Ayoon Final logo details-3
Search

منطـــق دقـــات القلـــب

عــادل عـــوض

تمهيد

الهدف من تطورات العلمية إحداث ثورة معرفية فى مجال المعارف الإنسانية التى تنشئ مع الوقت حقلا معرفياً مستقلاً يسعى إلى تحقيق حياة آمنه للمجتمعات البشرية. ولذلك خلال تطبيق المعلومات المتعلقة بالمنظومات الحيوية والكائنات الحية من أجل أستخدم المنظومات ومكوناتها لتحسين جودة الحياة. ومن هذه المجالات ما يعرف باسم ” التكنولوجيا الحيوية الطبية” التي نسعى خلال هذه الدراسة إلى تحديد استخداماتها وكيف يمكن الاستفادة منها ؟وما مدى علاقة التكنولوجيا الطبية  الحيوية بالأخلاق البيوطبية؟ وما التساؤلات المطروحة فيما يتعلق بالرعاية الصحية ؟وما أهداف الصحة العامة؟ وهل من الممكن استخدام السابيورج من أجل التقنيات الطبية كوسيلة مساعدة وكيف يتم ذلك؟ وما المقصود بمنطق الممارسة ومنطق دقات القلب؟ وماذا يقصد بمراقبة الجنين الكترونية ؟ وكيف يحدث؟ وهل يوجد مخاطر وكيف يتم التعامل معها؟ ومع موقف حقوق الإنسان من تكنولوجيا الطبية الحيوية ؟ كل هذه التساؤلات وغيرها ستكون الإجابة عنها محور دراستنا .

نشير إلى تحليل للولادة فى سياق/ تكنولوجيا الطب الحيوي وأنظمة المنطق التى تسهل معتقداتنا فى التفسير الطبى لعملية الولادة، وفق ما يسمى بمنطق الممارسة، والذى تسير فيه الأحداث فى تسلسل زمنى محدد، وبإيقاع معين، إنه منطق مفصل للأحداث التى تحدث فى الوقت الفعلى، هذه طريقة لفهم الأحداث، التسارع، التباطؤ، وهو الذى يوفر الإطار الزمنى للممارسين لاتخاذ القرارات وتنفيذ الإجراءات. نحاول تطبيق هذا على دقات القلب.

“الأخلاقيات البيوطبية فرع من فروع المعرفة له جانبان عملی ونظری. تقدم الأخلاقيات البيوطبية إطاراً يتعلق بالأوجه الأخلاقية والخلفية في الطب. وتعكس الأخلاقيات البيوطبية السائدة التقليد الفلسفي اللبيرالی لما بعد الحرب في حداثته التي تؤكد على الاستقلالية وعدم التبيعية، والتفكير القائم على المبادئ والقوانين المجردة. هذه السمات أسهمت في ازدهار النموذج الإرشادی للأخلاقيات البيوطبية في تصديه للمشكلات الأخلاقية”([i]).

تقتضي العدالة الاعتراف بالاختلافات بين الشعوب في الرعاية الصحية المرتبطة بكل من عدم المساواة في الموارد المتاحة ومتطلبات الملاءمة الثقافية والقبول الأخلاقي، ومع ذلك فهي تتطلب الحد الأدني من صيغة العلاج الإنساني المحترم التي يمكن تطبيقها في كل مكان بصرف النظر عن الحدود السياسية أو الاقتصادية أو الثقافية،  فيجب أن يكون الغرض من السياسة العامة. وضع حدود مجمع عليها، يمكن في اطارها ممارسة أخلاقيات معينة بكل احترام وتسامح. ولهذه الاهتمامات الخاصة ما يقابلها في المشكلة الأعم التي تتمثل في صنع القرار على المستوى الدولي . وغالبا ما يكون النظام الاقتصادي البيئي والأمني العالمي الذي يزداد فيه الاعتماد المتبادل على الآخرين متأثرا تأثرا كاملا بالأبعاد المحلية والقومية([ii]).  

أصبحت المجتمعات الطبية في العالم منشغلة بنوعين من الصراعات القديمة التي اكتسبت أبعادا جديدة . أحدهما هو التوتر الحادث بين مطالب بعض النظم الأخلاقية المعينة في وضع قيود ، وبين المفهوم العام عما هو عدل وخير . فالأول وهو النظام الأخلاقي الخاص ، يوفر للمتمسكين به الاستقرار والثقة ، بينما يستنكر بعض نتائج التقدم في الطب البيولوجي والتي يعتبرها خطرا وشرا . أما الثاني وهو المفهوم العام ، فإنه يبحث عن الأمور المشتركة بين مختلف المعتقدات الأخلاقية ، ويهدف إلى تحقيق المساواة في فرص الانتفاع بالتقنيات المتوافرة . وهذا هو المعنى الذي تقصده عبارة الأمم المتحدة «ضمان الفرص المتكافئة للأخذ بمنافع العلم» . بيد أن مثل هذا المفهوم العالمي يصعب على كثيرين قبوله ، لأنه ينطوي على إمكان وقوع نظمهم الأخلاقية الخاصة في الخطأ . أما الصراع الثاني فهو بين المعايير الدولية للبحوث العلمية في مجال الطب البيولوجي التي حظيت بالملاءمة والانسجام مع معظم القيم الإيجابية العالمية ، وبين تطبيق نتائج هذه البحوث طبقا للاعتبارات الاقتصادية القومية ، وعمليات الأسواق الدولية([iii]).

يعد تمديد الحياة باستعمال التقنيات العالية من أمثلة السماح الدال على ضيق الأفق للقيود الموضوعة «محليا ، أو على أساس أخلاقي أو ثقافي معين ، أو في إطار حدود قانونية» أو تحديد مكانة الطب البيولوجي المقدر عالميا، فعلي الرغم من أن هذه التكنولوجيا لا يمكن لمعظم سكان العالم الحصول عليها ، إلا أن توافرها قد أدى إلى حوار مؤلم بين المواطنين في الديمقراطيات الصناعية حول الحق في الحياة أو الموت وحول نوعية الحياة. وتنطوي القيمة العالية الممنوحة للاختيار الشخصي على حق الفرد في أن يموت بناء على النصيحة والمشورة المناسبة . وفي داخل بعض الأمم نجد صراعا قائما بين هذا الأمر وبعض النظم الأخلاقية ، وبعض التنظيمات القانونية التي تحمي الوضع القائم . ففي إسبانيا على سبيل المثال ، رغم إقرار الغالبية العظمى من الأطباء بمشروعية الإنهاء السلبي لحياة الضحايا المصابين بأمراض تسبب العجز الكلي والميئوس من شفائهم ويطلبون سرعة إنهاء حياتهم ، إلا أنهم لا يشاركون في ذلك خوفا من اتهامهم بالاشتراك في ارتكاب جريمة المساعدة على عملية الانتحار ، وقد تؤدي عملية الإنهاء السلبي للحياة إلى فرض التزام غير مرغوب فيه على هيئة المستشفى الذين يرفضون أخلاقيا فك الأجهزة التي تبقى على حياة المريض([iv]).

يعد إهتمام المجتمع الدولي بالصحة وبعلم الطب البيولوجي هي المكون الرئيس للمضمون الاجتماعي الذي يستخدم في إطاره تقنيات الطب البيولوجية . وبدأت هذه الاهتمامات تأخذ شكلها بعد الحرب العالمية الثانية مع مولد الأمم المتحدة التي ساعدت على الاعتزاز بالطب البيولوجي ، على أنه ينبوع لحقوق أساسية للبقاء والحياة الرغدة . فحقوق الحصول على أعلى مستوى ممكن من الصحة البدنية والعقلية» (الأمم المتحدة ، 1948) و«المشاركة بحرية في التقدم العلمي وفوائده» (الأمم المتحدة 1948 ) والاستمتاع بفوائد التقدم العلمي وتطبيقاته (الامم المتحدة 1966/أ) لا تستبعد سوى قليل من عالم الفرص المتاحة للإنسان . بيد أن حقوق الإنسان لا تتواجد ككيان مستقل في العالم الطبيعي ، فالأنشطة التي تدور حول صياغة الفرص المرجوة ، والحريات ، والمصالح المادية ، ثم المطالبة بها جميعا كحقوق ، تكشف لنا عن مجموعة خاصة من القيم التي سادت في ثقافة الغرب خلال القرن العشرين . لكنها لم تتواجد في كل المجتمعات في كل فترات التاريخ ، كما أنها لم تكن متماثلة سواء في إعلانها أو في تطبيقاتها في العالم طوال النصف الثاني من القرن العشرين([v]).

إن تركيز الأخلاقيات البيوطبية على المبادئ الأخلاقية العامة، وتجاهل القيم، من أجل إعلاء العقلانية والمركزية الغربية جعلها عاجزة عن فهم الطرق المختلفة التي تتشكل خلالها الموضوعات الخلقية. وأصبح واضحاً أن أزمة النموذج البيوطبي أصبح من الواضح تماما “إن في محتوى النظريات الأخلاقية التقليدية – التي اعتمدت عليها الأخلاقيات البيوطبية في استنباط مبادئها – مجردة إلى حد لا يكفي لتسليط الضوء على المشكلات العملية داخل الطب والبيولوجيا. ففي حالة الالتزامات المتناقضة يصبح التشاور الخلقي أمراً مطلوباً. يفترض التشاور الخلقي بوصفه أداة نفحص بها أحكامنا ونقارنها بالمبادئ الأساسية للأخلاقيات البيولوجية عبر الثقافات، والنتائج المتوقعة التي تنشأ عنها. بناء على مفهوم التشاور الخلقي يتم توسيع نطاق الأخلاقيات البيولوجية لتتخطى حدود العلاقة الإكلينيكية والتقليدية بين الطبيب والمريض”([vi]).

في هذه الدراسة، أقدم تحليلًا إثنوغرافيًا للولادة في سياق الطب الحيوي والتكنولوجيا وأنظمة المنطق التي تسهل معتقداتنا في التفسير الطبي لعملية الولادة. هذه رحلة مباشرة إلى قلب ما يسميه بورديو  «منطق الممارسة». أفحص الإنتاج الاجتماعي لهذا المنطق المحدد الموجه نحو الممارسة حيث يتم سنه في مستشفى تعليمي كبير في جنوب غرب الولايات المتحدة. أجريت ملاحظات إثنوغرافية ومقابلات مع الممارسين على مدى ثلاث سنوات مع أطباء التوليد والممرضات المسجلات والقابلات الممرضات المعتمدات والقابلات المرخصات. أجادل بأنه خلال فهم تنفيذ هذه التكنولوجيا الطبية بالذات، يتم توضيح بعض العمليات الأساسية لأفعال الشفاء بشكل عام والولادة بشكل خاص.

أثناء ولادة كل طفل، مع تناثر الدم على الجدران وصرخات الأمهات المؤلمة أعلى وأسفل قاعات المستشفى، يتم سن الخطوات المتتالية لممارسة التوليد «منطقيًا». هذا منطق اللحظة، منطق يمكن أن يأخذ الممارس خلال عديد من المواقف. يتجسد سنها في القلوب المتعرقة والأيدي المتعرقة لمقدمي الرعاية الذين يتفاعلون مع النساء وأطفالهن الذين لم يولدوا بعد. إنه منطق تم فحصه قبل وأثناء وبعد الولادة بين الزملاء وفي منتصف الليل عندما يستيقظ الممارسون في خوف وجودي مطلق من النتائج الجسدية السلبية المحتملة والتداعيات القانونية الناتجة عن أفعالهم([vii]).

لخص بلليجرينو Pellegrino  (1985) الأغراض التي تهدف اليها سياسة الصحة العامة (وهي سياسة اجتماعية) الناشئة عن سرعة وجود تكنولوجيا الطب البيولوجية في ثلاثة أغراض ، وكلها تركز على المجتمع أكثر من تركيزه على الفرد . وأولها التحكم في الآثار الاجتماعية والثقافية والاقتصادية لإستخدام هذه التكنولوجيا مع الأفراد المرضى بلا قيود تحكمها ، وثانيها هو تحقيق وضعها في نصابها الصحيح ، والثالث هو «البدء بتقديم فكرة أو هدف اجتماعي مدروس من أجل الصالح العام للجيل الحالي أو الأجيال المقبلة»([viii]). وفيما يتعلق بهذا الهدف الأخير يسترعي بلليجرينو النظر إلى “الآثار الأخلاقية الخطيرة” لوضع كثير من القيود الإجبارية على حرية الفرد ، مما قد تكون له آثاره المستقبلية مع تقدم علوم الطب البيولوجي . وتتضمن هذه الآثار منع تناسل من يحملون جينات متخلفة ، وتخزين أعضاء كل ضحايا الحوادث ، وتحريم الديلزة لكبار السن أو الرعاية المركزة للأطفال المشوهين والسيطرة الإجبارية على السلوك العدواني والتدخل الوراثي لتحسين النسل ، فكل هذه الممارسات قد استخدمت بشكل أو بآخر وفي أوقات مختلفة في جهات متعددة من العالم ، ولم تمنع قانونيا بوضوح حتى الآن. وقد يدور الجدل حول خطورة آثارها ومضامينها الخلقية اعتمادا على المضمون أو السياق الاجتماعي الثقافي . ويمكن أن نضيف إليها تهديدا لجميع البشر بسبب الشعور الشخصي لدى الأفراد بأنهم كائنات ذو قدرات وآفاق غير محدودة ، وحيث تمثل الفردية جزءا من النظام الطبيعي ([ix]).

ينصب التركيز على التكنولوجيا الطبية الحيوية الإلكترونية لمراقبة الجنين (EFM) حيث يتم استخدامها لتقييم كل من المرأة وطفلها الذي لم يولد بعد أثناء المخاض. يُظهر شريط EFM (الناتج) معدل ضربات قلب الجنين على جانب واحد مع تحديد نمط تقلصات الرحم على الجانب الآخر في الوقت نفسه. تم استخدام أجهزة مراقبة الجنين في معظم عيادات التوليد والمستشفيات في الولايات المتحدة منذ السبعينيات. قبل ذلك الوقت تم استخدام السماعات الطبية المعدة خصيصًا. في الواقع، لا يزال استخدام سماعات الجنين شائعًا بين ممارسي الولادة حيث لا تكون المراقبة المستمرة للجنين مطلوبة أو غير مرغوب فيها. كما تأتي الشاشات المصنعة منذ منتصف الثمانينيات مزودة بلوحات مفاتيح حيث تتم ملاحظة العلامات الحيوية وتمدد عنق الرحم والأدوية المعطاة وأي تغيرات في وضع الأم، بالإضافة إلى أي شيء آخر يعتقد الطاقم الطبي أنه من المهم كتابته على الشريط. خلال الفهم النقدي للدور المفصل للغاية لهذه التكنولوجيا بالذات، يمكن تطوير الولادة ذات الإطار الطبي الحيوي وإعادة صياغتها. وتزداد أهمية هذه المسألة لأن تكنولوجيات مثل EFM توزع عبر الحدود الوطنية على البلدان التي تفتقر إلى البنية الأساسية السريرية لدعم التدخلات والبروتوكولات الطبية الحيوية عالية التقنية المصممة لتعزيز النتائج السريرية([x]).

في هذا البحث، نستخدم منطق ممارسة بورديو كوسيلة لفهم أفضل لتفعيل المعرفة المتخصصة. أركز بشكل خاص على فكرته بأن الأحداث تحدث في تسلسل زمني محدد وبإيقاع معين. لهذا السبب، يجب دراسة الأحداث وتمثيلها بطريقة تحافظ على طبيعتها التقدمية. ويوفر استخدام EFM ومخرجاتها، وهي شرائح EFM، دليلاً واضحاً على هذا المنطق الزمني الموجه نحو الممارسة. نقدم أيضًا بعض الأفكار الأنثروبولوجية المتنوعة التي أستخدمها لوصف الولادة التي يتم إجراؤها طبياً بطريقة تزيل مراكز فهمنا الثقافي للولادة التي تحدث في المستشفى. تُستخدم فكرة هاراواي (1991) عن السايبورج لإلقاء الضوء على التكوينات الناشئة حديثًا للتفاعلات بين الإنسان والآلة([xi]).

كلمة Cyborg تعني الشخص الافتراضي الذي يعتمد أداء وظائفه الفسيولوجية على أدوات أو تجهيزات ميكانيكية أو إلكترونية، تصبح جزءا من جسمه كمنظم ضربات القلب أو الركبة الصناعية أو العدسات على اختلافها([xii]).

