Ayoon Final logo details-3
Search

إتفاقية “سيداو” و”أنثى القرآن”

إتفاقية "سيداو" و"أنثى القرآن"

في عام ١٩٧٩ للميلاد، أصدرت الأمم المتحدة وثيقة (سيداو) التي تحظر ممارسة اي نوع من انواع التمييز ضد المرأة على أساس “الجنس” ونادت بالمساواة المطلقة في كل شيء بين الرجل والمرأة، بل دعت إلى تغيير كل قانون أو نظام يخالف هذا المبدأ.

كانت السويد أولى دول العالم التي تبنت الاتفاقية دون أية تحفظات على بنودها وبموجب ذلك ليس للرجل أن يعامل المرأة وفق جنسها “فالأنثى” كلمة لا معنى لها بتاتا الا ذلك المعنى الذي يشير إلى الفروقات البيولوجية فحسب دون أن يمتد أثره الى حقوق المرأة وواجباتها ولا إلى مقدراتها البنيوية أو إلى حياتها النفسية، فهذه كلها أضحت نسخة للتي هي في الرجل.

وعندما تصبح المرأة كالرجل تماما، لا يصبح مستساغا أن تتعهد اطفالها بالتربية والاحتضان دون الرجل، ولا يكون مفهوما تمييزها بمنحها دور إدارة شأن المنزل دون الرجل، بل يكون مرفوضا، ومرفوضا كل شكل من أشكال التعاطي معها بصفته كائن يختلف في تقبله للمهام وإنجازه إياها عن الرجل.

ظنن العديد من النسوة حينها انه قد تم نهائيا منحهن حقوقهن كاملة كالرجل تماما. ولكن ما أن هدأ ضجيج الاحتفالات والصخب الناجم عن الأفراح التي عقدت هنا وهناك بهذه المناسبة السعيدة حتى ارتفع الستار عن أعظم بخس حق تم ممارسته مع المرأة، ومن قبل اعلى جهات التمثيل لفكر العالم المعبر عن طراز تفكيره.  لقد وقعت الأمم المتحدة اتفاقية سلب الأنثوية عن المرأة وتركتها بلا هوية محددة.

وإذا بالمرأة التي بالأمس وعلى هامش تدشين اتفاقية (سيداو) صدر عنها كل تلك الجلبة، تنتحب باكية اليوم وتصرخ بأعلى صوتها تقول بأنها ليست بالذي تستطيع أن تتحمل العمل في سجون التعذيب، ولا في غرف الإعدامات، بل لا تستطيع مشاهدة منظر الدماء في حوادث السير فضلا عن حوادث القتل والابادة بالحروب. إنها أرق من أن تتمكن من مشاهدة مناظر هدم المنازل على رؤوس قاطنيها من الفلسطينيين، أو مناظر قطع الرؤوس وتفخيخ السيارات وسبي النساء وبيعهن في مخيمات اللاجئين ومثيلاتها من الممارسات البشعة التي مارستها الامبريالية العالمية عبر وليدتها “داعش” في سوريا والعراق.

انها بالكاد تستطيع معاونة الجرّاح في غرفة العمليات، وليس بالتأكيد تستطيع تحمل أعباء عمال البناء، أو أن تمارس عمل نباش القبور، كما وان حالتها النفسية تتقلب بنحو من الصعب التكهن بها أثناء التغيرات الفيزيولوجية القهرية التي تمر عليها شهريا.

إنها تجد أن مشاعرها تجاه أطفالها لا تشبه تلك التي يمتلكها  الرجل بتاتا، وفي الواقع فإن سطوة المشاعر وعمق تجذرها في كيانها وآثارها عليها تفوق تلك التي يحملها الرجل بمراتب. إذ لم يكن اعتباطا للغاية أن تجعل البشرية في شتى مراحلها المرأة شديدة اللصوق بأسرتها والمسوؤلة الأولى عن منزلها.

وها هي الان قد عادت لتقول بكل فرح وفخربأنها أنثى وليست رجلا، وتريد أن يتم معاملتها بناء على جنسها وليس بغض النظر عن ذلك إطلاقا.

ولكن هل ستعيد الأمم المتحدة النظر في الطبيعة الفيزيولوجية للمرأة وتأثيرها على عواطفها ومشاعرها؟ وهل ستقلب الأوراق مجددا للتأكد من أن البيولوجيا النسوي مختلف إختلافا كبيرا عن الذكوري؟

الحق، وهل كانت – الأمم المتحدة – تجهل ذلك؟ تصور ذلك ممتنع، إنما الأمر كله، كما يبدو جليا للغاية، يرجع إلى الأهداف التي تسعى إليها شعوب الغرب والتي تتمثل في تطبيع نسخة حضارتها في آسيا وأفريقيا. وإلا، فما معنى أن تُطرح على هامش الاتفاقية مواضيعا من قبيل “الزواج المثلي” من منطلق أن للمرأة حق الزواج من غير الرجل؟! والعلاقة الجنسية “خارج إطار الأسرة والمنزل”؟!

