لم يكن (المشهدي) داود حاجي محمد العجمي أحد أعيان العجم وشيخهم يجلس في “الحفيس” وحوله يسترقون السمع ويأتون له بالأخبار المتداولة في قهاوي الحاج خميس (چوک) وحاجی پیری وسعيد الجابري(قهوة سعدون)، فقد كانت وكالة أنباء مطرح تنشر أخبارها من تلك المحطات ساعة بساعة مع تجلي النهار في أحياء مطرح.
كان داود حاجي يلتقط الأخبار من دكة مخبزه وهو محاط بطاقم من أمهر الخبازين حين يستقبل كبار التجار وقليلا من الكسبة فهم قد كانوا خيرة زبائنه ف (الآبگوشت) المعد من اللحم البقري كان غالي الثمن وقتئذ ويتَكوٌر فيه الشحم البقري المُعتٌق المُستخرج من الجحال فيغدو مُصفرٌ اللون بعدما تُحبس عليه أنفاسه وتُغلق منافذه وهو داخل هذه الجحال فيودع في المرجل ويُبَهٌر الماء الذي يدخل في صنيعة (الآبگوشت) بعد ذلك تُحكم منافذ المرجل بالطحين ويُسكن في قاع التنور والسمر قد إشتعلت وارتفع لهيبها، وبداخله اللحم والشحم والليمون العماني الجاف والتوابل بمقادير دقيقة.
كان أحمد درويش العجمي هو آخر من يبقى معه وبقي سر المهنة في رهط من كادره من حارب يوسف العجمي وأحمد ولد شرف وغلوم حاجي (أخوه).
ومع الصباح يهرع الهناقرة على دكك تنوره الكارجيني المطربل وعصي السعوف تتدلى على جوانبه وعلى البراح المطل على شاطئ البحر المطل عليه التنور يجلس هناقرة مطرح القرفصاء ويتناولون الآپکوشت بشحمه الذائب مثردين الخبز في القصاع وعلى تسارع عقارب (وسترن) يغلق التنور أمام زبائنه معلنا انتهاء الآبگوشت مع أول قرقعة المرجل وخشخشة جرس مدرسة الأستاذ حسن إيذانا ببدء الدرس.
ويستمر التنور في بيع الخبز المعتاد حتى ساعات الليل المتأخرة في حسابات مطرح ومسقط يومئذ.
لم يشغل حاجي داود تنوره عن باقي مهامه فقد كان شيخ العجم وعين من أعيانهم فيهتم بأحوالهم وهو يبيع على الناس في تنوره الذي اتخذه (حفيساً) فلا مكاتب خاصة بالمشيخة ولا أبهات إذ الأمور كانت في غاية البساطة والأريحية.
وبجانب هذا وذاك فهو صاحب مأتم من أكبر المآتم لدى الإخوة عند العجم ، ووكيلا لمأتم آخر للآغاخانيين عند رحيلهم عن عمان.
ففي واحدة من الوثائق باليد فإن مكتب والي إسماعيل قد أصدر توكيلا رسميا صادرا من صاحب السمو الأمير كريم الحسيني الآغاخاني إلى داود حاجي محمد العجمي في أن يقوم داود برعاية المأتم وإصلاحه أقامه بمحله.
(الوثيقة صادرة تحت رقم التسجيل 1902 بتوقيع الوالي إسماعيل في 16/6/1965)
الحاج عوض علي العجمي كان صاحب أشهر تنور (مخبز) في مطرح وعند الباب الخلفي لسور اللواتية. وهو أحد وجوه الإخوة العجم البارزين ، ومقرب لمكتب الوالي إسماعيل الذي كان يستعلم منه أخبار العجم لكبر سنه وخبرته بالناس.تنوره كان في قلب المنطقة السكنية القريبة من (نازي مويا) وحواليه الدكاكين ومن الباعة المتجولين وعلى مفترق طرق بين حلة الهنود والكمبار ثم جبروه.
كان الحاج عوض يمسك بحسابات التنور ويشرف على كادره ويعاونه إبنه الحاج قمبر ومحمد وإبراهيم.
وكان ومع ساعات الصباح يضع إبنه قمبر مرجل الدال على مواقد الحطب المحتطب من سنان عبيد يتم طبخ الدال ويتناوله الغني والفقير والمعوٌز وحوالي تنوره يجتمع المارة على اللبن المحمول في القراب والآتي من روي ودارسيت عبر نساء روي ودارسيت من ما جوخة وعائشة وشمسة ومع الدهانة المستخرجة من صوافي اللبن
كان المطرحي يأخذ نصيبه منها وهو سائر إلى عمله فيتناول أقراصاً من الأرغفة ليشبع سغبه ويريح معدته.
كان الحاج عوض ومع ساعات الليل عندما كان التنور يغوص بأولاد مطرح والكل يريد الخبز لبيته فإنه كان قد وضع لنفسه طاسة نحاسية يرمي فيها البيسات السوداء وقد علاها الصدأ ومتى ما شعر أن الوقت قد داهم الناس وأذن وقت النقع في كوت مطرح يعمد إلى باقي كادره من عباس العجمي ومحمد رضا درويش وغلوم جعفر وعبدالكريم وأخوه عبدالخالق الميمنيين بأن يسجروا التنور الإحتياطي ويستخرج البيسات من طاسته ويعطي للأولاد شيئا من هذه البيسات حتى يهدأ خواطرهم.
وعندما كان يفرغ من عمل التنور في ساعات الضحى كان يجالس العلامة السيد حسين أسد الله (السيد عالم) الذي كان يأتي لتنوره كل يوم قبل أن ينطلق إلى المسجد لصلاة الظهرين.
كان لديه طوي (بستان) وهو من أشهر الطويان في مطرح ومكانه هو في نهاية مقابر اللواتية وهو ذات المكان لمحطة شل اليوم.
كان المطرحيون يذهبون إلى دارسيت ويباتون في وهادها و قبل أن يعرجوا إلى مثواهم مع غروب الشمس فيأتون للطوي ويغسلون ملابسهم ويسبحون في حوضه المليء بالماء المستخرج بالمنگور.
كان الحاج عوض يأتي إلى الطوي أيام الجمع ويدعو أصدقاءه لتناول الغداء في هذه الإستراحة الإستجمامية كما وأن (الدوبين) الذين كانوا يقومون بغسل الملابس ويتعاطون مع العمل كمهنة كان الحاج عوض يرخٍص لهم في إستخدام ماء الطوي لهذا الغرض.
