Ayoon Final logo details-3
Search

تحوُّل الثقافة المتزنة إلى ثقافة رخوة

د. عماد خالد رحمة ـ ألمانيا

لم يتوقف الحديث عن الحداثة وما بعد الحداثة، فقد أخذ السجال والجدال مساحةً واسعة بين أوساط الفلاسفة والمفكرين والباحثين وعلماء الاجتماع ، مما حدا بعالم الاجتماع البولندي (زيغمونت باومانZygmunt Bauman) أن يضع كتاباً هاماً بعنوان : (الثقافة السائلة) تناول فيه مفاهيم مختلفة ومتنوعة تحت مظلة ما بعد الحداثة ، أو ما يطلق عليه اسم (الحداثة السائلةLiquid modernity ) . فقد قدَّم زيغمونت باومان قراءة في بنية الثقافة الصلبة والذي اعتبر الحداثة مرحلة الصلابة ، وما بعد الحداثة مرحلة السيولة ، وفي هذا المعنى نجد أنّ سيغموند باومان عَمَلَ على تحويل الحداثة من الحالة الصلبة ألى الحالة السائلة أي (إلى ما بعد الحداثة) ما يعني أنَّ العمل المستمر للإنسان والسعي الدائم إلى التحديث الزائد والمكثَّف عن اللازم هو ضرورة ، والذي أفضى في النهاية إلى عدم قدرة أي من أشكال الحياة الاجتماعية المتنوعة والمتتالية بأن تحتفظ بشكلها زمناً طويلاً قدر الإمكان ، تماماً مثل المواد السائلة الموجودة في الطبيعة . ونتيجة لحالة التطوّر المستمرة والبحث الدائم عن مدلول الحداثة ومكانة الثقافة التي بدأت تتحوّل بتحوّل الحداثة من (مرحلة الصلابة) إلى (مرحلة السيولة) ما دفع لإيجاد مصطلح الحداثة بمعناه الجديد : (الحداثة السائلةLiquid modernity ) للدلالة على الوضع الحالي الحديث الذي يطلق عليه العديد من المفكرين والمثقفين (ما بعد الحداثة Post modernity) أو الحداثة الماضية . وبتعبير أدق (الحداثة المتأخرة (Late modernity ، أو)الحداثة العلياHyper modernity) أو (الحداثة الثانيةSecond modernity) .فقد شهد العالم ظهور العولمة وانتشارها ، وهو ما أدّى إلى التمركز حول التجارة والسوق والبحث عن السلع وازدياد النزعة الاستهلاكية وطغيان فلسفة الفردانية . وهذا ما دعى إلى العودة للبحث عن تاريخية مفهوم الثقافة ، فقد دعت الثقافة الصلبة إلى وضع الأمة ـ الدولة في مركز الوجود ، كما دعت الثقافة الصلبة إلى فصل الدين عن الدولة . في محاولة منها لتأكيد مركزية الإنسان في صنع وتكوين هذا العالم ، مؤمنةً إيماناً مطلقاً بأنَّ الحضارة الإنسانية هي نتاج الروح والمادة والتفكير والفعل والانتاج ، فهي ليست ثقافة مادية خالصة ، بل هي دين جديد بديل يؤمن بقدرة الإنسان على التضحية ، ليس في سبيل الله ، بل في سبيل تقدّم وتطوّر العلوم والمعارف وبسط سلطان العقل على مكونات الطبيعة الهادرة . من هنا أدّت الثقافة دورها في تعزيز فكرة التقدم والتطور والتحديث الذي يتحقق بمركزية الإنسان دون غيره من المخلوقات كونه يحقق مركزية الدولة والإنسان الفاعل المنتج ،وكونه يؤمن بالتعليم المدني الإنساني الخاص .هذا الإيمان القوي بمشاريع التنوير الذي من هذا النوع مرّ بتحولاتٍ كبيرةٍ وهامّة خلال العقود الأربعة الماضية التي شهدت ظهور العولمة وتجلياتها في العالم ، والتي أكّدت على التمركز حول النزعة الاستهلاكية وانتشار النزعة الفردية ،والتمركز حول السوق ، وانسحاب الدولة من إنجاز مهمتها الاقتصادية والثقافية والاجتماعية ، كل هذا مهَّد الطريق إلى انتقال الثقافة من مرحلة الصلابة إلى مرحلة السيولة .