السايبورج هجين يمكن أن يشتمل على الأجزاء البشرية والحيوانية والألية أو التكنولوجية. وهذا بدوره يتحد مع عديد من التخيلات البشرية بما في ذلك التكنولوجيا. فالثقافة العامة التي تتجسد في السينما والتليفزيون والخيال العلمي، ومتغيراته اليوتوبية الإلكترونية، قد يشمل على جميع أنواع الأطراف الاصطناعية التي تتخيل صنع أطراف بشرية، وأعضاء فائقة القوة، وأفضل من النسخ الأصلية([xiii]).

يري «دون إد» أن من قلقنا في ما بعد الحداثي إلى حروب القرن العشرين، وظهور السمات الثقافية التكنولوجية المهيمنة التي تتمثل في مصطلح السايبورج. لقد صاغ «نوربرت وينر» وهو عالم رياضيات يعمل على المدفعية المضادة للطائرات مفهوم التحكم الآلي خلال أنظمة التغذية الراجعة التلقائية.  وبحلول الستينيات صاغ «مانفريد كلاينز» و «ناثان كلاين» مصطلح سايبورج لوصف أنظمة الإنسان والألة في الفضاء الخارجي. لكن في المحيط المعاصر المرتبط بالثقافة العامة كانت «دونا هاراواي» – 1985 – هي من جعلت السايبورج شخصية رئيسة في الوجود البشري الهجين»([xiv]).

أكدت دونا هاراوای فيما يتعلق الإنسان الفائق أو السايبورج. ولكن القبول على أساس من المعلومات لا يمكن افتراضه دائما من حيث العلاقة بالتعزيز. ويمكن أن يجري التعزيز بناء على اختيار من جانب آخرين، مثال ذلك أن يختاره الأبوان أثناء الولادة أو في سن صغيرة، وفي مثل هذه الحالة سيدرك الأشخاص عن طريق آخرين أنهم تمت هندستهم جزئيا، لأغراض لم يختاروها هم بأنفسهم وبملء حريتهم. مثال ذلك أن يكتشف أشخاص أنهم طوال القامة؛ لأن الأبوين اختارا لهم أن يكونوا لاعبي كرة السلة، أو أنهم أذكياء ودءوبين في عملهم، لأن الأبوين اختارا لهم أن يلتحقوا بمدرسة قانون، وإن مثل هذه الرؤي يمكن أن تخلق أزمات هوية وتقيد العلاقات الاجتماعية([xv]).

السايبورج عند «هاراواي» كائن ذي قدرة سياسية جبارة، يخترق الحواجز التطبيقية الفاصلة بين الإنسان والحيوان، وبين المادي وغير المادي، بين الكائن الحي والآلة. وهو بذلك يقاوم أي تجميع يستند إلى تثبيت الهويات والثقافات، وذلك لأنها تتعرض دائما للتغيير والمضاعفة. ومن ثم ترمز إلى إمكانية إعادة تكوين الشأن الاجتماعي نفسه. حينما يكون السايبورج محرراً من قيود الهوية (الجسدية) ([xvi]).

صرحت هاراواي بأن الأجساد المعاصرة المعززة تكنولوجيا من الممكن أن تكون أجساداً توصل بالفضاءات الإلكترونية خلال الشبكة العنكبوتية العالمية أو الهاتف المحمول أو عن طريق البث المرئي. أو أجساداً معدلة خلال إضافة مواد غير عضوية – إلكترونية وكيميائية – أما من حيث مهام السايبورج فإنه يعمل في اتجاهين قد يتمدد إلى الخارج وراء الحدود المادية المباشرة للجلد والعظم. كما أنه يستطيع أن يجلب العالم إلى داخل العقل مباشرة.

لذلك تشمل هذه التكوينات تفاعلات وترابطات الأمهات والأطفال وممارسي التوليد ومعدات مراقبة الجنين التي تربطهم جسديًا ومفاهيميًا. أخيرًا، ناقشت رؤى من استكشاف جاكسون (1989) للمخاطر لأنها تنطبق على المراقبة القانونية وتأثير سوء الممارسة على قدرة الممارسين على الممارسة([xvii]).

باستخدام هذه النظريات، يمكننا البدء في معالجة استخدام التكنولوجيا الطبية الحيوية بشكل أنثروبولوجي في السياق المعقد للغاية في أواخر القرن العشرين. أعمل – إليزابيث كارتويرهت – من خلال أربع خطوات متأصلة في عملية العلاج حيث يتم وضعها في سياق التشريع الاجتماعي للولادة باستخدام التكنولوجيا الطبية الحيوية. أولاً، أستكشف مفهوم الإيقاع في التفاعل بين الممارس والمريض والتكنولوجيا. وينشأ إيقاع العلاج الشافي عن الحالة الفسيولوجية للمرأة وطفلها الذي لم يولد بعد، وتمثيل حالتهم من قبل EFM ، وتفسير هذه الحالة من قبل الممارسين الطبيين على أساس معرفتهم المتراكمة. وهكذا يتم تفعيل هذا الإيقاع بالتنسيق مع تقنية الإدراك الاصطناعية – EFM. ثانيًا، أنتقل إلى وصف التجربة المتجسدة والعاطفية لإدراك حالة المريض من خلال إخراج EFM. ثالثًا، أصف كيف يتم التلاعب بعملية الولادة وتحويلها إلى حالة مرضية يمكن «علاجها» بالعلاجات الطبية الحيوية. أخيرًا، من منظور أوسع، أستنتج أن الشفاء هو فعل يتطلب التكنولوجيا الحالية لثقافة معينة لقدرتها على معرفة ما هو مخفي من الناحية الفسيولوجية وكذلك الطريقة التي تملي بها وتشريع حركات الممارسين أثناء سعيهم. للسيطرة على العمليات الجسدية التخريبية([xviii]).

تنطبق علاقة التفاعل بين الطبيب والمريض على جميع الاستخدامات العلاجية لتقنيات الطب البيولوجية. فغالبا ما تكون النساء في مواجهة المولدين وأطباء أمراض النساء من الرجال على وجه الخصوص أكثر حساسية وإظهارا للحرج والتلطف الراسخ فيهن عندما يتعلق الأمر بوظائفهن التناسلية . فالنساء الفقيرات وغير المتعلمات يقفن في موقف ضعيف في تعاملهن مع الأطباء بسبب الفجوة الكبيرة التي تفصلهم عنهن ليس فقط من حيث المعلومات المتخصصة بل أيضا من ناحية المكانة والوضع الاجتماعي . وكما قالت احدى نساء جامیكا ، لا تستطيع المرأة أن تتحدث معه على طبيعتها ، لأنه عال جداً، وتتأتي حساسية حقوق المرأة في المعاملات العلاجية نتيجة تلهفها ومخاوفها ، على اعتبار أنها طالبة مساعدة ومتوسلة من الطبيب المعالج الذي له إلى جانب علمه الأكثر ، سلطة أو قوة اجتماعية ، كما أنه بالمقارنة لا يعاني من الألم والخوف . بالإضافة إلى أن الطبيب هو الحكم أو الوسيط المجاز اجتماعيا وثقافيا وخلقيا للأمور الصحية وله دور قد يؤثر في سلوكه كحارس لبوابة تقنيات منع وإنهاء الحمل أو الإجهاض ، وغير ذلك من الوسائل القليلة والمحدودة للعمل في طب العقم ، على أنه مرض من الأمراض . ويبلغ التعرض للمتاعب العاطفية أقصى مداه حينما لا يكون لدى المرأة علم تام وكاف بحالتها الخاصة . ويبدو أن المعلومات العامة لدى النساء عن وظائف أعضاء الخصوبة والإنجاب، وكيفية مواجهة مشاكلها قاصرة للغاية حتى في الدول المتقدمة . ففي دراسة قامت بها الكلية الأمريكية للتوليد وأمراض النساء تبين أن الغالبية العظمى من النساء الأمريكيات تنقصهن بشدة المعلومات الكافية عن أمن أساليب منع الحمل المتوافرة وبخاصة الحبوب ومدى فعاليتها([xix]).

أما النساء اللائى يعتبرن غير خصبات أو عقيمات، وحاولن بكل الوسائل أن يحملن ، يصبحن يصبحن بلا حول ولا قوة ويشعرن بالعجز التام والإحباط أمام  الأطباء الذين لا يقدمون المساعدة ، رغم امتلاكهم لمفاتيح السعادة لهؤلاء النسوة عن طريق تحقيق الأمومة لهن . ويلاحظ هذا بصفة خاصة في دول العالم النامي حيث تكون القيمة المنظورة للمرأة وكذلك تقديرها لذاتها مرتبطين في  أغلب الأحيان بإنتاجها للأطفال . وبسبب الضغوط النفسية والمالية فيما يتعلق بالإخصاب في الأنابيب ذات الاحتمالات الإيجابية الضعيفة ، فقد أصبح واضحا أن تقييم وضع الأبوين المتوقعين تقييما نفسيا سليما ، وكذا إمكانية تقديم النصيحة والمشورة لهما ، من الأمور الضرورية لاحترام حقوقهما الإنسانية. ولقد اعترف مكتب الكونجرس الأمريكي للتكنولوجيا والقياس بصفة رسمية بأن النصح والمشورة أمر مهم للغاية ولكنه أحد المكونات التي تستخدم غالباً أقل مما  ينبغي في علاج العقم أو عدم الخصوبة. ولقد نشرت الحكومة الأسترالية منذ مدة أوضح اعتراف بالضغوط التي يسببها الإخصاب في الأنابيب للنساء ولأزواجهن. وبناء عليه صدرت توصية بضرورة تقديم المشورة النفسية بمجرد اكتشاف العقم ، وكذلك في فترات الأزمات . ويجب أن يكون المستشارون من المتخصصين المدربين ويكونوا أيضا مستقلين عن البرامج التي تعالج المرأة أو الزوجان في إطارها([xx]).

لقد أصبحت الحاجة إلى النصح والمشورة أمرا واضحا خاصة بالنسبة لعامة الجماهير فيما يتعلق بالأمومة المستعارة . حيث يتحتم تقديم المشورة القانونية والطبية في مثل هذه المواقف . ولقد ازداد وضوح أهمية الاستشارة مع التوسع في الإعلان عن الحالات التي لم ترغب الأم المستعارة فيها في التنازل عن الطفل الذي حملته ، حتى في حالات الجنين المنقول الذي لم يكن لها أي دور في تخليقه الوراثي . فحملها له مضغة ثم تحوله إلى جنين في داخل جسدها والشعور به يتحرك في داخلها وما يرتبط بذلك من متعة ، وكذا الشعور بالتغيرات الفسيولوجية في مختلف مراحل الحمل ، ثم تجربة الوضع ، تؤدي جميعها إلى ارتباط عاطفي ذو قوة كافية تفوق الالتزام التعاقدي المجرد بمنح رحم يتم فيه تطوير ونمو ببيضة مخصبة تعود إلى امرأة أخرى . ويثير استخدام تقنيات التناسل هذه بعض التساؤلات عن الحد الأدنى من متطلبات الارتباط ومعنى العلاقات بين الوالدين والطفل ، وما يجب أن تكون عليه هذه العلاقات([xxi]).

أصبحت وسائل منع الحمل الحديثة متوافرة في الصيدليات في معظم الديمقراطيات الصناعية ، ولكن يتطلب الحصول عليها في كثير من الدول الاتصال بالأخصائيين الصحيين . أما عن الانتفاع بأحدث تقنيات التناسل ذاتها فما زالت تتم خلال العيادات والأقسام المتخصصة في المستشفيات . وفي هذه الحالة نجد أن السياسة الاجتماعية ، كما هي في حالات أخرى من تقنيات الطب البيولوجية ، تقتضي التوسط على المستوى الشخصي أي مع المرأة شخصياً، خلال تعاملها المباشر مع الأطباء والممرضات والأخصائيين الاجتماعيين ، والأخصائيين النفسيين وغيرهم من العاملين في المواقع الطبية شخصيا . ويعد الطبيب هو القائد ، وهو الحارس في معظم أمور تقنيات التناسل ، وهو الذي يصف العلاج ويقدم النصيحة حينما تكون لدى المرأة شكوك حول ما تستخدمه من وسائل . وحتى في حالات الأمومة المستعارة حيث تكون المسائل المتعلقة بقانونية التعاقد ، وحقوق الملكية ، هي الأساس الأكثر أهمية من القضايا التقنية ، فإن الطبيب في هذه الحالات يتدخل على أنه الحارس على صحة الأم المستعارة أثناء فترة ما قبل الولادة ، وهو المفسر، والمتنبئ بكل ما ينتظر من نتائج بالنسبة للأبوين ، باعتبار ما سيكون ، المتعاقدين معها([xxii]).

يستفيد كل نظام اجتماعي بشكل منهجي من التصرف في الجسد واللغة ليعمل كمستودعات للأفكار المؤجلة التي يمكن أن تنطلق من مسافة في المكان والزمان خلال التأثير البسيط لإعادة وضع الجسم في وضع شامل يتذكر الأفكار والمشاعر المرتبطة به، في إحدى الحالات الاستقرائية للجسم والتي، كما تعلم الجهات الفاعلة، تؤدي إلى ظهور حالات ذهنية. وبالتالي، فإن الاهتمام الذي يولى للتنظيم في احتفالات جماعية عظيمة لا ينبع فقط من الحرص على إعطاء تمثيل رسمي للمجموعة (يتجلى في روعة المهرجانات الباروكية) ولكن أيضا، كما هو الحال في عديد من استخدامات الغناء والرقص، من النية الأقل وضوحا لطلب الأفكار واقتراح المشاعر خلال تنظيم الممارسات بدقة والتصرف المنظم للأجساد، ولا سيما التعبير الجسدي عن المشاعر، في الضحك أو الدموع. تعمل القوة الرمزية جزئيا خلال التحكم في أجساد الآخرين والاعتقاد الذي تمنحه القدرة المعترف بها مجتمعة للعمل بطرق مختلفة على أنماط السلوك اللغوية والعضلية العميقة، إما عن طريق تحييدها أو عن طريق إعادة تنشيطها لتعمل كحليف محاكي([xxiii]).

بهذه الطريقة، يصبح من الواضح أنه في جميع أحداث الشفاء هناك هيكل أساسي مشترك للمنطق يعمل فيه الممارسون. يتم إملاء هذا الهيكل خلال المعايير المكتسبة للمهنة، سواء كانت الطب الحيوي أو الشامانية، والتسلسل التدريجي للتغيير داخل الأنظمة الفسيولوجية التي تمر بموقف مرهق، خلال التقنيات المختلفة المستخدمة للكشف عن تطور الأحداث التي يسعى الممارسون للسيطرة عليها خلال أنظمة العلاج المختلفة. كما هو الحال مع جميع التقنيات التي يستخدمها المعالجون (أود أن أشمل الممارسين غير الطبيين البيولوجيين وتقنياتهم أيضًا)، لا يمكن تحدي استخدام EFM إلا إذا تم فهم تنفيذه. من أجل توضيح استخدامه، ننتقل إلى استكشاف بورديو (1990) منطق الممارسة([xxiv]).

منطق ممارسة بورديو

يقوم منطق بورديو في الممارسة على ما يسميه «الإيمان العملي» الذي يكمن وراء دوافع المتخصصين مثل الممارسين الطبيين. « Doxa» بالنسبة لبورديو هي حالة الالتزام بفعل الممارسة عن كثب بحيث يصبح رد الفعل بلا وعي ويتم سنه تلقائيًا. وهكذا يسن الجسد ما حفظه خلال التدريب الثقافي. ينصب تركيز بورديو على الممارسة وكيف يتم سنها «منطقياً». هذا ليس المنطق الثابت لمنطقيّ الكتب، بل هو منطق مفصل للأحداث التي تحدث في الوقت الفعلي. هذه طريقة لفهم الأحداث التي تتحرك بوتيرة اللحظة. الإيقاع، التسارع، والتباطؤ – هو الذي يوفر الإطار الزمني للممارسين لاتخاذ القرارات وتنفيذ الإجراءات. في حالة المخاض الطبيعي والولادة، تؤثر عوامل فسيولوجية لا تعد ولا تحصى على معدل تقدم المخاض. وتشمل هذه العوامل حجم الطفل، وقوة انقباضات الرحم، ووضع الطفل، وحجم حوض الأم. في حالة حدوث حالة فيزيولوجية مرضية أثناء المخاض، مثل تسمم الحمل (زيادة ضغط الدم الذي قد يؤدي إلى تشنجات أو غيبوبة) أو التهاب المشيمية (عدوى في الرحم)، فإن الضرر الأولي للحالة الفيزيولوجية المرضية ومعدل التدهور الجسدي بعد ذلك يوفر معايير الوقت الذي يجب أن يعمل فيه الممارسون([xxv]).

