Ayoon Final logo details-3
Search

الروح غي عربة الزمن..!

محمد بن رضا اللواتي

العالم محط عشق العقل ومضمار جريه ورياضته التأملية، فهو ما برح يُفكر في بدايته ومنتهاه، ويوجد له ولنشوءه شتى التفسيرات، لا يقتنع أن يُقال له: هذا التفكير ممنوع عليك! وهذا السؤال خارج عن إمكاناتك!

لا يعرف العقل المحظورات، ولا يعترف بالخطوط الحمراء، ولقد سبق له وأن اقتحم منطقة الإله وطبيعة عمله، وفي هذا الصدد تساءل يوما: ماذا كان يفعل الإله قبل أن يوجد هذا العالم؟

وما الذي حدا به بعد صمت لدهور أن يقرر إيجاد شيء ما؟

هذه الأسئلة والتي هي اقرب إلى الأُحجيات منها إلى أسئلة، لاحقها العقل بالتأمل والتفكير وعرض لها شتى المعالجات. “آندرو بيسن” كتب – مازحا – جوابا عن ذلك السؤال: “لا شك في أنه كان يُجهّز الجحيم لاستقبال الذين يبحثون بعمق”! (مسألة الإله ص42).

مزاح “بيسن” هذا فيه تلويح إلى أن ثمة من يغيظهم التعمق في المسائل الفلسفية إلى هذا الحد.

الإمام مالك مثلا عندما سأله أحدهم عن الآية القرآنية: {الرحمن على العرش استوى} كيف استوى؟ فقال مجيبا: “استواؤه معقول وكيفيته مجهولة وسؤالك عن هذا بدعة” (التمهيد لابن عبد البر ج7ص138).

القديس أوغسطين (ت: 430م) أحد آباء الكنيسة عهدذاك، عدّ السؤال عما كان الرب يفعل قبل خلق العالم، سؤال بلا مغزى، ذلك لأن “متى” ما كانت قبل خلق العالم، فالزمن مخلوق مع العالم وليس قبله.

هذا، والرب ما تجددت إرادته أو تغيرت، لأنه ما أتت على الرب لحظة لم يكن منهمكا في خلق العالم.

فهل العالم أزلي إذن؟ جواب “أوغسطسن” هو: نعم ولا!

نعم العالم كان دائما موجودا، إلا أن أزليته لا تُقارن بأزلية الرب. العالم يأتي ويذهب، ينمو ويذبل، بخلاف الرب الذي هو خارج كُليا عن الزمن، وهكذا فأزلية وسرمدية الرب تختلف جذريا عن أزلية العالم. (مسألة الإله ص43).

هذا الموقف شبيه تماما بموقف المدرسة الفلسفية الإسلامية،ويقف في مواجهتهم أهل الحديث وعلماء الكلام. فهؤلاء يُصرون على أن للعالم نقطة زمنية محددة بدأ فيها، في حين يواجههم الفلاسفة بسؤال يبدو أنه لا جواب عليه، وهو: وفق كلامكم فبين الله وبين العالم زمن ممتد، فمتى خلق الله الزمن؟

وبالمقابل، فإن المدرسة الكلامية تتهم الفلاسفة بأنهم يقولون بقدم العالم.

وهذه التهمة تُطال “أوغسطين” كذلك، رغم أنه حاول التفريق بين أزلية العالم وأزلية الرب، إلا أن أزلية العالم بوجه ما ثابتة له، فهو – بوجه ما – يشارك الرب في شكل من أشكال الأزلية.

الحل الأمثل لهذه الأُحجية ظهر على يدي صدرالدين الشيرازي (ت: 1640م) والذي وصفه “كوربان” الفرنسي بصاحب “ثورة حقيقية في ميتافيزيقا الوجود” (الطرابيشي: معجم الفلاسفة ص378) وعبر إكتشافه للحركة الجوهرية التي تجتاح العالم المادي بصفتها صفة (ذاتية فيه) وليست عارضة عليه.

تارة نتصور أن الإله يوجد العالم أولا، ثم يوجد فيه الحركة ثانيا، وفيه لا تكون الحركة حقيقة تمثل صميم العالم وهويته، وتارة أخرى نتصور أن الرب يوجد العالم متحركا، بإيجاد واحد، فتصبح الحركة هوية العالم وليست عارضة عليه.

لقد أوجد الإله العالم سيالا، وهذه حقيقته. حقيقته التواجد التدريجي فالبُعد الذي وُجد منه يذبل ويتحول في لحظة أخرى إلى بُعد جديد، فالحياة والموت والحشر والنشر والإيجاد والخلق عملية لا تتوقف البتة، والعالم محط صيرورة وليس محط استقرار. (الديناني: القواعد الفلسفية العامة في الفلسفة الاسلامية ج2ص112.).

بهذا التخريج، لا يمتلك العالم صفة الأزلية بأي نحو من الأنحاء، ولا صلة له بالسرمدية بأي شكل من الأشكال، لأنه في كل لحظة يحدث ويزول ليحدث مجددا، ووصفه بالأزلي أو القديم لا يكون دقيقا بالمرة.

وكيف يكون العالم قديما وهو غاطس بتمامه في الحدوث المستمر؟

وأساسا ليست للأزلية والسرمدية أشكال إلا شكل واحد وهو الارتفاع التام عن التغيير والزوال.

لن يهدأ العقل طالما يشاهد العالم، حتى يبتكر لوجوده تفسيرات، قد يصيب تارة، وقد يُخطئ أخرى، هذا قدره بما هو عقل، لا يكل بتاتا من التحليل والتفسير، ومنعه عن ممارسة مهنته الوجودية أمر غير ممكن فعلا.

secondplay

3 Videos
Play Video

TestPlaylist

3 Videos
Play Video