 لقد أكَّد عالم الاجتماع البريطاني (جون غولدثورب (John Goldthorpe من خلال بحثه الهام على رصد حالة الثقافة وماهيتها ، فقد شكّل فريقاً بحثياً متخصصاً من جامعة أكسفورد لرصد حالة الثقافة في بعض دول العالم ، مؤكداً أنّه لم يعد من الممكن تمييز النخبة الثقافية من غيرها من النخب مثل النخب التي كانت في الماضي. وكان عالم النفس الأمريكي (ريتشارد إل بيترسون (Richard L. Peterson‏ ، قد قدَّم بحثاً خاصاً رأى فيه أنَّ السياسة النخبوية الجماعية تحوّلت من أصحاب الثقافة الذين يستهزؤون ويحتقرون كل سوقيّ أو وضيع إلى أصحاب الثقافة الذين يستهلكون كل شيء في شرهٍ واضح. كما قدّم عالم الاجتماع الفرنسي (بيير بورديو Pierre Bourdieu) تحليلاً دقيقاً وضع الثقافة في المرحلة التي كانت تحاول المحافظة على متانتها وتوازنها قبل أن تفقد مكانتها وأهميتها ودورها وتتحوَّل إلى مرحلة السيولة.فقد عُرِفَت الثقافة السائلة بتبنيها لسياسة الإغراء بدلاً من التنوير والتطوير والارتقاء بالنفس إلى مراحل سامية . وأن تكون حراكاً ونشاطاً مفتوحاً لا يحدّه حد ، بهدف ألا تشبع الحاجات القائمة بل أن تبقى في خلقٍ متواصل للحاجات الضرورية ، لكي تمنع الإنسان من الوصول إلى الإحساس بالإشباع الذاتي ، أو الإحساس بالرضا عن النفس .فالإحساس بالإشباع الذاتي يتطلب توفير حاجات الهوية السائلة المشبعة بالموضة والممتلئة بيوتوبيا العصر . هنا نجد الفيلسوف وعالم الاجتماع الألماني (جورج زيمل Georg Simmel ) الذي قدَّمَ رؤيته الخاصة عن الموضة يقول : (لا تبقى الموضة دائماً على حالها ،لكنها في حالة صيرورة وسيرورة دائمة) وهذا يدلِّل على كونها حركة مستمرة ، فهي عملية تستمد حركيتها واستمراريتها من داخلها ، وتستجمع كامل الطاقة التي تستهلكها في الوقت نفسه .لأنَّ الإنسان يركن إلى الموضة بحثًا وطلباً للأمان والطمأنينة ، فهو وإن كان كائناً دائم البحث عن الأصالة والفردية ، فهو يحتاج بشكلٍ دائم إلى الدعم الاجتماعي والتماثل مع أفراد المجتمع، وألا يشعر بأنه مختلف بشكلٍ يؤدي به إلى الشعور بالعزلة والوحدة، متفقاً في ذلك مع ما ذكره عالم الاجتماع الالماني (جورج زيملGeorg Simmel) ، بأن الموضة حلٌ وسط بين نزعة المساواة الاجتماعية في الإنسان ونزعة الانفصال

في حالة التغيير من الصيرورة وعبر السيرورة التي تفرضها السلوكات العامة على الأشياء، تجد كل شيء في تقدم سريع فجّ وغير مدروس ، وكأنه مقحم قسراً، لتحطّ من قدر كل شيء تخلفه وراءها، وتجعل الفرد يتبنى كل يوم وأفكاراً جديدة ويتخلى عن ما سبق من أفكار كما يتبنى توجهات وإرشادات تختلف عن الأمس القريب، وفكرة التقدم والتطور والتحديث هذه لا تعني التحسين المشترك للحياة الحرَّة الكريمة ، وإنما تعزز خطاب البقاء الشخصي المتعلّقة بــ (الأنا) . لذا فإن ما أقدم عليه عالم الاجتماع البولندي (زيغمونت باومانZygmunt Bauman)، يلخص فكرة التقدم والموضة في أنَّه : (إذا أردت أن تنجو من الغرق المحتّم فعليك الاستمرار في ركوب الأمواج بكامل إرادتك وقوتك).