عندما تكون خصائص وحركات الجسم مؤهلة اجتماعيا، يتم تجنيس أهم الخيارات الاجتماعية ويتم تشكيل الجسم، بخصائصه وحركاته، كمشغل تشبيهي يحدد جميع أنواع التكافؤ العملي بين مختلف أقسام العالم الاجتماعي – التقسيم بين الجنسين، وبين الفئات العمرية وبين الطبقات الاجتماعية – أو، بشكل أدق، بين المعاني والقيم المرتبطة بالأفراد الذين يشغلون مناصب متكافئة عمليا في الأماكن التي تحددها هذه الأقسام. على وجه الخصوص، هناك كل الأسباب للاعتقاد بأن القرارات الاجتماعية المرتبطة بوضع محدد في الحيز الاجتماعي تميل، خلال العلاقة مع جسد المرء، إلى تشكيل التصرفات التي تشكل الهوية الاجتماعية (طرق المشي والتحدث وما إلى ذلك) وربما أيضا التصرفات الجنسية نفسها([xxvi]).

في الجدل الدائر حديثا حول طبيعة المجتمعات قد تم تداولها بوصفها مسألة شعبية وجعلها مسألة جارية وهي مستمرة في الاستفادة من مؤلف بندلت أندرسون «المجتمعات المتخيلة» .imagined communities. منذ ذلك الوقت والطيور من جميع الأشكال تعلمت أن تتغذى على حبوب أندرسون. ولكن قبل أن يجعل هذه الفكرة المعاصرة عن المجتمعات بوصفها منتجة لمرحلة ما بعد الحرب العالمية ساعدت في وصفها حملات إيديولوجية خلال الإعلام، كانت هناك أفكار بيير فلكس يوريو بأن العالم الذي نعيشه يمثل شبكة من القواعد المنظمة التي يتم الحوار حولها والتفاوض بعناية، والذي يكون فيه الفرد والمجتمع في حالة تبادلية يعتمد كل منهم على الآخر وينتج كل منهم الآخر، ولا يوجد مجتمع دون المهارات العملية والمتنامية للفرد، تماما كما أنه لا يوجد فرد مكتف بذاته، ومهاراته العملية مبدئية تكون استجابة لقواعد المجتمع في أبنية معينة. وهناك مفكرون عديدون آخرون منهم كوهين ويولاني في الماضي القريب. وتشارلز وید میلز من بين كثيرين آخرين اليوم، تناولوا دور المجتمعات سواء خلال الحوار المحترف والحوار اليومي، في التشكيل المعرفي لعالمنا. وهم يفحصون الآليات الاجتماعية التي عن طريقها يتم تكوين النظرية والمعايير والتحقق منها([xxvii]).

ميلز أكثر إيمانا بالحتمية بطريقة افتقر إليها بورديو. وعمل بورديو على الاهتمام بشكل مباشر بالعلاقة التعاونية بين الفرد والمجتمع في إنتاج الثقافة بشكل عام وبأساليب وثيقة الصلة بالقضايا التي طرحها نوسبوم ونظريته الاجتماعية العامة بصفة خاصة التي تهدف إلى تجاوز التعارض بين الفرد والمجتمع حيث يراها تحدد شروطها على أساس تبادلي. وقضيته بأن العوالم الثقافية التي يفترض أنها عادية بالنسبة للفاعلين داخل هذه العوالم الثقافية تتشكل خلال تأثيرات هؤلاء الفاعلين وأفعالهم الخاصة داخل المجتمع بوصفه نظاما مؤثرا ويفرض شروطه (وهكذا يحافظ على ذاته) فمن ناحية يعرض الناس المهارات التي تتكيف مع قيود البيئة الاجتماعية. وعلى الجانب الآخر لا يحدد المجتمع أفعال الناس: ونفس المهارات العملية التي تسمح لهم بالفعل مع بعض الحرية حتى إنهم يحسنون من عملية التعامل مع عدد لا نهائي من المواقف، وبذلك فهي تؤثر وتعيد تشكيل الظهور العملي للمجتمع ذاته. ومها، وخلال عملية تبادلية فإنهم ينتجون هذه المجتمعات الثقافية بواسطة إطار سلوكي منتظم من الفعل والاستجابة . وبالنسبة لبورديو فإن المعرفة الثقافية مثل معرفة الطقوس والشعائر تعد نوعا من المعرفة العملية المبنية على نفس الإطار للتطبع بوصفها حياة يومية، والتي تتفاعل وتتداخل فيها نماذج من الطقوس والأنشطة اليومية والتي تتداخل  وتتفاعل لإيجاد معنى ثقافي لهذا المجال الحيوي. وفي العالم الاجتماعي ليورديو أو التطبع Habitus فإن الطقوس واللغة والفاعلين والمكان جميعهم يؤدون أدواراً معينة ومفتوحة النهاية في خلق العوالم التي تشكل العالم الاجتماعي من وحدات ذات شكل من العقلانية والشرعية والقوة والفعل الاجتماعي([xxviii]).

والفكرة الرئيسية في منطق بورديو العملى؛ أن التطبع Habitus يقود إلى التأكيد على الروابط عبر سياق الكلام، كمجموعة من الأطر المنتجة للإدراك والفعل والتقدير التى نتعلمها وتعززها أفعال وخطابات تنتج وفقا لنفس الأطر، فإن التطبع Habitus يطبق بالتساوي في العمل الزراعي وفي الطقوس التقويمية coleudical في التفاعل اليومي وفي الأفعال الاحتفالية. وهذا التطبيق واسع المدى لمجموعة صغيرة من الأطر تعطى للمنطق العملى تماسكه التقريبي، وكذلك انتظامه، والظاهرة الاجتماعية توجد ويمكن أن تكون مفهومة نسبية فقط، ذلك أنها كما تحدث في العلاقات المتزامنة أو غير المتزامنة مع ظواهر سوسيولوجية أخرى. وأفكار الذوق السليم في اختيار الملابس على سبيل المثال تعد نتاجا للوسع الاجتماعي للشخص الذي لديه معتقدات أو أكثر تحديدا الذي يمارس طريقة معينة في ارتداء الملابس. وهو يتمسك بهذه المعتقدات في علاقتها بالمعتقدات الأخرى والممارسات التي يتوق إليها بوعي أو عن غير وعى أو ترفض بوصفها إستراتيجية للكفاح من أجل الاعتراف أو القبول بالمكانة والدور في المجتمع. ومثل هذه الأفكار والممارسات يمكن أن تفهم فقط إذا ما كانت كل هذه العلاقات تؤخذ في الاعتبار. ويمكن للمرء أن يربط هذا المثال بالظواهر الحديثة للموضة لدى من هم دون العشرين في الولايات المتحدة، وهي ظواهر ثقافية فرعية مماثلة تكتسح كثير من المجتمعات طوال الوقت([xxix]).

يحذر بورديو من محاولة انهيار الأحداث الواقعة في الوقت المناسب إلى تمثيلات خطية ثابتة على الورق. يصر على أن يحاول العلماء الحفاظ على بعض الإحساس بما كان عليه الحدث حيث تم تجربته في الوقت والحركة. الممارسة لا رجعة فيها وغير متزامنة – الخصائص التي تمنحها معاني محددة فقط في أوقات محددة. إن مفهوم الزمنية وسن القرارات مهمان فيما يتعلق بمراقبة الجنين. تعطي فكرة بورديو عن المنطق الموضعي مؤقتًا فضاء نظريًا للتساؤل عما يحدث بعيدًا عن الكتب التي تحتوي على المعرفة المقننة وما وراء خطاب الممارسين والمرضى فيما يتعلق بتصوراتهم للأحداث، وتحديد موقع التحليل في حدث العلاج نفسه. يتحكم الشريط الخارج من جهاز مراقبة الجنين في إيقاع الوصول إلى المعلومات. وهو يحدد الإيقاع المقبول لتنفيذ نظام العلاج. يتم تحدي الأنثروبولوجيا الطبية هنا من حيث التقاط الحدث والتعامل مع تمثيله النصي النهائي، ووصف استخدام مراقبة الجنين الإلكترونية (EFM) في أحداث العلاج للكشف عن منطق الممارسة([xxx]).

يقدم «بيان سايبورج» لهارواي (1991) نظرة ثاقبة على عالم الطب الحيوي المليء بالبشر والآلات. بالنسبة لهارواي، فإن مفهوم السايبورج هو وحدة الإنسان والآلة مع تطور مثير للسخرية. سايبورج هي «مخلوقات حيوانية وآلة في الوقت نفسه، تسكن العوالم بشكل طبيعي ومصنوعة بشكل غامض». أثناء «توصيلها» بـ EFM، يتم دمج الأم والجنين مع الآلة في رابطة يتم كسرها فقط في لحظة الولادة. لقد أصبحوا سايبورج تكنوبيرث، خليط من الإنساني وغير الإنساني. يتم دمج عملها في وحدة مفاهيمية واحدة([xxxi]).

كان مانفريد كلاينس أول من اقترح بالفعل كلمة “مسبرن cyborg” . وكان كلاينس في ذلك الوقت العالم وكبير الباحثين في مستشفى روكلاند ستيت وخبير في تصميم وتطوير جهاز قياس فسيولوجي، وكان قد حصل بالفعل على جائزة باكير Baker المهيبة لأعماله على التحكم في نبضات القلب خلال التنفس وابتكر لاحقا حاسب كات CAT، الذي لا يزال يستخدم في كثير من المستشفيات حاليا، عندما صك کلاینس مصطلح “مسبرن” لوصف نوع من نظام كائن حي اصطناعي هجين الذي كانا يجریان أبحاثهما عليه، لاحظ كلين أنه “يشبه مدينة في الدانمارك”. لكن الكلمة سكت كما يجب، وتغيرت لفات الحقيقة والخيال على الدوام. وفي ما يلي صفحة كما ظهرت في أسترونوتكس:

للتعقد التنظيمي المتسع بشكل خارجى النمو… نقترح كلمة “مسبرن”. المسبرن بمثابة عناصر خارجية النمو تندمج بترو لتتوسع في وظيفة التحكم بالتنظيم الذاتي للكائن الحي لكي يتكيف مع بيئاته الجديدة([xxxii]).

هكذا، في وسط كتلة مختلطة من نثر معقد، ولد المسبرن. والأحرف الأولى لــ “مسبرن cyborg” تأتي من الكائن السبرانی Cybernetics Organism أو الكائن الذي يتم التحكم فيه بشكل سبرانی Cybernetically Controlled Organism، وكان مصطلحاً فنياً معنياً بالإحاطة بكل من مفهوم اندماج إنسان – آلة  والطبيعة الأكثر وضوحا للاندماج المتصور. كان علماء السيبرانية مهتمون بشكل خاص بــ “نظم التنظيم الذاتي” . وهي نظم تكون فيها نتائج النشاط الخاص للنظام “ذو تغذية خلفية” لكى يزيد، او يوقف، أو يبدأ، أو يقلص النشاط كما تمليه الظروف. آلية التفريغ / إعادة الملء في المرحاض التقليدي مثال منزلي، كما هو الحال مع الثرموستات في الفرن المنزلي تنخفض درجة الحرارة، وتنشط دائرة كهربائية، فيعود الفرن للعمل. ترتفع درجة الحرارة، وتنقطع دائرة ويتوقف الفرن عن العمل. وحتى الأكثر إملالا يتم تفريغ المرحاض، تهبط العوامة مما يؤدي إلى فتح الصمام الداخلي المتصل بها. يتدفق الماء عندئذ حتى تصل العوامة، الموضوعة أعلى المد الصاعد، إلى مستوى محدد بشكل مسبق وبذلك تعيد إغلاق الصمام. مثل هذه النظم يقال عنها أنه يتم التحكم فيها باستقرار متجانس homeostatically لأنها تستجيب آليا للانحرافات عن خط قاعدی (التوازن المعياري للسكون) بطرق تعيدها نحو الوضع الأصلي – الوعاء المليء، ودرجة الحرارة المحيطة وما شابه ذلك([xxxiii]).

يجب أن يكون واضحا أن الجهاز العصبي التلقائي البشري مماثل تماما لآلة ذات تنظيم  ذاتي و استقرار متجانس. إنه يعمل بشكل مستمر ودون جهد واع من جانبنا، لكي يحافظ على المتغيرات الفسيولوجية المهمة في إطار نطاقات مستهدفة محددة، مع زيادة الجهد وهبوط أكسدة الدم، نتنفس بشدة أكثر وتتسارع نبضات قلوبنا، فتدفع المزيد من الأكسجين في تيار الدم. مع انخفاض الجهد وارتفاع مستويات أكسجين الدم، ينخفض التنفس ومعدل نبضات القلب، مما يقلل ما نحصل عليه من الأكسجين وما نسحبه.

بوضع كل ذلك في الاعتبار، حان الوقت لمقابلة أول مسبرن الذي أجيز وسجل بفتور. لم يكن وحشا خياليا، ولا حتى كائناً بشرياً مجهزاً بجهاز إلكتروني للتحكم في القلب (رغم أنه ضمن كائنات سبرانية من هذا الطراز البسيط أيضا)، لكنه جرذ مختبر أبيض يقطر ملحقا غير رشيق – مضخة روز Rose أوزموزية مزروعة. تم عرض هذا االجرذ في بحث عام 1960 لكلاينس وكلين بوصفه “أحد أوائل الكيانات السبرانية” واللقطة الخاطفة، كما علقت دونا هاراوای Donna Haraway بدهشة “ينتمى لألبوم عائلة إنسان”([xxxiv]).

للأسف، لم يكن للجرذ اسم، لكن المضخة الأوزموزية كان لها اسم. تم تسميتها على اسم المخترعة الدكتورة روز Rose، التي توفيت حديثاً بعد حياة إبداعية كرستها للأبحاث حول علاج للسرطان. لذلك دعنا ننسب ذلك باحترام إليها، ونسمي نظام المضخة الجرذ القديرة روز. أدمجت روز وظيفة كبسولة مضخة ضغط لإعطاء الحقن بمعدل يتم التحكم فيه. كانت الفكرة الجمع بين المضخة المزروعة ودائرة تحكم كهربائية مقفلة اصطناعية، مما يولد في روز طبقة استقرار داخلي. يمكن أن تعمل الطبقة الجديدة مثل الطبقة البيولوجية دون الحاجة إلى أي انتباه أو جهد واع ويمكن استخدامها لمساعدة روز على التعامل مع أحوال خاصة خارج الأرض، ويخمن الكاتبان، مثلا، أن تفحص دائرة التحكم الآلية الحوسبية ضغط الدم الانقباضي، وتقارنه ببعض القيم المرجعية المحلية الصحيحة، وتشرف على إعطاء عقاقير أدرينالية أو موسعة للأوعية الدموية تبعا لذلك.

مع نجاح الكيانات السيبرانية، فإن روز، مثلها مثل الكائنات البشرية بجهاز ناظم القلب، ربما تلقى القليل من الإحباط، وللاطمئنان، يتم في كل منها طبقة اصطناعية إضافية للتحكم المنتظم غير الواعي متجانس الاتزان. لكن روز يظل على الأكثر جرذ رغم ذلك، وجهاز ناظم قلب واحد لا يصنع مدمر Terminator ما. وتظل الكيانات السبرانية، كما يبدو، إلى حد كبير مادة للخيال العلمي، على الرغم من أبحاث وتطوير استمرت تسع وأربعين عاما.

تم الكشف عن المخبأ. يُقرأ الوحي عن طريق الطب الحيوي كتعبير جزئي عن الحقيقة ويستخدم كأساس لعديد من القرارات الطبية. الخربشات الخفية الرقيقة المبطنة التي تخرج من الشاشة هي هيروغليفية في أواخر القرن العشرين في أكثر حالاتها غموضًا وقوة([xxxv]).

