القراءة ليست مشروطة بحروف، تناثرت أو اجتمعت، من وحي فكر تم جرّها بقلم ، أو ضغطة زر في لوحة المفاتيح ، لتنسدل عليك السطور كنهر تتابعت قطراته .
فهناك قراءة ، لمشاهد وصور تقول في محتواها ليست للعبور فقط ،تناديك لتعيد صياغة الصورة نطقا ، كي تعبر عن نفسها من خلالك.
فتعالوا لنقرأ محتوى الصورة بعدسة المصور ،حسين العامري من سلطنة عمان ،و التي فازت مؤخرا بجائزة الشيخ سعود آل ثاني للمشاريع الفوتوغرافية كما يجب أن تشاهد .
محاكين بذلك ذات التوجه ، للسينما عندما حولت رسوم الفنانين إلى أفلام سينمائية أذكر منها لوحة( الفتاة ذات القرط اللؤلؤي) للفنان الهولندي يوهانس فيرمير .
ومن النظرة العامة ،هناك قصص تفردت حسب زاوية النظر ، برز فيها فكر المصور ،مع توقيت زر الإغلاق للعدسة ، في اللحظة التي ،تواكبت فيها جميع الظروف من عينه ،لعين العدسة فخرجت لنا هذه الحكاية المترفة بالوصف .
تلك الثنائية المشاهدة ،سواء كانت بين الأم والابن من بني البشر أو من الحيوان على حد سواء .هي أول جاذب للكشف عن الحال ما أعطى الصورة حياة بغض النظر عن تفاصيلها.
متسللة بين ثناياها رسالة تؤكد، على واقعية الشراكة والتعامل مع الغير، سواء في الجد متمثلا في التربية، أو في الهزل واضحا في اللعب .أو في حديث الذات أو تلك النظرة المليئة بالتفكر مما يقرأ في ملامح الأم المنشغلة بوليدها.
وهذا الاتصال والأنس، بين الإنسان والحيوان ،متعايشين متآلفين، يعيد لنا مئات القصص عن وفاء الكلب لبني البشر مع التأكيد على أهمية التعايش مع الكلاب، بغرض الحراسة أو كلاب الصيد كما أمرنا المصطفى صلى الله عليه وسلم .
يعتقد العقاد الذي عاش قصة ألفة بينه وبين كلب أسماه بيجو “أن الكلاب تفهم للمودة أسبابا غير الإطعام وتدرك معنى من معاني الصلة النفسية ليس مما يربط بالمنافع)
حقائق عديدة تجلت في الصورة، قد تكون دون قصد ولكنها أظهرت واقعا معاشا منها ،تلد المرأة طفلا واحدا في كثير من الأحيان وهو الغالب، في حين من النادر أن تلد أنثى الكلب واحدا .
تواجد صورة الأم وتمثيل واقعها المعاش كمحتوى كان حاضرا في الجو العام للصورة وفترة السنوات الأولى من عمر الطفل ،حيث الاحتياج الكامل للأم كرفيق .
إن العاطفة المشبعة ، فاضت على الجو العام للصورة منها الاهتمام ، التواصل و الألفة بين جميع الفئات ، الضوء المنبعث في جمال العتمة وإن كانت شاقة ، من خلال إعطاء كل زاوية حقها كما يجب أن ترى .
السعادة والفرح لا يتطلب أن تكون في أفضل الأماكن، ولا باقتناء أغلى الأشياء، إنما تفرضها الرغبة الصادقة في تحقيق الوئام ، والقناعة والرضا بالمقسوم .
ولعل كل ذلك تشيعه الأم تلك الساعية لاحتضان الجميع وفرض الأنس ، على الرغم من عدم وجود الحامي والسند وهو رب الأسرة ،إلا أن صورة على الجدار تكفلت بالشعور بالأمان وفرض الطمأنينة داخل هذه الأسرة وعندما نقول الأسرة، فإننا نقصد بها جميع من تواجدوا داخل اطار الصورة.
إن هذا الفضاء الرحب، في أرضية المكان ينعكس في قلوبهم وانشراح صدورهم، لتتسع للجميع في الاحتواء والاهتمام دون قيد أو شرط.
وعلى الرغم من عدم وجود أي دلالة على الأثاث ، إلا أن جلسة الأم ولو كانت مغلفة بالمشقة ،تنم عن حلول لأي مشكلة قد تواجهها لتتأقلم تحت أي ظرف كان.
من المعاني النبيلة ،الإيثار الذي تجلى في البنية العامة للأجساد ،فظهرت عظام الكلبة ،وسوء تغذيتها ،مقارنة بحالة أبنائها الثلاثة الذين ينعمون بالتغذية الجيدة، وينطبق ذلك على المرأة وابنها .
إضافة إلى أن التأنق في الملبس برز بجمال ملابس الأم والطفل ونظافتهما مقارنة بواقع المكان .
في حين كان اختيار الألوان الأساسية المفعمة بالطاقة والحيوية كاللون الأحمر والأزرق والأصفر واجتماعهم معا جرأة أو إرث درجت عليه مع اللون الأسود متجانسين بطريقة لا تشذ. دليل على النظرة المستقبلية للحياة وجمال التعايش مع المتوفر وذوق الأنثى الذي لا جدال فيه
تظل الرسالة الموصلة لها هذه الصورة المميزة، البذل والمنح والعطاء ، محاولة إخفاء المانح ، من خلال عدم إظهار وجهه ،غير منتسبة لعرق أو دم ،ودون تحديد هوية بالإشارة إليها في أي زاوية ، في سبيل تقديم الحياة الأفضل للصغار وفرض التعايش مستقبلا كرسالة لهم .
إن وضوح وجه المولود ،دليل على أهمية الإنسان وهو بلا شك من سيكمل هذه المعاني في الحياة.
لتقول عدسة المصور، إن الحياة الأفضل في المستقبل القريب لكم أيها الأبناء .