لقد طغت فكرة السوق والسلعة على جميع أفكار ومفاهيم الناس ومنها الثقافة التي تم الحديث عنها كسلعة والتي يجب عليها أن تلبي السوق الاقتصادية الاستهلاكية ، لذا فقد تم تمكين الثقافة من الرضوخ إلى منطق الحداثة (الموضة) كي يثبت الفرد وجوده الكلي أو الجزئي . لذا عليه أن يثبت قدرته على يكون متلوناً كالحرباء ، ويغير جلده حسب مصالحه

إنَّ البحث المستمر عن (الأنا) هو حالة متأصّلة في الإنسان ، فهو يدرك تمام الإدراك أنَّ الحداثة السائلة لا تكمن في إيجاد مسكن سعيد للعيش وهو دائم البحث عن سعادة دائمة آمنة في تغيير هويته وجلده مراراً وتكراراً ، منهياً بذلك حالة الوتوبيا التي صنعته الحداثة الصلبة ، حالماً بالحياة السعيدة الرغيدة وبالعيش بفردوس النعيم . من هنا تم التأكيد على أنَّ الثقافة السائلة في حالةٍ صيدٍ دائم للشهوات والملذات. التي وضعت خطةً محكمة تهدف إلى عدم وصول الأشخاص في نهاية المطاف إلى الصيد الثمين حسب التصورات ، وإنما إلى حالة الغرق المحتومة في النهاية .

شهادة وجداني في كتاب “مأساة في طيرة حيفا

رائد محمد الحواري | فلسطين

قبل الدخول إلى الكتاب أنوّه إلى أن أهمية أي عمل أدبي تكمن قبل كل شيء في المتعة، الإثارة، الدهشة، الفكرة التي يحملها الكتاب بصرف النظر عن الجنس الأدبي الذي جاءت به، سواء أكان قصة/ رواية/ قصيدة/ خاطرة/…، وأجزم أن هذا الكتاب يعدّ طفرة أدبية لما فيه من مشاعر إنسانية تليّن الحجر وتجعله يتكلم عن الحب الذي (راه/ لمسه) من السارد.

بداية لا بد من التوقف عند الاسم الطويل للكاتب، والذي لم يضعه بهذا الشكل دون قصد أو غاية، فهو يريد تأكيد ارتباطه بشعب، بعائلة ممتدة لها جذور اجتماعية/ سلالة، هذا بالنسبة لاسم الكاتب. أما العنوان فهو متعلق بالمكان، بطيرة حيفا تحديدا، وهنا يجتمع الإنسان والأرض من خلال الغلاف، فكيف سيكون عليه الحال عند التقائهما وبعد غياب قسريّ طويل، وطويل جدا؟.

الأرض والإنسان

وبما أن العنوان يحمل توضيحا بأنه “شهادة وجدانية” فلا بد من الحديث عن المشاعر/ الأحاسيس التي فيه: “أصبح هاجس رؤية المكان الذي أملك يسكنني، بعد طول سنين وانتظار … كان عليّ أن أدخلها غريبا عليه أن يطرق الباب، كان الباب يبتسم قهرا … شعرت عندما اقتربت أكثر أن كل فلسطين معتقلة، … شعرت أنهم يعتقلون الأرض” ص6، نستنتج من خلال هذا القول أن هناك رجل/ إنسان يقوم بزيارة أسيرة/ أرض يحبها وتحبه، من هنا جاءت هذه المشاعر المتوهجة تجاه الحبيبة الأسيرة.

يتقدم الكاتب أكثر واصفا حال بقية (الأسرى) الذين وجدهم في السجن بقوله: “… بقى الكرمل يرافقني لا يريد أن ينتهي أو حتى يختفي، أحسست أن البحر حزين، وهديره تحول إلى نواح، والجبل أكثر حزنا” ص8و9، هكذا كانت بداية اللقاء بين الكاتب و(الأسرى)، لكن ما أن يتلقيا وتذهب حالة الحزن، حتى نجدهما قد انتقلا إلى حالة الفرح والبهجة، فهل هناك أجمل من لقاء الأحبّة؟: “… تراه الآن يسير في المكان، انتفضت فرحا برؤيته، وابتسم الحزن وكانت تحرير لحظة من وراء ظهر المعتدي الجبان، وأصبح البحر أكثر فرحا بلقائي، واستعاد الجبل شموخه وهيبته حين أحس بوجودي، أنا مالكه” ص9. تبادل المشاعر الإنسانية يكون عادة بين البشر، لكن أن يتم أنسنة الجبل والبحر وأن يتفاعلا بمشاعر إنسانية فهذا هو العشق/ التماهي/ الحلول ذاته.