تحليلات بورديو للعالم الثقافي – الاجتماعي (للكابيل) في مراكش عادة ما توصف بدقة شديدة بثراء تفسيراتها للطقوس والشعائر، واللغة والممارسة التي خلالها يتم إنتاج البناء النسقي لهذه الممارسات. ولكن تحديدا بسبب التأكيد على تزامن البناء ومنطق الإنتاج لهذا العالم الاجتماعي يظهر التطبع، ليفقد التركيز على عملية الإنتاج. ونتيجة لذلك يلاحظ كراتز أن فهمه ذو الصلة (لاختراق السياقات الثقافية) يميل إلى إحلال روابط أخرى تعتمد بحدة أقل على صلات متبادلة، ومعان إيجابية لا تعتمد على تعارضها مع أطر وأهداف أخرى . الأمر الثاني أن نظرية بورديو تفترض سوقا لغويا منفردا ومجموعة واحدة من القيم التي يعترف بها ويشترك فيها كل المعنيين بالأمر. وهي تتجاهل العالم متعدد الأبعاد الذي يعيش فيه الناس علاقات اجتماعية متنوعة على أساس معاصر أو ينتقلون بينها على نحو متكرر. أو بمعنى آخر لم يأخذ بورديو في الاعتبار القدرة المتعددة لغويا الحقيقية والمجازية للأفراد للاشتراك في الخطابات عبر مجالات ثقافية متنوعة. والإطار الماركسي والذي يجعل من الممكن بالنسبة لبورديو أن يفقد التركيز على العملية، والتى خلالها تنتج عوالم اجتماعية ذات نهايات مفتوحة، لأنها تحول الانتباه نحو بناء القوة داخل سياقات محدودة، كما أنها تقوده أيضا إلى رؤية حتمية للمؤسسات الثقافية بوصفها نوافذ خلالها يمكن ملاحظة تصنيفات وتعريفات البشر والمجتمعات. وهو يعرف المؤسسات الثقافية كوحدات للقوة، القوة التي تمثل وتعزز الحالة الراهنة، لإعادة بناء أبنية الاعتقاد والتجربة التي خلالها يمكن فهم الاختلافات الثقافية. والنظرة العامة على نسق بورديو سوف يعطي صورة للمجتمعات بوصفها وحدات اجتماعية جمعية استعراضية أو قابلة للإدارة، لأنها تمتلك أبنية ثابتة متجاورة، ولكنها ليست مرتبطة كل منها بالأحرى. وبالنسبة لبورديو فإن المجتمعات تولد ذاتيا وتميل إلى أن تكون إقصائية تبادليا وتغذى تشكيلة من هذه النظرة المعتمدة على العرقية والخطاب السياسي المحافظ الأمریكی وخاصة في الولايات الجنوبية([xxxvi]).

مراقبة الجنين الكترونياً

هي تسجيل مستمر لضربات قلب الجنين وحالته، تستخدم بصفة خاصة أثناء عملية الوضع . فللمحافظة على الاشارات المنتظمة لابد أن تكون المرأة في وضع مستقر ، ساكن وهذا يفرض عليها درجة من عدم الارتياح أثناء عملية الوضع ولأنه شديد الحساسية لأي حركة قد يعطي دلالة زائفة على إرهاق وضيق الجنين الذي يحتم إجراء عملية الولادة بسرعة قد تكون غير ضرورية مثل العملية القيصرية . ولقد أظهرت محاولات العلاج العشوائية المبكرة منذ إدخالها «أي أجهزة مراقبة الجنين الكترونيا» في الولايات المتحدة الامريكية 1968 ، وحتى إزداد استعمالها ليغطي نحو نصف حالات الولادة كلها، أن هناك زيادة واضحة الدلالة إحصائيا في الولادة القيصرية دون فائدة أو داع،  وبمراجعة النتائج فيما بعد، ظهرت دلائل على أن لها مخاطر تسترعي الانتباه الاكلینیكی : فارتباطها بالولادة الجراحية ارتباط خطير . ويمكن القول بصفة عامة أن تكاليفها والمخاطر المحتملة التي قد تترتب عليها ، تفوق كثيرا فوائدها . ومع ذلك فبينما أعلنت الكلية الأمريكية لأمراض النساء والولادة في 1989 أن المراقبة بالسماعة هي الطريقة المقبولة في حالات الحمل ذات الخطورة العالية ، كذلك في حالات الحمل القليلة الخطر، فإنه لا توجد دلائل على أن استخدام المراقبة الإلكترونية قد قل ويبدو أن السبب في التمسك بهذه الطريقة يرجع إلى طلب المريض المستمر للتقنيات المتاحة ، وحاجة الطبيب لحماية نفسه من قضايا الإهمال([xxxvii]).

يمكن أن نتخذ مثالا واضحا هنا من حالة الكشف بالموجات فوق الصوتية عن الجنين أو التشخيص قبل الولادة بالمعنى الواسع، إن التصوير بالموجات فوق الصوتية وسحب عينة من السائل المشيمی يمكننا من أن نحدد أثناء الحمل إذا كان الجنين يعاني من حالة السنسنة المشقوقة أو الصلب الأشرم Spina” “bifidia أو من حالة متلازمة داون ” Down’s Syndrome” . وطبيعي أن مجرد توافر مثل هذه الاختبارات يحدد إلى مدى بعيد أي الأسئلة الأخلاقية وثيقة الصلة بالأمر، أو يحدد ما الأسئلة التي يمكن طرحها فيما يتعلق بالممارسات الخاصة بالحمل. مثال ذلك الأسئلة الأخلاقية الخاصة بإجهاض الحميل المصاب بعيوب خلقية تمكن إثارتها، حين يكون بالإمكان اكتشاف هذه العيوب وحين يكون الإجهاض مطروحا كخيار سواء من وجهة نظر تكنولوجية أو وجهة نظر أخلاقية – ثقافية([xxxviii]).

يمكن القول بأن الدلالة الأخلاقية لتكنولوجيا التشخيص قبل الولادة يمكن التعبير عنها، إلى حد ما، في معجم الأخلاق الإنسانية. وثمة تساؤلات مثل: هل مسموح بإجهاض جنين يعاني من عيوب خلقية خطرة؟ وهل مسموح أن تهب الحياة لطفل نحن نعرف أنه سيعاني من حالته بشكل شديد القسوة؟ تصوغها بأسلوب حداثي تماما خاصة بالفعل – الأخلاقي، ويماثل هذا تماما السؤال الانعكاسي: هل من الصواب أخلاقيا أن نحمل الأبوين المسئولية الأخلاقية باتخاذ قرار بشأن حياة طفلهما الذي لم يولد بعد على أساس تقدير الأخطار؟ إن التحليل عن كثب أكثر لهذه الأسئلة الأخلاقية يعيق مباشرة ماكينة التقنية الحداثية، ذلك لأنه إذا كانت الموجات فوق الصوتية تفيد حقا في تحديد أي القرارات الأخلاقية التي يمكن أن يتخذها البشر؛ فإن هذا يكسر مباشرة الاستغلال الذاتي للذات وكذا نقاء إرادتها واعتباراتها الأخلاقية. وهنا لا نبدو فقط وقد فشلنا في الحفاظ على العالم الخارجي “خارجا”، بل إن هذا العالم يبدو أيضا مؤلفا مما هو أكثر من شیء امتدادي “res extensa” . إن التصوير بالموجات فوق الصوتية “يعمل” شيئا ما في موقف الاختيار هذا، وأن الماسح الضوئی (الإسكانر) بالموجات فوق الصوتية أكثر من مجرد شیء أخرس سلبيا، والمستخدم فقط كأداة للنظر والفحص داخل الرحم([xxxix]).

تعزف دقات القلب وحركات الرحم اللحن على حلقات العلاج التي تكتبها الممرضات والأطباء. يتم لصق أنظمة العلاج بشكل دائم في موقعها الزمني الدقيق فيما يتعلق بالأداء الفسيولوجي للأم وطفلها، خلال لوحات المفاتيح التي تطبع الإجراءات عند اكتمالها. النقطة والنقطة المقابلة. أحدهما يتبع الآخر عبر الشريط – نبضات القلب، وحركات الأم، والممارسين الطبيين، وتدخلاتهم. يتم تفسير الأم والطفل من خلال الآلة ومعها ؛ عمليات الدمج الخاصة بهم. إنها «قراءة» واحدة. يتم التحكم فيهم كواحد. لماذا تمت صياغة العملية الطبية الحيوية للولادة بهذه الطريقة؟([xl]).

بينما أظهرت عديد من الدراسات أن الرصد المستمر لا يحسن نتيجة الولادة (الكلية الأمريكية لأمراض النساء والتوليد 1995)، فقد أصبح معيار الممارسة في معظم المستشفيات الأمريكية لرصد دقات قلب الطفل الذي لم يولد بعد أثناء المخاض وأحيانًا بشكل مستمر لمدة تصل إلى أربعة عشر أسبوعًا قبل الولادة. تم استخدام أجهزة مراقبة الجنين في الاستخدام السريري دون إثبات فعاليتها سريريًا (الكلية الأمريكية لأمراض النساء والتوليد 1995). ساعد توافرها على نطاق واسع وقدرتها على اختراق العالم الخفي للرحم، مما جعلها في متناول الممارسين، على زرع الشاشات بقوة في ممارسة التوليد. ينتقد Sandmire 1990)) بإيجاز استخدام EFM من وجهة نظر الطب الحيوي، مشيرًا إلى أن مشاكل التوليد غالبًا ما تنتج عن انخفاض حركة الأمهات أثناء المخاض، وكذلك من زيادة خطر العدوى الذي يصاحب استخدام الجهاز الداخلي لمراقبة الجنين. في حين أن بعض الممارسين وبعض النساء الحوامل يعترضون على استخدام مراقبة الجنين في حالات معينة لهذه الأسباب وغيرها، فإن عديد من العلاجات التوليدية تستند إلى تفسيرات ناتج EFM. إنه يوفر أكثر من مجرد ضمان بأن كل شيء على ما يرام مع الجنين: كما أنه يوفر ملاحظات دقيقة بدقيقة تستخدم لاتخاذ قرارات التوليد فيما يتعلق ببروتوكولات العلاج المناسبة. باختصار، أصبح جزءً لا يتجزأ من عيادة التوليد([xli]).

بمجرد وضع الجنين ، فإنه يعد طفلا ، ولكن قبل ذلك هناك ميل ينعكس في قوانين بعض الأقطار إلى الأخذ بمنظور تدريجي عن تطور الجنين كشخص له حقوقه التي تزداد مع نموه كشخص محتمل في المراحل النهائية لوجوده داخل الرحم.  وعلى الرغم من ذلك فإن قدرة الجنين على الحياة لا تحتمل القدرة على البقاء دون عناية من الأبوين أو الأم المستعارة أو أي نظم تكنولوجية مساعدة . فمفهوم القابلية للحياة قد أصبح له مدلول ذو معني من وجهة نظر المجتمع عند بحث موضوع الإجهاض . ويظهر ذلك في حكم المحكمة العليا بالولايات المتحدة في قضية ، روي ضد وادي Roe v. Wade عام 1973 ، حيث أعطيت الصبغة الشرعية للإجهاض في أثناء الثلثين الأول والثاني من فترة الحمل ، وذكر في الحكم أن الدولة ليس لها مصلحة ملحة في حياة الجنين إلا بعد أن يبلغ الأسبوع الرابع والعشرين من الحمل . ورغم وجود بعض الدعاوي التي تخالف ذلك ، ورغم أن المحكمة العليا قد أصدرت حكمها في عام 1989 بضرورة عمل اختبار قابلية الجنين للحياة حينما يبلغ أسبوعه العشرين ، فإن قدرة الجنين على الحياة خارج الرحم لم تتغير إلى ما قبل الأسبوع الثالث والعشرين أو الرابع والعشرين . ويبدو أنها لن تتغير إلى تاريخ أسبق من ذلك إلا إذا استطاعت التقنيات الجديدة أن تساعد رئتي الجنين اللتين لم تتطورا بما فيه الكفاية بعد لتحقيق التنفس للجنين قبل هذا الموعد . حتى يحصل على الأكسجين دون أن يحدث تدمير لا يمكن إصلاحه أو علاجه للأنسجة([xlii]).

هكذا فإن الموجات فوق الصوتية وسيط لا لساني للأخلاق؛ إنها “تروض” البشر بأسلوب مادي. ويا لها من سخرية أن “الترويض” للإنسانية في هذا المثال وثيق الصلة مباشرة بممارسات “التنشئة”. ويوضح هذا فورا أن عمل سلوتير ديجك ليس فقط وثيق الصلة بتحليل سيناريوهات جامحة عن مستقبل التحول الإنساني “Transhuman future”، ولكن أيضا لبيان كيف أن ممارسات التنشئة الجارية في الحياة اليومية للهوموسابينس (التي لا نزال نمارسها) هي ممارسات بعد إنسانية بشكل كامل من حيث طبيعتها. وواضح أن القرارات الأخلاقية بشأن الحمل و الإجهاض تتشكل في حالات كثيرة؛ خلال التفاعل مع أساليب التصوير بالموجات فوق الصوتية لكشف حالة الجنين. ويبدو أن العمل الأخلاقي لا نستطيع فهمه هنا في ضوء الفصل الحاد بين الفاعل الإنساني الأخلاقي من ناحية، الذي يعمل في عالم من موضوعات مادية خرساء من ناحية أخرى. إن التصوير بالموجات فوق الصوتية، يسهم بنشاط لما سوف يكون مستقبلا بشأن الأعمال الأخلاقية وما وراها من اعتبارات أخلاقية، ولذلك فإن هذا المثال يبين لنا أن الفاعلية الأخلاقية يجب ألا ننظر إليها كأنها خاصية بشرية حصرا، إذ إنها موزعة بين البشر وغير البشر. إن الفعل الأخلاقي ممارسة، يكون فيها البشر وغير البشر مرتبطين معا على نحو وثيق، ويثيرون مسائل أخلاقية ويساعدون في الإجابة عنها([xliii]).

الملاحظ أنه في هذه الروابط لا تكون الكائنات الممتدة “”res extensa هى وحدها الأكثر نشاطا مما يشير إلى النهج الإنساني، بل وأيضا الكائنات المفكرة “res cogitan” الأقل من حيث الاستقلال الذاتي. وكم هو مستحيل حسب التوجه الإنساني، تصنيف فعل حدث بتأثير التكنولوجيا على السلوك، بوصفه فعلا أخلاقيا. إن شخصا ما كمثال، يبطئ من حركة سيارته قرب مدرسة بسبب مطب اصطناعي، لا يفعل ذلك بدافع أخلاقي أو مسئولية، إنما سلوكه يحكمه اتجاه محدد. ولكن مثال الموجات فوق الصوتية يوضح أن الأخلاق لها نطاق أوسع من ذلك، هنا التكنولوجيا لا تعيق الأخلاق، بل، هو الأصح، تكونها. وهكذا تنظم عملية التصوير بالموجات فوق الصوتية موقفا لاتخاذ قرار أخلاقي وإن كانت تساعد أيضا في صياغة إطار التفسير الذي يجري اتخاذ القرارات على أساسه. ونحن ما أن نرى أن الأخلاق ليست شأنا بشريا خالصا، حتى لا تكون “التدخلات” المادية في الأحكام الأخلاقية للذات تلوثا “الإرادة نقية”، بل هي سيط “ميديا” للأخلاق. وفي هذا ما قاله كانط ولكن بعبارة أخرى: أخلاق دون ذوات عمياء، ولكنها دون موضوعات فارغة. وإن الذات في المساحة النقية للذاتية لا يسعها مواجهة عالم كي تجد علاقة أخلاقية معه، إذ إنه حال وجود هذا العالم هناك تظهر على الفور الممارسات التي تساعد في صياغة الفضاء الأخلاقي للذات. وطبيعي أن الفعل الوسيط ليس لا أخلاقيا، بل هو على الأصح الساحة المتميزة التي تجد فيها الأخلاق نفسها داخل ثقافتنا التكنولوجية([xliv]).