إن المؤتمر العالمي للمرأة في نسخته الذي عُقد في “بكين” تعرض صريحا إلى ضرورة منع الزواج المبكر وإرشاد الفتيات إلى “الجنس” الآمن! هكذا تريد الحضارة الغربية أن ترجع بالمرأة إلى عصور الانحطاط الاخلاقي ولكن بصيغة تجعل هذا كله صادرا عن قرارها وإرادتها – المرأة – وليس عن اضطهاد واجبار واكراه!

وعندما نترك هذا الهرج وراء ظهورنا، ونتوجه نحو الكتاب المجيد لنستبين تصوره تحديدا حول هذه النقطة، وهي قضية المساواة بين المرأة والرجل، نجده يقول “إذ قالت امرأة عمران رب إني نذرت لك ما في بطني محررا فتقبل مني إنك أنت السميع العليم، فلما وضعتها قالت رب إني وضعتها أنثى والله أعلم بما وضعت وليس الذكر كالأنثى وإني سميتها مريم وإني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم” (36 ال عمران).

يتضح بجلاء ما نحن بصدده، وهو أن (ليس الذكر كالأنثى)، فهما مختلفان وفق “الجنس” ولا يمكن بأية حال إزالة ذلك الفارق وتحويل المرأة الى نسخة تامة من الرجل.

ولن يضر بتاتا اختلاف المفسرين في تحديد من هو صاحب هذه المقولة، أهي امرأة عمران أم هو الله تعالى، ذلك لأنها إن كانت مقولة امرأة عمران، لكان نقل الكتاب المجيد لها من دون نقضه إياها، أو بيان فسادها، اعتماد منه لمضمونها وهو أن الأنثى ليست كالذكر.

على أنه ينبغي استجلاء الفارق، فهل هو كامن في المقدرات الروحية لبلوغ مدار التوحيد والاتصال بالمنظر الأعلى والأفق المبين، فيكون لأحداهما، وهو الرجل، مقدرات تؤهله لذلك الاتصال المتعالي فحسب، فيما يكون الستار قد أُسدل عنها؟ أم أن ذلك الفارق يكمن في الأعباء المتعلقة بالجسد لتكون أضعف في مدار العمل المادي، وفي المشاعر ليكون مسارها أرق في الجانب المعنوي، دون أن يلقي هذا بظلاله على مسيرتها نحو تتبع آثار الألوهية وكسب مقامات القرب من الكمال كلها بلا استثناء؟

الحق أن الفرض الثاني هو الصواب.

فعندما نقوم بتقسيم مقامات الكمال إلى قسمين، ونحدد القسم الأول في المقامات التي ترتبط ارتباطا تاما بتحمل مسؤوليات التواجد العلني على الميدان وإدارة الناس وشأنهم من قبيل النبوة التشريعية والامامة الإلهية، ونحدد القسم الثاني في المقامات التي ترتبط بتحمل العلم اللدني في إطار النبوة العامة التعليمية والوحي الارشادي والولاية الربانية، فسوف نجد أن الفارق بين الذكر والأنثى يكمن في الأول فحسب دون الثاني.

الأنثى تستطيع السير في مدار الكمال وكسب العلم اللدني والنبوة العامة والولاية الالهية دون إدارة شأن الناس، وهذا بحد ذاته كمال ومنزلة بالغة من القرب الالهي لا يتصورها عقل.

إن جميع الخطابات الالهية التي تدعوا إلى الاستجابة لنداء الأنبياء لبلوغ درجات الحياة الحقيقية، موجهة للذين آمنوا بلا فاصل بين الذكر والأنثى. والمعيار هو التقوى فحسب، المتاح للذكر والأنثى.

وفي قصة امرأة عمران، جاء قوله تعالى “وليس الذكر كالأنثى” ليبرر سر حسرة وحزن أم مريم من كون ما وضعته ليس بذكر، وسره ليس في أن تلك الأنثى لن تكون بحيث تخلو حياتها من إبليس وعمله، كلا، بل لأن تلك الأنثى لن تتمكن من أن تكون متحررة تماما من كل ما يعيق تواجدها المستمر وبلا انقطاع في محراب العبادة.

ومعنى هذا أن النظر هنا هو نحو البُعد الجسماني، والبُعد الفيزيولوجي فحسب المؤدي إلى انقطاع الخدمة في فترة الدم، وليس إطلاقا إلى مقامات القرب والكمال التي تقتضي خلو إبليس من حياتها بالمرة “وإني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم”. (35 آل عمران).

“سيداو” التي تُعقد لها المؤتمرات شكل من أشكال “أمركة الثقافات” بتطبيق نموذج للحضارة الغربية اللا اخلاقية في العالم الإسلامي فكم نحن منتبهون لذلك؟

secondplay

3 Videos
Play Video

TestPlaylist

3 Videos
Play Video