهد التي لازمت حارة الشمال وكانت جزءً من كيانها مشهد دروازة مطرح على أول خط من الحارة جهة البحر وبانتهاء حدود جبروه وهذه الدروازة كانت مدخلا إلى مطرح من جهة دارسيت.
وفي جوانب هذه البوابة كانت هنالك مقاهي متناثرة وهي كلها من السعف والطرابيل وعلى مساحة منها كان هنالك مقهى يلاصق سوق سمك المساء وهو ذات المكان الذي كان الحاج العرفاتي يبيع فيه السح والرويد وأنواع من الفواكه والخضار في الصباح وهذا المقهى كان للحاج عباس العجمي ومن السعف.
إشتهر بأكلاته الشعبية وتنوره كان يزخر بالخبز التنوري الإيراني وكان المطرحي يقصده في ساعات المساء لشوي السمك (البتشي) من الكنعد والسهوة وهو على أول طريق الحارة مجاورا مسجد المنذري، وقد لازم المطرحي هذا المقهى الآوي لكل هارب من المدرسة من صبية مطرح، فكثيرا ما كانوا صيدا ثمينا لفرق “الواشيلوه “فيتم استدارجهم إلى المقهى بأسلوب وآخر فيقعون في كمائن محكمة بأيدي المهرة من ذوي العضلات المفتولة فكانوا يشكلون شبكات من طلبة المدارس ومهمتهم اصطياد الهارب فيُحمل على المناكب ويُساق به إلى فناء المدرسة وهناك يأخذ جزاء هروبه لعله يرعوي.
وقبل أن نسدل الستار عن قرية الأربق و حارة الشمال تحضرني شخصية كان لها كبير الأثر على موارد الدولة ونمائها فيما مثلت من مصدر يكاد يكون الأوحد في الثلاثينيات والأربعينيات والخمسينيات من القرن الماضى في دعم وتقوية ميزان المدفوعات”ميزانية الدولة” وهي الشخصية التي عاشت في أحضان حارة الشمال وتمثلت في:
محمد سالم الحرمي
كان مسؤولا في جمارك مسقط.
فقد كان محمد سالم الحرمي أحد المخلصين من رجالات الدولة وقد أعتمده السلطان سعيد في مهمة إدارة الجمارك لما وجد فيه من الكفاءة والإقتدار في إدارة شأن الجمارك التي شكلت العمود الفقري لاقتصاد عمان في تلك الحقبة.
وقد جمعته مع السلطان سعيد بن تيمور رحمه الله الصحبة فكان محل ثقته وقد درسا سويا بمدرسة أبوذينة هما وآخرون من أبناء عمان في داخل أسوار مسقط.
وتعتبر هذه الشخصية من الشخصيات النافذة قد تركت بصماتها على الحالة الإقتصادية ومما ذكره إبنه عبدالوهاب محمد سالم الحرمي أن الحرمي والده وقع على تصدير أول شحنة تُحمل على ناقلة نفط تخرج من المياه العمانية من سيح المالح عام 1967 باعتباره مسؤولا على أهم نقطة جمارك في كل عمان يوم ذاك.
ومن المهام التي أسنده السلطان سعيد إبن تيمور إليه إرساله مع أخيه سمو السيد فهر بن تيمور آل سعيد إلى واحة البريمي لرفع علم السلطنة على مبنى دائرة الجمارك في البريمي بعد أن تم إسترجاعها من قبضة إبن عطيشان وجماعته الذين احتلوا البريمي لفترة وجيزة. فعندما غزيت البريمي في سبتمبر عام 1952 وتم تعيين تركي إبن عطيشان أميرا عليها، بعث السلطان سعيد بن تيمور رحمه الله على الفور بقوة من رجاله عبر وادي الجزي وأمر بحشد عام لجميع قبائل عمان في صحار وأصدر الإمام محمد بن عبدالله الخليلي أوامره كذلك للقبائل الواقعة تحت نفوذه بأن تجتمع في الدريز وحذر الشيوخ من أي تعامل مع المحتل فتم طرده من البريمي في أكتوبر 1955.