تجربة الولادة الطبية الحيوية لا ترتكز فقط على النظر في EFM، ولكن الآلة تشكل أيضًا وجودًا سمعيًا في وحدة العمل والولادة. يدوي إيقاع نبضات قلب الجنين في غرفة العمل. تتسارع دقات القلب، وتستنتج العدوى، ويتم إعطاء المضادات الحيوية، ويتم النظر في الولادة الجراحية. يتعثر نبض القلب، ويتباطأ بعد الانكماش، ويكافح للعودة إلى خط الأساس السابق بعد كل انكماش – اقرأ التوتر والضيق. يتم إعطاء الأكسجين للمرأة، ويتم تغيير وضع الأم لتحسين تدفق الدم إلى المشيمة، وتزداد السوائل الوريدية، ويصل الممارسون إلى قناة الولادة ويخدشون رأس الطفل لإثارة زيادة في استجابة معدل ضربات القلب لتقييم الاحتياطيات الفسيولوجية. يد واحدة على البطن، عيون على الشاشة، آذان مضبوطة لعدم انتظام ضربات القلب، تسرع القلب (زيادة معدل ضربات القلب)، بطء القلب (انخفاض معدل ضربات القلب)، يقوم الممارسون بتقييم الناتج حيث يتم إنتاجه في وقت واحد من قبل الآلة والمرأة. الشاشة أكثر من مجرد حزام غير مريح حول خصر المرأة. إنها أداة التقييم الأكثر اعتمادًا لممارس الولادة الطبية الحيوية، والبطانية الأمنية المفضلة، والكرة البلورية، وكلها موجودة في شئ واحد([xlv]).

العلاج الطبي لقلب للجنين:

يمكن توثيق العلاج الطبي للجنين في ظروف عدة([xlvi]):

  • تنقية الجنين، التشوهات في تركيبة قلب الجنين يمكن تشخيصها خلال تخطيط صدى القلب، وعدم انتظام، أي عدم انتظام دقات القلب، وكانت هنالك محاولة لإعادة هذا الانتظام هذا للجنين عن طريق دواء يعطى للأمهات عن طريق الفم فقط أو مع عوامل محفزة أخرى، وفي الوقت الحاضر تم استخدام عينة من دم الجنين بواسطة ثقب الحبل السري لإعطاء الأدوية للجنين بشكل مباشر،  وهذه التقنية تعمل على تقليل الآثار الجانبية على الأم.
  • التضخم الخلقي المجاور للكلية، يمكن تشخيص هذه الحالة في الرحم، ويمكن علاجها قبل الولادة بإعطاء الأم عقار ديكسا ميثازون.

جـ- العيوب الكيميائية الحيوية، وهي عيوب مثل الأحماض الدموية الميثيلية وهي التي يمكن تشخيصها ومن ثم علاجها قبل الولادة.

  • زرع أو غرس نخاع عظام الجنين من أجل الاضطرابات الجينية :(IBMT)

عدد كبير من الاضطرابات الجينية المهددة للحياة والتي تشمل النقص في منتجات الخلية الجذعية الطبيعية والإنزيمات يمكن تصحيحها بواسطة غرس نخاع العظم مختلف الجينات. وهذه التقنية ممكنة ويمكن تطبيقها على الجنين في الرحم, وقد قمنا بهذا الزرع ((IBMT لاختبار إمكانية هذا الإجراء ولمحاولة تصحيح النقص الجسدي قبل الولادة، وذلك لمثل المادة البيضاء المتبدلة النون (MLD)، ويضمن النجاح لهذه التقنية إذا تم استخدامها في المراحل المبكرة للحمل، ويمكن استخدامها عند منع التطعيم مقايل مرض الحاضن أو العائل (GVHD)، حيث إن هذه الحالة أو هذا الشرط قد يسفر عن موت الجنين داخل الرحم أو قد يؤثر على المولود الجديد عقب الولادة. وقد أشرنا إلى أن GVHD يمكن منعه مبكرا إذا كان ثمة استنزاف أو نضوب للخلايا الليمفاوية قبيل IBMT ، ولكي يكون ثمة علاج ناجح الاضطرابات الجينية، فإن تقنية IBMT يجب تحسينها حتى يمكن استخدامها في المراحل المبكرة من الحمل([xlvii]).

في مجال طب التوليد الحديث, فإن الجنين قد لاقي من العناية الطبية، كمريض ما لاقته الأم من مثل هذه الرعاية الطبية المسندة لهما من الأطباء، الجنين بوصفه مريض غالبا ما يواجه مخاطر أكثر وأكثر من الأمراض الخطيرة وبأكثر مما تواجهه الأم([xlviii]).

السيناريو شائع: المرأة التي تلد تستريح في سرير المستشفى، تراقب ، نغمات قلب الجنين تدق. لا أحد آخر في الغرفة. في مركز الممرضات، تقف مجموعة من الممرضات والأطباء حولها للدردشة، كثيرًا ما ينظرون إلى شاشة المراقبة. لوحظ تباطؤ «شديد» في معدل ضربات قلب الجنين. على الفور يندفع العديد من الممارسين نحو غرفة المريضة. الباب مفتوح. يبدأ الأطباء والممرضات العلاج بناءً على البروتوكولات التي تم وضعها سابقًا. يضخون الأدرينالين، ويجرون فحوصات مهبلية للتحقق من احتمال تدلي الحبل السري، وتغيير وضع الأم لزيادة تدفق الدم إلى الرحم، ووضع أجهزة مراقبة داخلية لزيادة دقة الالتقاط بالإضافة إلى مجموعة من الإجراءات الأخرى. إذا لم يكن أي من هذه الإجراءات فعالاً في استعادة دقات قلب الجنين الطبيعية، يتم إجراء عملية جراحية طارئة. لا ينبغي التقليل من شأن دقات القلب والإحساس بالبطولة إذا عادت دقات القلب إلى طبيعتها – وهو ما كان من المرجح أن يفعله بدون أي من هذه الإجراءات. قد يعني التباطؤ الذي يعتبره الممارسون «شديدًا» حالة طوارئ طبية، كما هو الحال في الحبل السري المتدلي. ومع ذلك، في معظم الحالات، لا يشير التباطؤ إلى حالة طبية طارئة وفي بعض الحالات قد يكون مجرد تقلب منتظم في المعدل. ثم تُترك المرأة التي تلد بمفردها مرة أخرى بينما يتراجع الممارسون خارج الغرفة([xlix]).

كما ينص القانون على المراقبة الكاملة للممارسين الذين يرغبون في العمل مع النساء اللواتي يلدن. يتم تحديد معايير الرعاية عبر آلة EFM، وبالتالي في عالم الولادة غير المؤكد تمامًا، في كل مرة تحدث الولادة خارج العين الشاملة للشاشة، سواء كانت تحدث في المستشفى بدون EFM أو في المنزل، يتم زيادة المخاطر القانونية والنقدية للممارس بشكل كبير. يعد بانوبتيكون panopticon الخاص بـ Foucault استعارة مناسبة لاستخدام EFM فيما يتعلق بمراقبة المرأة التي تلد والمراقبة القانونية للممارسين. يتم عرض دقات قلب الجنين بصريًا في جميع أنحاء وحدة التوليد على الشاشات ويتم عرضها بصوت مسموع صعودًا وهبوطًا في القاعات إذا تم رفع مستوى الصوت على الشاشة. يتم عرضها أيضًا في مكاتب الأطباء في جميع أنحاء المدينة وفي منازل الأطباء الموصولة بالشاشات البعيدة. يتم تقييد حركة الأمهات من أجل إنتاج الشريط الأكثر وضوحًا والأكثر قابلية للتفسير. عندما تكون المرأة مرتبطة بـ EFM، يتم ربطها بالسرير وربطها في مكانها. في حين أن عديد من النساء اللواتي يلدن في المستشفى يرغبن في النوم حتى يتمكنوا من تلقي مسكنات الألم عن طريق الوريد أو التخدير فوق الجافية، فإن بعض النساء يجدن الاستلقاء غير مريح للغاية. لا يُسمح بحركة الأم الطبيعية السليمة. إذا حاولت الأم التحرك، فسيظهر الشريط هذه الحركة وستنظر الممرضة أو الطبيب في الغرفة للتأكد من توقف الحركة غير المبررة. إذا كان هناك كثير من هذه الحركة، فلن يكون «الشريط» «قابلاً للتفسير» سواء الآن أو، إذا سنحت الفرصة، في قاعة المحكمة. قاعة المحكمة ؛ في حالة النتائج الجسدية السيئة، فهي الوجهة النهائية. هؤلاء الممارسون الذين لم يمارسوا السيطرة الكافية عليهم الدفع. غالبًا ما يكون «الشريط» جزءً مهمًا من الحجة القانونية وأساس التسويات بملايين الدولارات. يتم استخدامه في 50 في المائة على الأقل من جميع قضايا محاكم التوليد. إنه جزء من السجل الطبي الدائم. إن استخدام تكنولوجيا EFM جزء لا يتجزأ من النظام القانوني وكذلك في النظام الطبي الحيوي([l]).

بعد سيناريوهات «الطوارئ» مثل السيناريو الموصوف أعلاه، تصبح النساء سهلة الانقياد – بعد كل شيء، لا يعرفن أبدًا متى قد يكتشف الممارسون فجأة تغيرًا في معدل ضربات القلب قد يتطلب اهتمامًا فوريًا. مثل وصف فوكو للسجناء الذين توقفوا عن التمرد لأنهم اعتقدوا أنهم مراقبون، حتى عندما لم يكونوا كذلك، تظل هؤلاء النساء في الوضع «الصحيح» لساعات في كل مرة. لقد أعيد تشكيلها بشكل فاعل فيما يسميه ديفيس فلويد (1992) نموذج الولادة التكنوقراطي. وفي الوقت نفسه، فإن الممارسين مقيدون في نطاق ممارساتهم من حيث أنهم يجب أن يستجيبوا لنواتج الـ EFM بالطريقة المقبولة أو يواجهوا عقوبات قانونية. يعمل الممارسون أيضًا تحت العين الساهرة للبانوبتيكون([li]).

التكنوبيرث والتكنوقراطية

بمجرد أن أدركت – روبيه ديفيز – أن التوليد المعاصر هو نظام يشارك في إنشائه أطباء التوليد والنساء، كل منهم لديه كثير ليكسبه من تفكيك الولادة العضوية وإعادة بنائها كإنتاج تكنولوجي، اضطررت إلى النظر مرة أخرى إلى التفاعل بين الإنسان والآلة الذي يميز هذا الولادة التقنية التي أعيد بناؤها – في التعايش القوي بين المرأة والتكنولوجيا ؛ والطريقة التي يزيل بها الفوضى والخوف من تصورات المرأة للولادة ؛ وتعبيرا كاملا عن بعض أساسيات الحياة التكنوقراطية. حقيقة أن صورة الطفل على شاشة الموجات فوق الصوتية غالبًا ما تكون أكثر واقعية للأم من حركته بداخلها يعكس تركيزنا الثقافي على التجربة التي تم نقلها بخطوة واحدة على شاشات التلفزيون والكمبيوتر. يقوم جهاز مراقبة الجنين الإلكتروني بتوصيل المرأة بنظام الكمبيوتر في المستشفى، مما يؤدي إلى الولادة في عصر المعلومات. السرير البلاستيكي الذي يتم فيه وضع المولود الجديد يتحول إلى سرير الأطفال وروضة الأطفال، وجهاز التلفزيون كجليسة أطفال – والطفل الذي يرتبط بقوة بالتكنولوجيا لأنه يتعلم أن الراحة والترفيه يأتيان في المقام الأول من المصنوعات التكنولوجية. يكبر هذا الطفل ليكون المستهلك البارع، وبالتالي فإن التكنوقراطية تديم نفسها([lii]).

دون هذا النوع من التعايش بين الإنسان والآلة الذي تم تحقيقه بيانيًا واستمراره في الولادة في المستشفى، سيكون ستيفن هوكينز عاجزًا تمامًا بدلاً من كونه عضوًا حيويًا في مجتمع الفيزياء الفلكية، وسيظل صهري في معاناة من القرص الذي تمزق في ظهره. اللوحة المعدنية التي حلت محله والقضبان الفولاذية التي تدعم عموده الفقري، مثل مشاركتي الكاملة مع الكمبيوتر الذي أكتب عليه واعتمادي عليه، الكرسي المريح الذي أجلس عليه، النظارات الخاصة التي يجب أن أرتديها لأتمكن من التركيز على الشاشة، واعتمادي التام على السيارة التي قدتها للوصول إلى هذا المكتب يجعلني نصف سايبورج أيضًا. لا يمكنني الاختلاف مع أولئك الذين يقترحون أن «سايبورج» قد يكون تصورًا أكثر ثراءً للموضوع الصحيح للأنثروبولوجيا من «الإنسان» بالمعنى البيولوجي. نحن (تقريبًا) جميعنا سايبورج الآن([liii]).

ولادة غير سيبورج ؟

سنوات من المشاركة في مجتمع الولادة البديل الذي تمثله القابلات جعلت علاقتي – روبيه ديفيز – بالأسطورة السيبورجية علاقة مريبة. في وقت مبكر من بحثي في الأطروحة، دُعيت لإلقاء محاضرات وورش عمل في مؤتمرات تعليم الولادة. بينما كان معلمو الولادة الذين حضروا محادثاتي مفتونين بتفسيري الأنثروبولوجي لروتين التوليد كطقوس تسن القيم الأساسية للمجتمع التكنوقراطي الأمريكي ، لم يكن التحفيز الفكري لحجتي كافيًا بالنسبة لهم. أرادوا معرفة ما يمكنهم فعله حيال ذلك. لقد اعتبروه أمرًا مفروغًا منه أن الولادة كانت صحية وعضوية، ليست آلية، وأن النساء أفضل حالًا دون الأدوية والمراقبين، وأن الولادة الطبيعية كانت أفضل. لقد أثر موقفهم الشمولي بشكل كبير، وساعدني في إيجاد الشجاعة لإنجاب طفلي الثاني – طفل رضيع يبلغ وزنه عشرة أرطال – في المنزل عام 1984. عززت تلك التجربة انتقالي إلى نهج شامل للحياة والصحة، بما في ذلك الحمل والولادة. وهذا النموذج الشامل ليس فقط أن الجسم هو مجال طاقة في تفاعل مستمر مع مجالات الطاقة الأخرى، ولكن أيضًا أن الشفاء يتطلب الاهتمام بالجسم والعقل، الروح والمجتمع والبيئة، وأن المرأة الحامل والطفل لا ينفصلان، أن كثير من التدخلات التكنولوجية تجعل الولادة مختلة وتسبب المشاكل المصممة لحلها، وأن النساء يلدن بشكل أفضل عندما يتم رعايتهن وحمايتهن بحيث يمكن للأجسام ضبط نغمة وإيقاع الولادة ، دون فرض إيقاعات أو جدول زمني لشخص آخر([liv]).

الأيديولوجية الطبية الحيوية في السياق المؤسسي

من وجهة نظر قانونية، لا يوجد شيء أكثر إدانة من شريط الشاشة لأنه يمكنك قراءته بأي طريقة قديمة. عند العودة إلى الوراء عندما تحصل على طفل لم يكن جيدًا، يمكنك دائمًا النظر إلى الشريط ورؤية شيء مشكوك فيه. سيقول المحامي، “مرحبًا! لماذا لم تفعل شيئا هنا؟ R.N.

يتطلب التصور المرضي للولادة إعادة تفسير ما هو «طبيعي» وإعادة تقييم النتائج. يقول ويليس: «إحدى أهم الوظائف العامة للأيديولوجية هي الطريقة التي تحول بها القرارات والنتائج الثقافية غير المؤكدة والهشة إلى مذاهب طبيعة منتشرة». هذه عملية تعيد إنتاج الأيديولوجيات الطبقية بين مجموعات الأفراد حيث يتم وضعها في سياق داخل المؤسسات. في حين أن ممارسي التوليد لديهم بعض التبصر في عمليات المؤسسة الطبية الحيوية وعلاقاتهم معها كعمال، تتطلب ممارستهم المستمرة في هذا الإطار أن يتخذوا وجهة نظر تتفق مع مفهوم مفسر طبيًا حيويًا لما يشكل «ولادة طبيعية» – أي ، يتم تنفيذه تحت رعاية العاملين في المجال الطبي ، داخل مؤسسة ، باستخدام التقنيات والعلاجات المقبولة. لتحديد ما هو «طبيعي»، يجب تعريف الطرف المعاكس من الطيف – «غير طبيعي» – أو إنشاؤه([lv]).

