Ayoon Final logo details-3
Search

اسهامات الحضارة الإسلامية في علوم الطبيعة، عرض موجز وتقييم

حيدر أحمد اللواتي

) علم الكيمياء

يقر عدد كبير من المهتمين في تاريخ علوم الطبيعة بالدور الكبير للحضارة الإسلامية وخاصة في عهد الخلافة العباسية في تطوير علوم الطبيعة المختلفة، وعلى الرغم من أن تقسيمات علوم الطبيعة تعد من الأمور الحديثة نسبيا، ففي السابق كان العالم يدرس مختلف المجالات العلمية والدينية والفلسفية معا، الا أننا سنحاول في هذه السلسلة أن نسلط الضوء على ثلاث تخصصات علمية بشكل خاص وهي الكيمياء والأحياء والفيزياء، ونحاول أن نقيم دور الحضارة الإسلامية في تأسيسها وتطويرها.

ويمكننا أن نصنف المساهمات العلمية في هذه العلوم الثلاث الى صنفين، الصنف الأول هو المساهمة في بناء كيان العلم ونظرياته الأساسية التي يقوم عليها ذلك العلم، و الآخر، مساهمات نطلق عليها بنائية أو تراكمية وهي المساهمات القائمة على الصنف الأول ولا تشكل قواعد للعلم وأسسا ينبني عليها ذلك العلم، ولتوضيح الفرق بينهما فيمكننا تشبيه العلم بالبناء المتكون من طوابق عدة، فالصنف الأول يشبه الأسس والدعائم لذلك البناء والذي يقوم ويتكأ عليه البناء كله، وأما الطوابق فهي شبيهة بالمساهمات البنائية والتي قامت وبنيت على تلك الأسس.

ففي علم الكيمياء الحديثة مثلا تعد فكرة وجود جسيم الإلكترون فكرة أساسية يقوم عليها كيان علم الكيمياء برمته، وانهيار هذه الفكرة سيقلب علم الكيمياء رأسا على عقب، وبالمقابل ففكرة أن الماء لا يغلي عند ١٠٠ درجة مئوية عند الضغط الجوي لا تعد فكرة أساسية، وخطأها لن يؤدي الى انهيار علم الكيمياء، وعلى الرغم من أهميتها فهي لن تأثر في أسس العلم وقواعده.

وبناء على هذا التصنيف فإننا نحاول أن نسلط الضوء على طبيعة مساهمة علماء الحضارة الإسلامية في هذه العلوم هل مساهماتهم كانت من الصنف الأول أم من الثاني؟ فهل ساهم المسلمون في بناء هذه العلوم وغرس أسسها أم أن مساهماتهم كانت بنائية وتراكمية ولا ترقى لتكون مساهمة في بناء أسس العلم وقواعده.؟

وسنبدأ أولا بمساهمات علماء المسلمين بعلم الكيمياء وكما هو معلوم فان هذا العلم يهتم بطبيعة المادة وأصلها وتفاعلاتها المختلفة، وكيف يمكن أن نقوم بتحويل المواد المختلفة الى مواد أخرى ذات فائدة مرجوة.

ويعد جابر بن حيان أبرز علماء الكيمياء في الحضارة الإسلامية ولا ينازعه أحد في ذلك، فقد ساهم مساهمة فاعلة في اكتشاف وتصنيع مواد جديدة فقد قام باكتشاف الماء الملكي وهو خليط من حمض النيتريك وحمض الهيدروكلوريك، كما قام باكتشاف حمض الكبريتيك والنيتريك ونترات الفضة وكحل الاثميد، وينسب له اكتشاف القلويات أيضا واستعمال ثاني أوكسيد المنغنيز في صنع الزجاج كما ساهم بأعمال مهمة في مجال تنقية بعض المعادن من الشوائب، واشتهر عنه أنه استخدم الموازين الحساسة.

