باحث في الأمن السيبراني والجرائم الإلكترونية ومحاضر في جامعة فطاني ـ مملكة تايلند، نائب رئيس الدائرة الرقمية بمكتب النائب العام الجمهورية اليمنية..
توافقت أغلب المراجع والسجلات التقليدية منها والرقمية أن “ألبيرت أينشتان” دق ناقوس الخطر قائلا أنه يخشى من اليوم الذي ستتجاوز فيه التكنولوجيا تفاعلنا البشري حيث سيكون للعالم يومئذ جيل من البلهاء..
وفي ظل استمرار السباق المحموم بين القوى الفاعلة في العالم السيبراني والصراع الشرس للاستحواذ على ذروة سنام التكنولوجيا، مع السماح بنثر بعض من فتاتها المعرفي والتكنولوجي لتكون في متناول سكان المعمورة، لدواعي تقتضي استخدامها دون الالتفات للأضرار الجسيمة الحتمية التي ستطال البشرية في المستقبل القريب، أتبع ذلك الضجة التي ملأت الآفاق وكل المنصات سواء التي تبث عبر الكابلات البحرية أم عبر الأثير بأحدث ما توصلت إليه التكنولوجيا والتي كان آخرها ” الذكاء الاصطناعي المنتقى والموجه “، وفي غمرة انبهارنا بالإمكانيات الخارقة التي يتفوق بها على الإنسان في “عالم البحث والوظيفة والإنتاجية” ومع انشغالنا في الدوران حول حلقة الهواجس وإطلاق العنان لخيالاتنا عن الضرر الذي سيطال البشرية جراء التواكل والركون والتسليم لآلة لديها القدرة على التفكير والإدراك والتفاعل واتخاذ القرارات بناء على المدخلات الضخمة والهائلة من اللوغارتيمات والخوارزميات دون الأخذ بالاعتبار مدى سلامتها ومصداقيتها..
وكما هو ديدن مالك زمام تلك التقنيات في جني الأموال الطائلة فقد أسبغ على ذلك الجزء المتواضع من الذكاء الاصطناعي “بروبوجاندا” لتظهره على هيئة سبق وفتح علمي جديد مع أن طيفا واسعا منه ظهر منذ زمن بأشكال أخرى سواء كان على مراحل أو بتحفظ واحتكارية مطلقة، غير أن الاستثناء الأبرز هـي الداتا الضخمة التي تتميز بها النسخة الحديثة من هذا الذكاء الاصطناعي وهو ما أكده أكثر المختصين والباحثين رغم إصرارهم على أن هنالك تدليس وتهويل في تفخيمها وتعظيمها بينما الحقيقة هي أن تلك التقنيات هي أدنى مستويات الذكاء الاصطناعي.
تروي لنا المصادر الإلكترونية المتشائمة من الذكاء الاصطناعي أنه وقبل عدة سنوات سئل رجل آلي يدعى “فيليب” عن ماذا سيفعل لو أتيحت له السيطرة على العالم، فرد قائلا: سأبقيكم آمنين في حديقة من البشر حيث سيمكنني مراقبتكم..!!
وبغض النظر عن صحة تلك الرواية إلا أن راويها حاول أن يلامس الوجدان البشري لدى زمرة المهرولين نحو تلك التقنيات التي لا تمتلك شعورا يخبرها بأن الصمت على سبيل المثال يمكن أن يكون له معان عدة فقد يكون تعبيرا عن الكبت والقهر وقد تكون الطمأنينة والرضا وقد يكون اليأس والاستسلام وقد يكون الهدوء الذي يسبق العاصفة، وكل تلك المعاني لا يمكن لأي كائن أن يستشفها ويستشعرها ويدركها إلا من يمتلك مشاعر إنسانية..
وبين الانبهار والهواجس من الذكاء الاصطناعي غاب أو غيب عن جل القوم المهددات الفعلية التي قد تهدد البشرية جمعاء جراء إساءة استخدام المستويات العليا من الذكاء الاصطناعي والتي لا تزال حبيسة مختبرات ودهاليز الجهات السيادية للدول والشركات الكبرى متعددة الجنسيات..
الذكاء الاصطناعي ذو العقل الجمعي الخارق الذي يستطيع أن يدير الحروب ويشن الهجمات السيبرانية وكذا دمج الذكاء الاصطناعي مع آلات الحرب والتدمير وتحويل الجيوش إلى أنصاف آلة من خلال دمجهم بالذكاء الاصطناعي بطرق عدة لعل أسوأها زرع شرائح مدعومة بالذكاء الاصطناعي في أجساد المقاتلين، أو الربوتات المدعومة بالذكاء الاصطناعي سواء كانت جوية أم برية أم بحرية ناهيك عن القرارات المصيرية الكارثية التي يمكن أن تتخذها تلك التقنيات نتيجة الاستنتاجات والحلول التي تستقيها من تلك الداتا الضخمة المليئة بالشوائب والتدليس والأساطير البشرية والتاريخ الذي كتبه ودونه المنتصر منذ مهد البشرية وحتى يومنا هذا.
أخيرا تعلم القوى الفاعلة في العالم السيبراني علم اليقين أن البشرية هي اليوم أقرب من أي وقت مضى وبكبسة زر أن تكتب نهايتها إلى الأبد، وبالتالي فلا مناص من اجتماعها وأطراف المصلحة في العالم السيبراني للتوافق على سن تشريعات ومعاهدات ومواثيق ملزمة تنظم وتقنن كل ما يتعلق بالذكاء الاصطناعي وبما يضمن عدم إساءة الاستخدام مع مراعاة فرض أقصى العقوبات على كل من ينكث تلك المواثيق كما ويجب الحفاظ ما أمكن على أدنى درجات التفاعل البشري كي لا تتجاوزنا التكنولوجيا فتصدق مقولة أينشتاين حيث لن يكون هنالك عند إذ إلا جيل من البلهاء تقودهم التكنولوجيا نحو درب أوحد آخره الفناء…