تهيئ أعمال إمكانية لربط الأخلاق بظاهرة التوسط التكنولوجي ومن ثم فإن قوام أخلاق التكنولوجيا يتمثل في عملية تقييم حذرة وتجريب للتوسطات التكنولوجية، بغية المساعدة الصريحة في تشكيل أسلوب تكويننا ذواتا تتوسطنا التكنولوجيا، وهكذا لا تكون أخلاق التكنولوجيا مسألة تراكم ومضاعفة النشاط الإنساني المعني بالعمل الأخلاقي، والاستطاعة غير البشرية للتكنولوجيات التي من شأنها أن تؤثر في البشر. ولكنها على الأصح تتألف من ربط النطاقين البشري وغير البشري؛ وذلك بأن نأخذ عمليات التوسط التكنولوجي مأخذا جادا ومع العمل بنشاط لتحديد الأسلوب الذي تؤثر به علينا([lvi]).

إذا تحدثنا من منظور فوکو؛ فإن أخلاق التكنولوجيا ينبغى أن توجه نفسها نحو هذا التوسط التكنولوجي لتكوين الذات. وإذا نظرنا إلى الأمر عامدين إلى التصوير بالموجات فوق الصوتية فإن هذا التكوين للذات يمكن تعديله، مثال ذلك أننا إذا اكتفينا فقط باستخدام الموجات فوق الصوتية لتحديد التاريخ المتوقع للولادة ورفضنا  الوقت نفسه مزيدا من المعلومات عن شفافته صورة مؤخر العنق، أو عيوب الأنبوب العصبي أو الاكتفاء بها فقط لتحديد مخاطر امتلاك طفل مصاب بمرض محدد، كي نكون مستعدين ذهنيا أو عمليا لهذا، دون أن يعرض المرء نفسه لمخاطر سحب عينة أو إجراء جميع الاختبارات اللازمة عمليا كاختيار صريح بدلا من إجراء جزء بديهي من الممارسات الطبية عن الحمل، أو رفض الفحوص بالموجات فوق الصوتية جملة؛ لأننا لا نريد أن نكون مسئولين ضمنيا عن صحة الطفل وعن قرارات تتعلق بقيمة حياته([lvii]).

للإجابة عن سؤال: أي نوع من الذوات التي لها وسائطها نريدها أن تكون بالفعل الأطر الأخلاقية القائمة، مثل أخلاق الفضيلة الكلاسيكية؛ حيث يمكن للمذاهب الأخلاقية السلوكية والنفعية أن تواصل أداء دور مهم لها. والملاحظ أن فرضية فوكو التي تفيد بأن جميع النظم الأخلاقية يعني ضمنا ذاتا بعينها لا تسقط واقع أن الأطر التي ورثناها عن الماضي، لا تزال تثبت أنها قيمة للتعامل مع التوسط التكنولوجي لذاتيتنا. وحرى أن نتأمل الممارسات الذاتية الأخلاقية في ثقافة تكنولوجية، حيث يحاول البشر فيها إضفاء شكل مرغوب فيه للتوسط التكنولوجي لذاتيتهم. إنها تقدم مساحة واسعة للتطلع الأخلاقي نحو الفضيلة، من أجل الحياة الصالحة والطموح إلى السلوكي الأخلاقي الذي يفي بالمعايير الأخلاقية والهدف النفعي لبلوغ النتائج الإيجابية ذات الهيمنة على النتائج السلبية. ونشير ثانية إلى حالة تصوير الجنين بالموجات فوق الصوتية، إذ يستطيع الأبوان أن يختارا، كمثال، فحص الجنين على شاشة لمعرفة الأمراض لأن ولادة طفل مصابا بمرض عضال، ربما تكون له نتائج سلبية للغاية على الأطفال الآخرين في الأسرة([lviii]).

تشمل تقنيات التطبيع التي ناقشها فوكو في مجال القوة البيولوجية مجموعة من العناصر المادية التي تعمل كأسلحة وطرق اتصال، وتدعم علاقات القوة والمعرفة التي تستثمر الأجسام البشرية وتخضعها لتحويلها إلى أشياء معرفية. يناقش رابينو الفكرة الفوكولتية لتقنيات التطبيع لأنها تؤدى دورًا رئيسًا في إنشاء وتصنيف ومراقبة الحالات الشاذة في الجسم الاجتماعي. وهي تؤدي وظائف مختلفة، تعمل على عزل الحالات الشاذة وتطبيعها خلال الإجراءات التصحيحية التي تحددها التقنيات الأخرى ذات الصلة. يؤدي EFM نفس الوظائف، أولاً من خلال تسجيل أنماط ضربات القلب، ثم من خلال اعتبار بعض تداعيات معدل ضربات قلب الجنين شاذة أو مرضية. يتم تسجيل أنماط دقات قلب الجنين بطريقة خطية جنبًا إلى جنب مع تمثيل بياني لمدة وشدة تقلصات الرحم. قد تكون استجابة معدل ضربات قلب الجنين للضغط الناجم عن الرحم هي التسارع أو البقاء على حالة أو التباطؤ. يُفترض أن أنماط معينة من التباطؤ أو عدم التسارع تعكس «الحالة الفسيولوجية السلبية» في الجنين. يصف ديفيس فلويد كيف ينتج النموذج التكنوقراطي للولادة عن تفكيك العملية الطبيعية للولادة أولاً ثم تشريحها إلى مكونات يمكن قياسها والتلاعب بها وإعادة بنائها خلال استخدام تقنيات مختلفة.  تُظهر آثار قلب الجنين كيف يتم حساب القوة الحيوية التوليدية خلال الاختراق الإدراكي والتحكم([lix]).

ترجمة الشريط: العلاج والرغبة في الظهور

تمنح الشاشة هؤلاء النساء إحساسًا زائفًا بالأمان.. يبدو الأمر كما لو أنهم على الشاشة، هذه الشاشة سحرية بطريقة ما وستجعل طفلهم على ما يرام. ولكن خلال القيام بذلك، يبدو الأمر كما لو أنهم يعطون جزءً آخر من قوتهم لهذه الآلة. هذه الآلة ليس لديها القدرة على جعل طفلهم على ما يرام. تمامًا كما أن عديد من الأطفال لديهم نتائج سيئة مع هذه الشاشات كما هو الحال دونهم. لكن النساء لا يفهمن ذلك. إنهم يفكرون بطريقة ما لأننا جميعًا نركز في الأمر كثيرًا لدرجة أنه بطريقة ما سيحمي طفلهم. إنه ليس كذلك.

التوليد R.N./القابلة المرخصة

يقضي الممارسون وقتًا طويلاً في التركيز على «شرائط» إخراج الورق الناشئة من أجهزة مراقبة الجنين. نظرًا لأن هذه الشرائط وثائق طبية وقانونية، يجب أن يصنعها الممارسون بعناية. يتم إيلاء عناية كبيرة لكمية البيانات عبر لوحات المفاتيح بحيث تعكس البروتوكولات الحالية والإجراءات المناسبة. غير اللائق غير مسجل. يتم تعزيز السيطرة الممنوحة للممارسين الطبيين الحيويين خلال وظيفتهم كمترجمين لحالة الجنين عبر هذه «الشرائط». تنتج القوة وتعيد إنتاج الأيديولوجية والمعرفة الطبية الحيوية في علاقة متبادلة. بينما يقف الممارسون حول المراقبين في غرفة المريض أو يدرسون الشاشات التي تعرض صور EFM في جميع أنحاء وحدة التوليد، يتحدثون عن جودة الشريط: «نحتاج إلى رؤية بعض التسارعات (لألوان قلب الجنين)» و«إذا لم يبدأ هذا الشريط في الظهور بشكل أفضل، فسنحتاج إلى التفكير في إجراء عملية قيصرية» – هي ملاحظات نموذجية للممارسين. إنه الشريط، جزئيًا على الأقل، الذي يحتاج إلى العلاج([lx]).

القابلات والسايبورج وأنا

عندما استقريت على أمومة ابنتي وابني حديث الولادة وعدت للعمل في كتبي – روبيه ديفيز – وأبحاثي (أبحث دائمًا عن هذا التوازن المثالي سريع الزوال بين العمل والأسرة)، بدأت أتلقى المزيد والمزيد من الدعوات للتحدث إلى مجموعات صغيرة ومؤتمرات كبيرة لممارسي الولادة، بما في ذلك الممرضات والقابلات وأحيانًا أطباء التوليد. كانت مؤتمرات القبالة المستقلة هي التي شعرت فيها بأكبر قدر في المنزل – كان النهج الشامل والرعاية للقابلات حتى الولادة يتماشى إلى حد كبير مع نهجي. سرعان ما أصبحت مفتونة باستعداد القابلات للاستماع إلى الحدس – ذلك الصوت الداخلي الصغير والمنخفض القيمة ثقافيًا – كمصدر أساسي للمعرفة الموثوقة أثناء الولادة. خلال مقابلات مكثفة، سمعت عديد من القصص عن الأوقات التي اعتمدت فيها القابلات على الحدس، حتى لو كان ذلك يتعارض مع معاييرهن وبروتوكولاتهن. لقد اندهشت من شجاعتهن واحترامهن لهذا النوع من المعرفة المجسدة. «من أين أتت؟» سألتهم. أجابوني: «إنه في قلبي، حدسي، يدي». «قوة تتدفق عبر جسدي». هؤلاء القابلات أنفسهن محتملات في صناعة السايبورج: من هواتفهن الخلوية إلى خزانات الأكسجين الخاصة بهن إلى مواقعهن على الويب وشبكات البريد الإلكتروني، يرقصن بسلاسة أكبر على حافة واجهة الإنسان والآلة. امسح تلك الصور الذهنية العالقة للحقائب اليدوية وأكياس السرج في العام الماضي – تحمل القابلات اليوم مجموعة صغيرة من المعدات إلي «منازل» عملائهن. إنهم يحترمون ويتعلمون استخدام التكنولوجيا، لكنهم لا يمنحونها مركز الصدارة. إنهم يستخدمونه فقط عندما يعتقدون أنها ستكون حقًا خدمة للأم وطفلها، ويصرون على أن جوهر ممارستهم هو علاقتهم البديهية بالمرأة في المخاض([lxi]).

في المرة الأولى التي قرأت فيها «بيان سايبورج»، أدركت – روبيه ديفيز – بصدمة أن هاراواي كانت تتحدث عن نموذج جديد تمامًا – نموذج تجاوز الانقسامات التي كنت أحللها. لقد كانت طريقة جديدة للتفكير في واجهة الإنسان والآلة، ووجدتها تقشعر لها الأبدان ورائعة. جلست بين الجمهور أستمع إلى مقدمي العروض في أول لوحات سايبورج في الاجتماعات السنوية لجمعية الأنثروبولوجيا الأمريكية في عام 1992 وتعلقت. كان هذا هو الجانب الإيجابي للتحولات التكنولوجية التي اجتاحت الولادة في المستشفى – وهي طريقة لرؤيتها كجزء من أحدث مرحلة للتطور المشترك بين الإنسان والآلة: مجتمع المعلومات. لقد دخلت في ذلك. من بعض النواحي، كان نوعًا من الأشياء «إذا كنت لا تستطيع التغلب عليهم، انضم إليهم». من نواحٍ أخرى، كانت أنثروبولوجيا السايبورج تقدم لي وسيلة مثمرة للتصالح مع الحقائق المهيمنة في الوقت الفعلي للتكاثر المدعوم بالتكنولوجيا والولادة التقنية. لقد وجدت تعقيدات السايبورج أكثر دقة، وآمل أن تمثل بشكل أكثر شمولاً تعقيدات تقنية التكاثر من الانقسامات الشمولية التكنوقراطية الاختزالية التي كنت أعمل بها. إن مشاركتي المتزايدة في هذا المجال الجديد – وهي عملية تتركني محفزة وقلقة – تتوج الآن بالمشاركة في إنشاء هذا الكتاب. ومن أجل تلك المشاركة، أخذت بعض التناقضات من أولئك الذين، مثلي، يشعرون بالرعب من الإفراط في تكنولوجيا الولادة. بينما أحترم وجهة نظرهم – إنها أيضًا وجهة نظري! – لا يسعني إلا أن أقول إنه لا يمكنني العثور على ملجأ في رفض شامل للسايبورج وكل ما يمثله. كيف يمكنني بالفعل أن أرفض بصدق ما أنا عليه؟([lxii]).

من أجل فهم أعمق للانقسامات الخاصة بي، أتطلع إلى القابلات اللواتي يركز عليهن بحثي الحالي – روبيه ديفيز – على سبيل المثال، القابلة في المنزل ومرشحة الدكتوراه جانيلي ميلر هي الشخص النادر الذي يعيش، مثلي، في عالم القبالة والولادة العضوية وفي عالم الأنثروبولوجيا. عندما قابلت جانيلي في مؤتمر للقبالة، اجتمعت أعيننا في فهم مشترك وقالت لي، “كما تعلمي، من العالمين، هذا هو المكان الذي أشعر فيه بأنني في المنزل. يعتقد علماء الأنثروبولوجيا أنهم رائعون جدًا، ومرتبطون جدًا – يتحدثون عن التجسيد لكنهم يعيشون في رؤوسهم. حتى تتسكع مع القابلات، فأنت لا تعرف ما هو رائع ومتأصل حقًا.”([lxiii]).

أعمل في مجلس سجل القابلات في أمريكا الشمالية، وهو الوكالة المسؤولة عن إنشاء وإدارة العملية الأولى لإصدار الشهادات الوطنية للقابلات اللائي يدخلن مباشرة (مما يؤدي إلى اعتماد جديد: القابلة المحترفة المعتمدة [CPM]) – وأعرف عن كثب مدى صعوبة عملهم على تخصيص مساحة في التكنوقراطية لنهجهم الشامل للولادة ولنموذج التدريب المهني للتعلم الذي يعززه ويحافظ عليه. بما أنني ملتزمة بنفس القدر بالدراسة وخدمة الممرضات والقابلات في المستشفى اللواتي يعانين يوميًا من التوتر بين الولادة العضوية والولادة عبر السايبورجية، والذين يبذلون قصارى جهدهم لإنشاء مساحة للنساء اللواتي يلدن في المستشفى لإنشاء عديد من الاتحادات الفريدة والإبداعية بين السايبورج والمرأة. يطبقون التقنيات التي تجعل النساء والمستشفيات تشعر بالأمان ؛ في الوقت نفسه ، فإنهم يرعون ، ويمسكون ، ويحبون ، ويمكّنون المرأة من أن تكون سايبورج (إذا رغبت في ذلك) الإلهة ، مانحة الولادة – على الرغم من أن تلك الإلهة قد تكون كذلك. وهكذا يبدو من المؤسف أنه في هذا الوقت من الأسهل بكثير العثور على علماء الأنثروبولوجيا الأمريكيين يدرسون بشكل مكثف كل جانب من جوانب التكاثر التكنولوجي بدلاً من العثور عليهم يدرسون بشكل مكثف القابلات والمستشفيات والمنازل ومراكز الولادة حيث يمارسون مهنتهم النسائية([lxiv]).

بالإضافة إلى الدور الواضح لتسجيل الأحداث، يتم استخدام الشريط لتبرير التدخل وعدم التدخل. إذا شعر الممارس أنه من المناسب تأخير الولادة الجراحية، لكن الشريط غير تفاعلي (دون تسارع ضربات القلب للزيادات القياسية في السرعة والمدة)، قد يحاول الطبيب استنباط التسارعات باستخدام تقنيات مختلفة – خلال خدش الجزء العلوي من رأس الطفل يدويًا عن طريق المهبل، خلال تغيرات وضع الأم، أو باستخدام جهاز إلكتروني يرسل موجات صوتية عبر بطن الأم مما يحرك الطفل، مع توقع زيادة في معدل ضربات القلب. ولا تؤثر هذه التدابير بشكل إيجابي على الحالة الفسيولوجية للطفل ؛ فهي تعمل فقط على توثيق أن الطفل لديه موارد مادية كافية وحماسة عصبية للاستجابة للتوتر. خلال زيادة خطر الإصابة بالعدوى من الفحص اليدوي، فإنها تزيد من احتمالية دخول العدوى إلى الرحم. وقد تؤثر بشكل سلبي على الوضع النفسي والعاطفي للطفل([lxv]).