لكن كل هذه الاكتشافات العلمية الهامة تندرج ضمن ما عنواناه بالمساهمات التراكمية، فهي مساهمات تطبيقية لا تؤثر في أسس العلم وقواعده، فهل ساهم جابر وبقية علماء الكيمياء في عصر الحضارة الإسلامية في بناء كيان علم الكيمياء وقواعده؟

الواقع أن من الصعب القول بذلك فالمتتبع سيجد أن جابر بن حيان وغيره من علماء الكيمياء كابي بكر الرازي مثلا ظلوا يؤمنون أشد الايمان بالأسس العامة لعلم الكيمياء والتي آمن بها علماء وفلاسفة الحضارة اليونانية، فلقد آمنوا مثلا بفكرة الاكسير وتحويل المعادن الرخيصة إلى معادن نفيسة فكانوا يعتقدون أن المعادن مثل الذهب والفضة والنحاس والحديد والرصاص والقصدير من نوع واحد وأن أصل هذه المعادن يرجع الى الزئبق والكبريت، كما أنهم آمنوا بل وتبنوا آراء أرسطو في أصول علم الكيمياء فكان يعتقدون أن المادة الأولية تكتسب صورا أربعة وهي الحرارة والبرودة واليبوسة والرطوبة ولذا نشأت أربع مواد أولية وهي النار والهواء والماء والتراب، وأن جميع المواد الأخرى المركبة تتكون من هذه المواد الأربعة بنسب متفاوتة، وعلى الرغم من أن النظرية الذرية طرحت في الحضارة اليونانية وتبناها ديمقريطس، الا أن أحدا من علماء المسلمين لم تثر اهتمامه وظلت علوم الكيمياء تدور في فلك آراء أرسطو (١،٢)

ولذا فمن الصعوبة بمكان القول بأن اسهامات جابر بن حيان وبقية علماء الحضارة الإسلامية والذين اشتغلوا في علم الكيمياء كانت اسهامات في بناء كيان العلم وأسسه بل هي اسهامات تراكمية، قامت وبنيت على أساس القواعد التي آمن بها اليونانيون وانتقلت الى الحضارة الإسلامية فبنى هؤلاء العلماء علم الكيمياء على هذه الأسس والقواعد يقول الدكتور محمد يحيى الهاشمي ” أخذ جابر مادته الكيمياء من مدرسة الإسكندرية التي كانت تؤمن بإمكانية انقلاب العناصر، بإمكانية انقلاب العناصر ….ولم يهمل الجانب النظري الذي يمت الى الفلسفة اليونانية والتصوف الشرقي بصلة قوية”(١)، ويقول زكي نجيب في كتابه عن جابر بن حيان “..ونظريته في تكوين المادة هي نفسها في جوانبها الهامة كلها نظرية أرسطوا” (١) ويقول الشريفي أن جابر بن حيان وابي بكر الرازي اخذا بنظرية العناصر الأربعة (٣).

ويقول الدكتور ناجي بسباس” لو أن جابر بن حيان أنكر فكرة “الصنعة وتدبير الذهب” لكانت منزلته كمنزلة عبقري من عباقرة القرن العشرين في علم الكيمياء” (٤) ويعني بالصنعة وتدبير الذهب فكرة الاكسير التي تحدثنا عنها…

المصادر:

١- الامام الصادق ملهم الكيمياء، د. محمد يحيى الهاشمي

٢- جابر بن حيان، زكي نجيب محمود

٣- جابر بن حيان وجهوده في علم الكيمياء لقاء شاكر الشريفي مجلة التراث العلمي العربي العدد 38 2018

٤- جابر بن حيان، 720 – 813 هـ: مؤسس علم الكيمياء الحديثة، المجلة العربية العلمية للفتيان 1999 ص 66 -71 مجلد3 عدد 5

secondplay

3 Videos
Play Video

TestPlaylist

3 Videos
Play Video