نلاحظ أن الكاتب انتقل بحديثه من حالة (أسرى) إلى حالة أحرار، من هنا وجدنا العديد من ألفاظ الفرح حاضرة في المقطع السابق، وهذا يشير إلى أنه (حرّر) المكان من الغرباء، وهنا يقدم أكثر من الفرح بصورة تجمع الماضي بالحاضر: “بدأتُ البحث عن بيتنا، ذلك البيت الذي شهد دموع الفرح الأولى بعيون أمي ـ يوم زواجها ـ …شعرت أنني أقترب عندما ظهرت أمامي خروبتنا الحبيبة، في تلك اللحظة أصبح لي مرافق من عائلتي ـ الخروبة” ص18و19؛ الجميل في هذا المقطع وجود حالة/ كائن جديد، الأول متعلق بالأم، والثاني متعلق بالكاتب نفسه، فكما وجدت الأم مرافق جديد لها يوم زواجها، وجد الكاتب مرافق له عندما وصل بيته، شجرة الخروبة، ونلاحظ أن هذا الجمع يجمع المؤنث والمذكر، الأم والأب، والكاتب والشجرة، وهذا ما يجعل اللقاءات تتخذ بعدا روحيا/ عاطفيا، وبعدا طبيعيا/ غريزا، لهذا لا يمكن لها أن تنتهي أو تزول.

وهنا يأخذنا الكاتب إلى حالة متقدمة أخرى، بحيث تجاوز (الأسرى) إلى الأصدقاء/ الأهل، واللآن يتقدم إلى لقاء الأزواج الذين تكون بداية لقاءاتهم فيها شيء من الخجل/ الرهبة، يصف لنا الكاتب هذا اللقاء بقوله: “أصبحت الخروبة ـ التي ما زالت جذورها ضاربة في الأرض وثابته بتاريخها كما نحن ـ دليلي وبوصلة تحركي ومعرفتي بالاتجاهات، تخيلتها تمسك بيدي وتهديني حيث أشاء أن أذهب، أحسست أنها تحدثني عن أبي وأمي وسميحة وزريفة وخليل ورومية وعيسى الذين عاشوا في هذا المكان، … بدأت بقايا بيتنا بالظهور، هنا أبطأت المسير، شرعت أدوس في أعز الأماكن التي أملك، أخذت أخاف على الأرض من قدمي، تمنيت أن تكون هي من يدوس على قدمي لأسير، وجدت مكان البيت وبقايا حجارة، كان حزينا قبل لحظات والآن يبتسم، لمست حجارته وترابه … قفز قلبي فرحا وحزنا عندما التقطتْ يدي غال بابنا القديم والإطار الحديدي لشبابيكه” ص19و20، إذا ما توقفنا عند هذا المشهد نجدة لقاء عروس بعريسها في ليلتها الأولى، فالرهبة حاضرة من فض البكارة: “أخذت أخاف على الأرض من قدمي” وهنا يأتي دور العريس في تهدئتها من خلال: “أحسست أنها تحدثني عن أبي وأمي” ثم بعدها يأتي الملامسة الناعمة: “لمست حجارته وترابه …قفز قلبي فرحا” وبعد أن تتم عملية الجماع: “كان حزينا قبل لحظات والآن يبتسم”، يعي الرجل والمرأة أنهما قد تخطيا حالة ماضية، حالة العزوبية وأصبحا بعد اللقاء الجسدي شيئا جديدا غير الذي كانا عليه.

بعدها ينتقل السارد إلى شكل جديد في السرد يعود فيه إلى أسرته التي تم تهجيرها غصبا من الطيرة، متحدثا عن تفاصيل المجزرة التي اقترفها المحتل بحق أسرته، ففي هذا المقطع استطاع السارد أن يتحدث عن بداية تشكيل أسرته بطريقة فنية استثنائية، فحديثه عن لقاءه بالمكان الذي جاء وكأنه لقاء عروس بعريسها، يعد مقدمة/ فاتحة/ ممهد لحديثه (الواقعي) عما جرى لتلك الأسرة في الطيرة.