غالبًا ما يولد الأطفال الأصحاء تمامًا الذين لديهم شرائط «غير طبيعية المظهر» قبل الولادة والعكس صحيح. في ندوات التعلم التعليمي للمقيمين في أقسام التوليد والممرضات، غالبًا ما يُظهر الأطباء المعالجون شريطًا سيئًا بشكل خاص للمتدربين في السنة الأولى ويسألون عما يعتقدون أن نتيجة الجنين كانت. يعطي المتدربون حتما تنبؤاتهم الرهيبة. ثم يؤكد الأطباء المعالجون التنبؤ أو يذكرون أن الطفل بخير، مما يثير دهشة الجميع.

إن غموض تتبع معدل ضربات القلب يجعل التفسير مهارة مهمة مكتسبة سريريًا لموظفي التوليد من الممرضات والأطباء الذين يستخدمونها يوميًا. يتطلب الأمر قدرًا كبيرًا من السلطة لسن منطق الممارسة. يتم ممارسة الطب الدفاعي وتوثيقه. قد يكون سنه مفيدًا أو ضارًا بصحة الأم والطفل. تشكل الصعوبات الكامنة في استخدام النطاق الكامل للتشخيصات الإلزامية المهنية والقانونية مع تقييم مخاطر وفوائد هذه التقنيات حبلًا مشدودًا يمشي عليه الممارسون المتقنون كل يوم([lxvi]).

علاقة التكنولوجيا والمنطق بحقوق الإنسان

حتى فى الغرب الذي  يقبل العمليات بطريقة شبه روتينية، مازالت القضايا المتعلقة بحقوق الإنسان تظهر فى كل خطوة من خطوات العملية: بدءاً من الحصول على الأعضاء ، والبحث عن المستقبلين لها في أجسامهم، حتي عملية زراعتها فيهم . وربما وجدت بعض الإجابات حول تساؤلات حقوق الإنسان فى أن المعرفة العلمية، والهيئات التنظيمية تهدف إلى تحقيق الكفاءة المنطقية جنبا إلى جنب مع المصداقية الأخلاقية . ولكن لابد من إيجاد طرق عملية لتحقيق التوزيع العادل لهذه الموارد المحدودة من الأعضاء جنبا إلى جنب مع إيجاد الأساليب التقنية لضمان التحكم في نوعية الخدمات . وفي عام 1969 قام عدد امن أطباء الولايات المتحدة مع بعض المهتمين بالموضوع ، وكثير ممن ينتمون إلى الجمعية الأمريكية لجراحي نقل الأعضاء التي ماتزال حديثة ، قاموا بتكوين تحالف بين مراكز زرع الأعضاء التي قامت في عام 1982 ، بالاشتراك مع فرع نقل وزرع الأعضاء التي كانت جزءا من الهيئة الطبية الكبيرة بتطوير أول برنامج كمبيوتر لربط المانحين والمتبرعين بالمستقبلين المحتاجين للأعضاء . ولقد تحول فيما بعد إلى شبكة الولايات المتحدة المشتركة لتبادل الأعضاء (UNOS) . وفي عام 1982 حينما أمكن العثور على كبد لطفل خلال النداءات الموجهة للأسر، كان ذلك بمثابة استرعاء لنظر الرأي العام عن ندرة الأعضاء القابلة للنقل والزرع ، وفي عام 1983 تحولت الشبكة المتحدة لتبادل الأعضاء United UNOS) Network for Organ Sharing) رسميا إلى بيئة عامة قومية ([lxvii]).

التنبؤ والمخاطرة

إذا اضطررت للتنبؤ بمستقبل ذلك الطفل من الشريط، حسنًا، قد لا يذهب إلى هارفارد. إنها فرصة يرغب التوليد الحديث في تقليلها. خلال علاج الأم والطفل الذي لم يولد بعد عبر شريط المراقبة، يسعى الممارسون الطبيون الحيويون إلى تقليل المخاطر البيولوجية للنتائج التوليدية السلبية والمخاطر القانونية للتداعيات المحيطة بنتائج أقل من المثالية. مثل Schifrin et al. ذكر في مجلة القانون والطب والرعاية الصحية:

ما يقرر الطبيب القيام به أقل أهمية من كيفية اتخاذه لهذا القرار. الطبيب الذي يلتزم بالتفسير ويخطط للسجل الطبي أقل عرضة للمقاضاة بنجاح، بغض النظر عن دقة تقييم تتبع جهاز مراقبة الجنين. إن التفسير المعقول (ولكن ليس بالضرورة الدقيق) للتتبع، جنبًا إلى جنب مع خطة عمل معقولة (ولكن ليست صحيحة بالضرورة)، هو أمر بالغ الأهمية، سواء لرعاية المرضى الناجحة أو للدفاع القانوني الناجح([lxviii]).

على الرغم من حقيقة أن الدراسات لم تظهر أي انخفاض في اعتلال المواليد والوفيات، فإن استخدام معدات الرصد هذه يعد الطريقة «الأكثر أمانًا» لتنفيذ عملية الولادة، وبالتالي فهو أساس كيفية تدريب الممارسين الطبيين البيولوجيين في الولايات المتحدة وكيفية ممارستهم لاحقًا. كما في حالة التنبؤ التي وصفها جاكسون، فإن فعل تقليل المخاطر ثقافيًا يمنحنا طريقة للمضي قدمًا في النشاط في مواجهة كثير من عدم القدرة على التنبؤ. ينتج عن الدقة «ستجابة للقلق»، ويتحول المستقبل غير المؤكد إلى الماضي الذي يعد «مصدرًا للمعرفة ومجال اليقين»([lxix]).

عندما ندرس التنوع الكبير في الطرق التي يقدم بها العلم والتنبؤ على حد سواء ما يشبه النظام في عالم غير مؤكد، يبدأ في الظهور كما لو أن ترسيخ «حقيقة» العلم أو التنبؤ من حيث فكرة أن الأنظمة تتوافق مع الواقع الخارجي ليس ضروريًا حتى تساعدنا هذه الأنظمة على التعامل مع الحياة وجعلها ذات مغزى. توفر الألغاز الكامنة في عملية الأداء الفسيولوجي للجسم بشكل عام وفي عملية الولادة بشكل خاص حالات كثيرة للممارسين الذين يحاولون تقليل خطر وفاة الأم أو طفلها في مواجهة عدم معرفة ما يحدث حقًا. إن إجراء التشخيص بناءً على تتبع EFM، من بين عوامل سريرية أخرى، هو في بعض المقاييس رد فعل للقلق الفوري، وطريقة مقبولة لعلاج التوليد، وطريقة لجعل الوضع ذا مغزى، سواء في وقت التشخيص أو في وقت لاحق([lxx]).

مع تقدم الأنثروبولوجيا الطبية في استكشاف عمليات الشفاء، يصبح الكون الذي سيتم استكشافه معقدًا بشكل متزايد. بالإضافة إلى أسماء النباتات الطبية والكلمات إلى المعالجة بالأغاني، يدرك علماء الأنثروبولوجيا أن تعقيدات تفاعلات الممارس والمريض تقع في الوقت البيولوجي والاجتماعي. إنه التفاعل الذي يشفي. تُظهر ممارسة التوليد وتقنية مراقبة الجنين فكرة بورديو عن وتيرة الممارسة التي يتم لعبها في وقت واحد في الواقع البيولوجي والاجتماعي. سيكون من المفيد في الدراسات المقبلة التي ستجريها طائفة واسعة من الممارسين في مجال الولادة إيلاء مزيد من الاهتمام لما يلي: (1) وتيرة الأحداث أثناء المخاض والولادة ؛ (2) تكنولوجيات/تقنيات التصورات المستخدمة لإجراء ملاحظات سريرية للتغيرات الفسيولوجية والعاطفية والروحية في الأم والطفل ؛ (3) التدخلات التي نفذها الممارسون([lxxi]).

لم يكن الوعى الأنثربولوجی حاضراً في أي مفردة من مفردات العقلانية الأخلاقية البيوطبية، وذلك لأن القيم التي تمثل لحمة هذا الوعي تأرق مضاجع السواد الأعظم من فلاسفة الأخلاق منذ عقود. فالقيم – وعلى العكس من المبادئ – لا تتكشف إلا عن اختلاف ونسبوية، نسبوية ثقافية أو نسبوية أخلاقية سيان، فكلاهما مرفوض. وقد عبر البعض عن هذا الرفض بالحجة التالية: ” س رأيه يؤدي إلى النسبوية، إذن س رأيه لا بد أن يرفض. بل قال البعض: لا تحترم قيم الآخرين، لأن هذا يؤدي إلى النسبوية، أو لا تكن متسامحا مع الاختلافات البشرية، لأن هذا يؤدي إلى النسوبة، أو لا تدرس الأنثربولوجيا ، لأنها تؤدي إلى النسبوية”.

كما يهتم علم الاجتماع الطبي بالبحث في “مكانة المريض ودوره بالمجتمع والمتغيرات التي تحدد سلوكه والمعايير التي تعطيه شكلا، وعلاقات المريض داخل المؤسسة العلاجية، ومكانة المعرفة الطبية ودورها في تعريف المرض، والسياق التنظيمي للمرض، ودور الطبيب، والتأويل الاجتماعي للمرض…..الخ([lxxii]).

في هذا الصدد يؤكد علم الاجتماع الطبي على وجود “بعد اجتماعي للمرض داخل كل المجتمعات الإنسانية بأكملها، حيث تتجه كل الجماعات البشرية إلى تأليف علاقة بين النظام البيولوجي والنظام الاجتماعي، إذ ليست المجتمعات البدائية فقط من تعزو المرض إلى ظواهر ثقافية أو اجتماعية، بل حتى داخل المجتمعات الغربية يتجه الأفراد إلى بناء المرض اجتماعية خلال إضفاء أبعاد اجتماعية على الظواهر البيولوجية الأولية كالموت والمرض والصحة، التي تبدو داخل السجل الطبي ظواهر موضوعية وفسيولوجية تبتعد كل البعد عن الاجتماعي، فالوضوح الفيزيائي لظواهر الشيخوخة والموت تخفي وراءها أبعاد اجتماعية كثيرة، تفسرها وتحددها وتؤولها وتضفي عليها بعداً رمزياً غير موجود من الناحية الواقعية”([lxxiii]).

للتأكيد على أن الثقافة مرتبطة بكل أوجه النشاط الجسدي والذهني، دون اللجوء إلى الخرافة أو السلوك المفتقر إلى الترابط المنطقي، علينا أن نعي، إن الثقافة ، وبشكل أساسي، “تنظم العالم بالنسبة لكل جماعة اجتماعية وفقا لمنطقها الخاص. إنها تجربة توحد القيمي والإحصائي. كنتيجة لهذا، فإن الثقافة تشكل وتدعم الجماعات الاجتماعية التي تشترك فيها، وتنقل أساليبهم، وعاداتهم، ومبادئهم، وقيمهم الثقافية”([lxxiv]).

إذا وضعنا في الاعتبار أيضا، طبيعتها الدينامكية وسماتها السياسية الأيديولوجية الجوهرية، نجد أن الثقافة والعناصر التي تؤلفها تتخلل مصادر التحول الاجتماعي، وتسعى الجماعات الاجتماعية إلى تعديلها خلال تاريخها الموجه من قبل المقاصد والعوامل الاجتماعية من أجل تدشين أنماط ثقافية ونماذج اجتماعية جديدة”([lxxv]).

“إن السمة الثقافية للفكر الأخلاقي ذات صلة وثيقة بالجدل المعاصر في الأخلاقيات البيوطبية، والأخلاقيات الإكلينيكية، وتحليل الصحة والمرض. إن الكشف عن كيف أن الأشكال المختلفة للتفكير ترتبط بالممارسات الاجتماعية المحلية في مجالات مثل الأنثربولوجيا، وعلم الاجتماع، جعل هناك وعى بأن فهم الإنسان يتم وفقأ لنماذج وتقاليد ثقافية مختلفة. وهذا يؤكد على السمة المحلية، والمؤقتة، والمجسدة، والاجتماعية للتفكير، فهناك طرق متنوعة لصناعة العالم والتي يمكن تمييزها خلال الدراسة التاريخية والعبر ثقافية لتأمل الإنسان وممارساته الاجتماعية”([lxxvi]).

أي أن الأنثربولوجيا تفترض النظر إلى الاختلاف في الفكر أو أي وجه من أوجه أنشطة الإنسان، على أنه ثقافة مختلفة. فلا ينبغي النظر إلى هذا الاختلاف نظرية دونية أو عنصرية، هذا من ناحية. ومن ناحية أخرى، لو وافقنا على أن الثقافة ظاهرة عامة ومن ثم فهي تقدم رؤية عن العالم لهؤلاء المشاركين فيها وتوجه معرفتهم، وممارساتهم، فإنه من الضروري إدراك أن أمور الصحة والمرض متضمنة داخل هذه الرؤية والتطبيقات الاجتماعية لها.

“فيما يتعلق بالصحة والمرض، فهي أمور عامة في حياة الإنسان وموجوده فى كل المجتمعات. وكل جماعة تنظم نفسها بشكل عام، خلال وسائل مادية، وخلال الفكر والعناصر الثقافية – من أجل تطوير تقنيات تتعامل مع تجارب وحوادث المرض، سواء بالنسبة للفرد أو الجماعة. وكنتيجة لهذا، فإن كل المجتمعات تطور معرفتها، وممارستها، ومؤسساتها وأنظمتها الخاصة التي تسمى أنظمة الرعاية الصحية”([lxxvii]).

كما أن هناك ثمة تكيفات ثقافية مع المرض تتضمن توظيف السلوكيات والمعتقدات التي تحد من نسبة انتشار المرض والوفيات بطريقتين رئيستن: الأولى، هناك سلوكيات ومعتقدات لها وظائف وقائية عن طريق تقليل التعرض للكائنات الحية المسببة للمرض بالنسبة لأجزاء معينة من المجتمع. الثانية: هناك سلوكيات ومعتقدات بشأن العلاج الملائم للمرض يصطلح عليها بصفة عامة بالطب العرقي”([lxxviii]).

نضف إلى هذا أن “وعى الأنثربولوجيا الطبية بتعددية التقاليد الخلقية والدينية والعلاجية يحول دون وضع أحكام ثابتة. إن كل الأمثلة المستمدة من الأبحاث الأنثربولوجية في مجال الصحة، تنتهي بنا إلى التأمل في القضايا المتعلقة بعادات وشعائر الصحة، وتقنيات الرعاية، والقيود المفروضة على بعض الممارسات العلاجية ( مثل نقل الدم، ونقل الأعضاء ، والإجهاض)، حيث إن، كل هذه الأمور تتخلل الأنظمة الثقافية البعيدة عن، أو حتى المعارضة للمعايير الثقافية التي تشكل أساس بنية النظام البيوطبي الذي تدرب عليه الأطباء “([lxxix]).

يستمر الاهتمام الاجتماعي المعاصر الذي انبثق عن تكنولوجيا التناسل كموضوع أو كمحور رئيس في تاريخ الإنسان ، ففيما يتعلق بأمور العلاقات الجنسية والتناسل لم يسبق للجنس البشري أن رضي بترك الطبيعة في مسارها دون تدخل منه . أما عن كل الأعمال المتعلقة بالخصوبة ، والتي تسهم في استمرارية المجتمع وعضويته طوال عصور التاريخ المسجل فكانت تعد عند القبيلة والقرية والدولة والكنيسة أمورا غاية في الأهمية والقوة ، تمتاز بأنها شديدة القابلية للاستقلالية والخروج على العرف لدرجة لا يمكن معها تركها تحيا دون تحكم أو حدود . وفي بعض الأحيان ، كما هو الحال في القرن العشرين ، كانت الحدود التي تقام حولها بصفة رسمية مفروضة من جانب الحكومات المحلية والوطنية. أما الحدود الثقافية فقد كانت بنائية كما في مراسم وشعائر المجتمعات التقليدية التي تتناقلها الأجيال، وربما كانت نوعية ومقننة مثل التعليمات التي يعلنها بعض المتحدثين المعنيين باسم الأديان أو نيابة عن الكنيسة كما فرضت حدود أيضا من جانب الذكور أو الرجال الذين كانت مكانتهم الشخصية أو أوضاعهم الاقتصادية مرتبطة بملكيتهم لنساء ولودات وإنجاب عدد كبير من الأبناء([lxxx]). وكانت هناك بعض محاولات للتنظيم عن طريق الحد من الجماع أو (الممارسة الجنسية) التي تهدف إلى إنجاب الأطفال ، ومنع استخدام وسائل منع الحمل ، أو إنهاء الحمل بإجراء عمليات الاجهاض . وفي ظل هذه الظروف كان على المرأة أن تدافع عن نفسها ضد أخطار وأعباء الحمل المتكرر بكثرة من جهة ، وضد عدم الخصوبة وما يترتب عليها من هجر الزوج لها من جهة أخرى . وفي المناطق غير الصناعية ، دافعت المرأة عن نفسها باللجوء إلى وسائل تنظيم النسل باستخدام المواد المحلية أو الأساليب التقليدية ، التي كانت مجهضة ومانعة للحمل مما لم يكن لها في بعض الأحيان نتائج مؤكدة ، كما كن يلجأن إلى استشارة المعالجين الشعبيين أو الشامانيين، وكذلك بقتل المواليد وهجر الأطفال . ولكي تحمي المرأة حياتها وصحتها كان لابد لها في بعض الأحيان من أن تخفي وتكتم استعمالها لوسائل تنظيم النسل عن أقرانها وعن الرجال ذوى النفوذ في الأسرة([lxxxi]).

