Ayoon Final logo details-3
Search

إثنان أم …. واحد؟

محمد بن رضا اللواتي

لا زلنا نحاول تقديم مزيد من الإضاءة على المسألة الفلسفية التي ابتكرتها مدرسة “الحكمة المتعالية” حول صلة العالم بالقدم والحدوث. فلقد مر في المقال المنشور في هذه الجريدة الغراء الأحد الفائت بعنوان “العقل واللحظة الأولى للعالم” أن “صدر المتألهين” كان قد انبرى لتقديم رؤية جديدة حول هذه المسألة والتي باتت أزمة سببت في اشتعال حرب ثقافية تمخضت عن اتهامات بالتكفير وظلت مستعرة إلى وقت طويل.

القصة تبدأ من عند “أرسطو” الذي تصور أن العالم متحرك، وله مُحرك يحركه من الخارج وهو الإله الذي أوجده.

“أرسطو” حمّل أكتاف التفكير الفلسفي هذا “الإرث” في رؤية الحركة والمتحرك “إثنان” وليس “واحد” عبر قرون متمادية، نجمت عنه أسئلة لم تجد لها حلولا لأحقاب:

يقول “بور”: “إن معلوماتنا عن التطور الفلسفة الاسلامية بعد القرن الثالث عشر محدودة جدا”. (أنظر: ماهية الكمال وفكرة الحركة الجوهرية عند الشيرازي. ضمن : نظرات في فلسفة ابن سينا وملا صدرا الشيرازي، ص230. )، إذ من الإنصاف أن نعترف أن النشاط العقلي في البيئة الإسلامية ظل نشطا لم يخمد، وفي ظل تلك الحركة الثقافية المتأججة، تسنّى “لصدر المتألهين الشيرازي” أن يطرح سؤالا خارج الصندوق:

ولكن ماذا لو أن الحركة والمتحرك ليسا اثنان بل واحد..؟

لقد ظللنا طويلا ننظر إلى العالم بنظارات “أرسطو” فنراه وقد طرأت عليه الحركة من خارج طبيعته، ماذا لو أزحناها عن أعيننا، فلعلنا  نراه إلا الحركة نفسها؟

السؤال: من المتحرك؟ ولماذا تحرك؟ يردان عندما تكون الحركة لا تساوي المتحرك، ولكن عندما تكون الحركة والمتحرك حقيقة واحد بتمام ما لكلمة “واحدة” من معنى ، عندئذ تزول “الإثنينية” بينهما، ولن نرى إلا موجودا واحدا تغدو الحركة تمام حقيقته.

إن الذي ساعد “صدر المتألهين” على التخلص من نظارة “أرسطو” هو اكتشافه لحركة رشيقة تجتاح الطبيعة، وهذا الاكتشاف ساعده أن يُفسّر الاتصال بين الفضاء والزمان والحركة في عالم الطبيعة تفسيرا انتظر العالم عدة قرون ليأتي “آنشتاين” فيبرهن عليه مجددا في القرن العشرين. (أنظر: دهباشي، مهدي: اتصال أبعاد الطبيعة المادية في فكر ملا صدرا وآنشتاين وما يترتب عليها من النتائج. ضمن: الملا صدرا والفلسفة العالمية المعاصرة. ص266).

بالطبع مع فوارق دقيقة جدا بين الرؤيتين تتعلق بالزمن يمكن لمن أحب أن يراجع (العلوي، جاسم حسن: العالم بين العلم والفلسفة. ص97).

بناء على هذا التفكير خارج الصندوق:

ليس صحيحا أن نبحث عن موضوع الحركة، فنسأل: من المتحرك؟ لأن الحركة ليست عارضة طارئة على الحركة، بل المتحرك والحركة هوية واحدة، ولا توجد في الطبيعة كينونة وإنما صيرورة مستمرة متتالية.

رؤية مبتكرة، امتدت صوب أربعة اتجاهات:

الاتجاه الأول: لم تجعل للعالم نقطة بداية، لأن “العالم سلسلة من الحوادث، وفي هذه السلسلة لا نصل إلى حادث أول، بل قبل كل حادث ثمة حادث آخر وهكذا، أي في عين كون العالم وكل ما فيه حادثا، لا ينقطع الفيض”. (أنظر: عبوديت، عبدالرسول: النظام الفلسفي لمدرسة الحكمة المتعالية ج2ص202. تعريب: علي الموسوي. مراجعة: الدكتور خنجر حمية).

الإتجاه الثاني: أزاحت الفكرة التي صورت الإله عاطلا عن أداء أعماله، فهو في تمام الفاعلية، إذ ليست له حالة منتظرة، وعليه، واجب الوجود“واجب الخالقية وليس ممكن الخالقية، فهو قادر من الأزل، وعالم من الأزل، وفياض منذ الأزل، فالعالم ليس منفكا عنه أبدا”. (أنظر: مطهري، مرتضى: بحوث موسعة في شرح المنظومة. ج4ص25. ترجمة: عبدالجبار الرفاعي).

الإتجاه الثالث: منعت العالم عن أن يجد موطئ قدم في “القدم” أو يتصف “بالأزلية” بتاتا، فالعالم ما فتئ يجول في الحدوث والفناء بشكل مستمر لا توقف له.

الإتجاه الرابع: أزاحت السؤال حول وقوع التغيير في المحرك، وكيف يُحرك الثابت المتحرك دون أن يتحرك؟

ذلك، لأنه وعندما زالت “الإثنينية” وأضحى المتحرك والحركة أمر واحد، فهناك إذن ثمة إيجاد واحد منح لموجود غير قار تحققا. لم يجعل الله المتحرك متحركا، وإنما أوجده متحركا. (أنظر: الديناني، غلام حسين الابراهيمي: القواعد الفلسفية العامة في الفلسفة الاسلامية ج2ص112).

بهذا الحل احتفظ العالم بحدوثه دون أن يتمكن من أن ينال صفة “القديم” أبدا، واحتفظ موجد العالم بمهمة الإيجاد أزلا أبدا دون تعطيل أو أخذ استراحة، ولم تعد للأسئلة التي لم تجد لها جوابا لأحقاب أية معنى بعد اليوم.

وهنالك اتجاه خامس سلكته هذه الرؤية لتعالج صلة المادي بالمجرد والروح بالجسد لعلنا نسلط الضوء عليه مستقبلا.

secondplay

3 Videos
Play Video

TestPlaylist

3 Videos
Play Video