الفلسطيني والمكان

كل من يقرأ الأدب الفلسطيني يجده (غارقا) في المكان، وهذا ما نجده في هذا الكتاب، وإذا عدنا إلى الاقتباسات السابقة ستجد العديد منها يؤكد حالة التماهي، لكن أهمية ما جاء في كتاب “مأساة في طيرة حيفا، شهادة وجدانية” لا تقتصر على حالة التماهي فقط، بل تتعداها إلى حالة خلق جيد، حالة ولادة: “في تلك الحظة القاسية عزلت عن عالم اليوم وسرت خارج المكان والزمان، بدأت أرى أشياء حصلت قبل أن أولد، عاد البيت كما كان، وعادت جدرانه تضم من كانت تضم قبل أعوام، … وضجّ المكان بأصوات الأطفال، هذا هو وجه أبي وأمي ظهرا من جديد، ومياه واد قريب كانت قد جفت، بدأت بالتدفق من جديد، والآن اسمع صوته، وأوراق شجرة الخروب” ص20و21، وهنا نسأل: هل يمكننا القول أن الفضل في إيجاد هذا الكتاب يعود للمكان وليس للكاتب، أليس المكان من ولد/ أوجد النطفة في (رحم) الكاتب، وما كان دور الكاتب إلا الحفاظ على تلك النطفة وتغذيتها لتنضج وتخرج إلى الحياة بهذا الشكل الرائع؟.

وحشية الاحتلال

الجميل في الأدب انه يقدم فكرة/ موضوع قاسي بلغة هادئة وعالية؛ من المشاهد القاسية التي قدمت بصورة أدبية هذا المشهد: “…وفجأة ودون إذن أو قرع على الباب، انفجرت القذيفة في أجسادهم الناعمة، فالتهمت فرحتهم واغتالت أحلامهم، فأسقطت خليلا ابن الخمس سنوات فورا شهيدا وقبل أن يعرف أين يذهب بابتسامته، اغتالت حقه حتى في البكاء” ص 23، بهذه الصورة قدم لنا السارد مشاهد دامية للمجزرة التي اقترفها العدو بأهله.

ولم يتوقف الأمر عند هذا المشهد فهناك مشهد آخر جاء بهذه الصورة: “…مات خالد قبل أن يستلم كرة خليل الأخيرة، فقد سبقتها شظية الغريب، بقيت كرة خليل تتدحرج بينهما دون أن تجد من يلتقطها.

لماذا على خليل أن يدخل عالم هذه القذيفة وما عليها من أرقام متسلسلة وحروف ومميزات تتعلق بسعتها وعيارها وأشياء أخرى لا علاقة للطفولة بها؟” ص25، اللافت في هذا المشهد أنه يقدم فكرة في غاية القسوة، قتل أطفال يلعبون، ومن جهة أخرى نجده يركز على العقل من خلال الأسئلة التي طرحها، وبما أن الإجابة تكون بنفي علاقة الأطفال بالقذائف، فإن هذا ما يدين العدو ويكشف حقيقته المجرمة والمتوحشة.

إضافة إلى كمّ من الألم يعاني منه الفلسطيني: “الذي لم يصب من هذه العائلة الطيبة ابنتهم زريفة وأبو خليل الذي كان خارج البيت، ربما لم يصب جسد زريفة لكن روحها تمزقت ألما واعتصرت قهرا“.

الأدب والمواجهة

للأدب دور في مواجهة العدو، فهو وسيلة مقاومة كحال البندقية، يؤكد الكاتب هذا الدور من خلال ما جاء في الكتاب الذي يقول فيه: “لم يكن يعلم هذا الرجل الطيب وزوجته الصابرة أن ثنائية أسميتهما (أحمد محمد سعيد السمان وآمنة حسين عمورة) لن تلتقي فقط في بطاقة دعوة زواجهما أو وثيقة عقد قرانهما عندما قرر خطبة آمنة عام 1938، بل إن اسمه واسم زوجته سيكونان معا أيضا عنوانا كبيرا لهذه الجريمة النكراء” ص28و29، هذا الكلام يتطابق مع ما جاء في فيلم “حدوتة مصرية” ليوسف شاهين، عندما أوجد مشهد الطفل الذي يضربه المعلم، فيرد عليه بقوله: “عندما أكبر سأصقعك (بألم/صفعة أد الدنيا) وهذا ما فعله “محمود السلمان في “مأساة في طيرة حيفا”. إذن هذا الكتاب وسيلة مقاومة، وسيلة يرد بها الكاتب على جرائم المحتل، وجرائمه بحق الإنسان والأرض معا، لهذا أدخلنا في تفاصيل غاية في المكاشفة والعاطفة وتغوص في الألم والفقد، إبادة عائلة بمنتهى الوحشية من قبل الاحتلال.

secondplay

3 Videos
Play Video

TestPlaylist

3 Videos
Play Video