كما يشير برات، فإن السلطة الشخصية والعلمية تنسج داخل وخارج الإثنوغرافيا والسفر على حد سواء. تاريخيًا، تم تصور الإثنوغرافيا على أنها «صورة (صور) إجمالية ترتكز على علماء الإثنوغرافيا حيث لا تُفهم» الذات «على أنها عالم متجانس مراقب، ولكن ككيان متعدد الأوجه يشارك ويلاحظ ويكتب من مواقف متعددة ومتغيرة باستمرار». أكتب من هذا الموقف المتغير، وإن كان انعكاسيًا للغاية. أنا طبيب توليدي R. N. بصفتي ممارسًا طبيًا وعالمًا في الأنثروبولوجيا، أجد نفسي أتحرك ذهابًا وإيابًا بين اللهجات المعرفية للممارسة والتفكير. من منظور أنثروبولوجي، أعطتني سنوات تجربتي التوليدية قراءة تشاركية عميقة لما يعنيه أن تكون ممارسًا للطب الحيوي. بصفتي عالم أنثروبولوجيا، أستلهم وجهة نظر جاكسون للعمل الميداني([lxxxii]):

إن التفاعل بين الملاحظ والملاحظة أمر بالغ الأهمية. للامتناع عن تدوين الملاحظات، والاستماع، والمشاهدة، والشم، واللمس، والرقص، وتعلم الطبخ، وصنع الحصائر، وإشعال النار، يجب أن تكون هذه المهارات العملية والاجتماعية مكونة لفهمنا مثل الحالات اللفظية والمعتقدات المتبناة([lxxxiii]).

نظرًا لأنني – إليزابيث كارتو يرهت – أقضي ساعات وساعات في جناح المخاض والاستمرار في مشاهدة وتسجيل الإنتاج من EFM أثناء تدريب النساء خلال الانقباضات، فأنا أيضًا منغمس في السايبورج. يتخطى قلبي النبضات عندما يتباطأ تتبع الجنين إلى مستويات منخفضة جدًا. أذني وعيني في حالة تأهب دائم للتباطؤ المحتمل. إن تعثر جزء من الثانية، إذا تكرر بطريقة معينة، يجعلني أكثر انتباهًا، ويجعلني أراقب علامات أخرى مثل النزيف أو الولادة الوشيكة. الحدس عبر أصوات دقات القلب، أو وضع تغيرات معدل ضربات القلب، أو الأشكال الإجمالية للتمثيلات الخطية لضربات القلب والانقباضات في سياق جميع العوامل الفسيولوجية والنفسية الأخرى يمكن أن يطمئنني أو يحفزني على الاتصال بممرضة أخرى أو طبيب توليد. غالبًا ما يأتي هذا النوع من المعرفة من التشريع اليومي لطب التوليد الطبي الحيوي. في دراستهم للقابلات، أشار ديفيس فلويد  إلى أن الحدس يُنظر إليه على أنه «مصدر قابل للتطبيق وصالح للمعرفة الموثوقة» بين عدد كبير من القابلات اللواتي تحدثنا إليهن. التغييرات في الأم والطفل التي لاحظتها أنا وزملائي غالبًا لا يمكن تمييزها بوضوح على «الشريط». إنها تكمن في تعقيد المعلومات التي لم يتم تمثيلها بعد على أنها مخرجات من أي نوع من الآلات([lxxxiv]).

من موقفي المتغير باستمرار، حاولت توسيع مفهوم منطق الممارسة ليشمل اهتماما محددا بالإيقاع والسماح بإدراج معلومات جديدة تضاف باستمرار وتتجسد وتتصرف وفقا لمرجع سريع التوسع من التكنولوجيات المتزايدة الوعي. بصفتنا معالجين في أواخر القرن العشرين – وقت كتابة هذه السطور – نحن مدعوون إلى الممارسة في عالم من التقنيات غير المفهومة في كثير من الأحيان والمقاضاة المخيفة. بصفتنا فريقًا طبيًا حيويًا من الأطباء والممرضات والقابلات الممرضات المعتمدات والممرضات الممارسين، فإننا نستجيب، غالبًا بمزامنة مفاجئة، للمعلومات المعروضة على EFM. الدوكسا doxa التوليدية هي بنيتنا التحتية، والشاشة جزء لا يتجزأ من اعتيادنا. يلتقي الحدس والتنبؤ بالسايبورج، وتحيط أنماط جديدة من التفاعل بعملية الولادة. وبينما تتحدى الأنثروبولوجيا وتوضح تجارب النساء اللائي يلدن في الإطار المؤسسي، يمكن للطب الحيوي أن يستمر في تصور مستقبل جديد وأفضل خلال الحساسية للآثار الجانبية السلبية وكذلك للآثار الجانبية الإيجابية للسايبورجية للأم والطفل([lxxxv]).

تعقيب

الأخلاق البيوطبية فرع من المعارف العلوم الحديثة الذى يندرج فى إطار الأخلاق التطبيقية ويهدف إلى تقديم الأوجه الأخلاقية والعلمية فى المجال الطبى .

التقدم التكنولوجى فى الوسائل الطبية بشكل الذى تعرض له فى هذه الدراسة قد يساعد على إنهاء حالة الجدل المتعلق بمدى احقية الاسرة فى إجرء عملية إجهاض .فأذا اثبت أن الجنين لديه العيوب خلقية أو مشكلات صحية هنا يطرح خيار التخلص من الجنين له شرعيته ومبرره الأخلاقية لأن هذا الجنين إذا أتى إلى الحياه بما لديه من مشكلات يصبح عبء على الأم وعلى كاهل الأسرة بالكامل .

لمرافقة الجنين الكترونياً عديد من الاستخدامات على تساعد على تحقيق إنجازات طبية أفضل منها أنه يفتح عالم الرحم وما به من خفاء، وبالتالى يساعد على أيضاح المشاكل الطبية التى به ويوضح لنا ماذا يحدث داخل الرحم ،كما أنه يوفر ملاحظات دقيقة لكل ما يتعلق بقرارات التوليد وكذلك كل ما يتعلق ببروتوكولات العلاج، مع كل هذا يظل هناك خوف نابع من انعدام حركة الأم أثناء المخاطر وهذا يكفى لتعرض العلمية بالكامل للخطر.

تعمل أن تجربة الولادة الحيوية أيضا على تحكم فى الولادة آمنه خلال التحكم نبضات قلب الجنين وإعطاء المضادات الحيوية فى حال حدوث خلل وكذلك السيطرة على حالة القلق والتوتر والضيق خلال إعطاء الأكسجين للمرأة وكذلك الملاحظة الدقيقة وتغيير وضع الأم لتسحين تدفق الدم إلى المشيمة.

أن استخدم السايبورج اليوم فى عملية الولادة الحيوية قد يكون أمرًا معقد نوع ما، إلا أنه سوف يصيح أمر أكثر سهولة فيما هو قادم، لأن التقنية العلمية تعمل على تطور هذا الجانب فى المجال الطبى. مما يوفر حياة آمنه للجنين.

على الرغم من التقدم العلمى الهائل وخاصة فيما يتعلق بالتكنولوجيا الطبية، إلا أن هذا التقدم يتم وفقا لمنظومة حقوق الإنسان وبما يتفق مع الحقوق الدولية للإنسانية؛ لأن هذه التطورات العلمية التى أشارنا إليها على هذه الدراسة أصبحت ذات تكلفة عالية جدا وبالتالي لا يحتم الأمر إى نوع من المخاطرة القانونية، فى الوقت نفسه يعطينا جانب أكبر من المصداقية الأخلاقية والقانونية.      الهوامش


([i])Susan, E. Bioethics and Rural Health: Theorizing Place, Space and Subjects, , In: Journal of Social Science & Medicine, 2003, N. 56, p. 2277.

([ii])برودي: تقنيات الطب البيولوجية وحقوق الإنسان، ترجمة يوسف يعقوب السلطان، مؤسسة الكويت للتقدم العلمى، الكويت، 1996، ص92.

([iii])المرجع نفسه، ص92.

([iv])المرجع نفسه، ص93.

([v])المرجع نفسه، ص94-95.

([vi])Casado. A. : Inflationary Bioethics: On Fact and Value in the philosophy of Medicine, In Journal of Praxis, Vol. 1, N. 2, 2008, P.32.

([vii])Elizabeth Cartwright, The Logic of Heartbeats, Electronic Fetal Monitoring and Biomedically Constructed Birth, in , Cyborg Babies from – sex to techno-Tots, ed. Robbie Davis and Joseph Dumit, Routledge, 1998, P. 240.

([viii])برودى: ص67.

([ix])المرجع نفسه، ص67-68.

([x])Elizabeth, C., P. 240.

([xi])Ibid, P. 241.

([xii])لوتسانو فلوريدى: الثورة الرابعة، كيف يعيد الغلاف المعلوماتى تشكيل الواقع الإنسانى، ترجمة لؤي عبد المجيد السيد، عالم المعرفة (452)؛ المجلس الوطنى للثقافة والفنون والآداب، الكويت، 2017، ص127.

([xiii])Don Ihd: A ging: I don’t want to be A cyborg, 3-7-2008, P. 397.https://link.springer.com

([xiv])Ibid, P. 397.

([xv])فيليب برى: تعزيز الإنسان والهوية الشخصية، ضمن كتاب موجات جديدة فى فلسفة التكنولوجيا، تحرير جان كيربرج أولسن، إيفان سلنجر، سورين ريس، المركز القومى للترجمة (2808)، القاهرة،2018 ، ص280.

([xvi])هند مداح: المقاربات الفلسفية لطبيعة الإنسان فى عصر البيوتكنولوجيا، رسالة ماجستير غير منشورة، جامعة المنوفية، 2020، ص106-107.

([xvii])Elizabeth, C., P. 241.

([xviii])Ibid, P. 241.

([xix])برودي: ص136.

([xx])المرجع نفسه، ص137.

([xxi])المرجع نفسه، ص17-138.

([xxii])المرجع نفسه، ص138.

([xxiii])Pierre Bourdieu, The Logic of Practice, Translated by Richard Nice, Stanford un. Press, Stanford, California, 1980, P. 69.

([xxiv])Elizabeth, P. 242.

([xxv])Ibid, P. 242.

([xxvi])Pierre Bourdieu, The Logic of Practice,  P. 71.

([xxvii])د. أ. ماسولو: من القرية إلى السياقات الكونية الأفكار والنماذج وصناعة المجتمع، ضمن كتاب التنوع والمجتمع قراءة فى العلوم البينية، تحرير فيليب ألبرسون، ترجمة أسامة الجوهرى، المركز القومى للترجمة (2414)، القاهرة، ص152.

([xxviii])المرجع نفسه، ص153.

([xxix])المرجع نفسه، ص153.

([xxx])Elizabeth Cartwright, P. 243

([xxxi])Ibid, P. 243.

([xxxii])آندى كلارك: كيان سيبرانى لا يعمل: ضمن كتاب الخيال العلمى والفلسفة، تحرير سوزان شنايدر، ترجمة عزت عامر، المشروع القومى للترجمة(1859)، القاهرة، 2011، ص268.

([xxxiii])المرجع نفسه، ص269.

([xxxiv])المرجع نفسه، ص270.

([xxxv])Elizabeth, C., P. 243.

([xxxvi])د. أ. ماسولو: ص153-154.

([xxxvii])برودى: ص150.

([xxxviii])آندى كلارك: ص338.

([xxxix])المرجع نفسه، ص389.

([xl])Elizabeth, C., P. 241.

([xli])Ibid, P. 244.

([xlii])برودي: ص215.

([xliii])بيتر – بوك فيربيك: تثقيف الإنسانية: نحو علم أخلاق لا إنسانى عبر التكنولوجيا؛ ضمن كتاب موجات جديدة فى فلسفة التكنولوجيا، تحرير جان كير برج أولسن، إيفان سلنجر، سورين ريس، ترجمة شوقى جلال، المركز القومى للترجمة(2808)، القاهرة، 2006، ص398.

([xliv])المرجع نفسه، ص339.

([xlv])Elizabeth, C, P. 245.

([xlvi])Emily Marlin, Bodies and Medical Melaphary, in ed. Robbie Davis –Floyd & Joseph Dumite, Cyborg Babies, Routladge, London, 1998, P. 30-31.

([xlvii])Emily Marlin: P. 31.

([xlviii])Ibid, P. 31.

نقلاً عن محمد المنير: المعالجة الفلسفية والدينية للممارسات الطبية والبيولوجية فى مجال المرأة، رسالة ماجستير غير منشورة، كلية الآداب – جامعة المنصورة، 2021، ص127.

([xlix])Elizabeth, C, P. 246.

([l])Ibid, P. 246.

([li])Ibid, P. 247.

([lii])Robbie Davis-Floyd, From Techno birth to Cyborg Babies, in, Cyborg Babies from –Sex to Tech no – To T’s ed. Robbie, Davies and Joseph Demit, Rout Ledge, 1998, P. 260.

([liii])Ibid, P. 260.

([liv])Ibid, P. 261.

([lv])Elizabeth, C, P. 247.

([lvi])بيتر – بول فيربيك: ص408.

([lvii])المرجع نفسه، ص409.

([lviii])المرجع نفسه، ص409.

([lix])Elizabeth, C., P. 248.

([lx])Ibid, P. 248.

([lxi])Robbie Davis, P. 266.

([lxii])Ibid, P. 267.

([lxiii])Ibid, P. 268.

([lxiv])Ibid, P. 268.

([lxv])Elizabeth, C., P. 249.

([lxvi])Ibid, P. 249.

([lxvii])بردى: ص195.

([lxviii])Elizabeth, C., P. 250.

([lxix])Ibid, P. 250.

([lxx])Ibid, P. 251.

([lxxi])Ibid, P. 251.

([lxxii])وليم جيمس أيرل: مدخل إلى الفلسفة، ترجمة عادل مصطفى، مراجعة يمنى الخولى، المشروع القومى للترجمة(962)، القاهرة، 2005، ص125.

([lxxiii])المرجع نفسه، ص125.

([lxxiv])Ibid, P. 462.

([lxxv])Ibid, P. 462.

([lxxvi])Helman, C. Culture, Health and Illness, Cambridge un, Press, 2001, P. 177.

([lxxvii])Ibid, P. 146.

([lxxviii])نجلاء عاطف خليل: في علم الاجتماع الطبي ، ثقافة الصحة والمرض، 2000، ص 103.

([lxxix])Helman, C. Culture, Health and Illness, P. 164.

نقلاً عن شيماء عطية: التحولات الفلسفية فى الأخلاقيات البيوطبية، رسالة دكتوراه غير منشورة، كلية الآداب – جامعة القاهرة، ص57، 79: 82.

([lxxx])برودى: ص124.

([lxxxi])المرجع نفسه، ص125.

([lxxxii])Elizabeth, C, P. 252.

([lxxxiii])Ibid, P. 252.

([lxxxiv])Ibid, P. 252.

([lxxxv])Ibid, P. 253.

secondplay

3 Videos
Play Video

TestPlaylist

3 Videos
Play Video