Ayoon Final logo details-3
Search

المنعطف الذي غير علم الكون!

أ. د. حيدر أحمد اللواتي

من الأسئلة الخالدة التي نادرا ما نرى أن مجتمعا من المجتمعات البشرية أو حضارة من حضاراتها لم تطرح جوابا له هو السؤال المرتبط بكيفية نشأة الكون، اذ تكاد تقترب السيناريوهات التي ألفت بهذا الصدد بعدد المجتمعات البشرية عبر التاريخ، والسبب في ذلك أن هذا السؤال هو من الأسئلة الراسخة في ذهن الانسان والفطرية التي لا يستطيع أن يتجاوزها، ولكن التحدي الأكبر الذي واجهه هو أنى له معرفة ذلك؟ وما السبيل اليه؟

وعندما نرجع الى المصادر المعرفية التي رجعت لها المجتمعات البشرية المختلفة عبر العصور سنجد أنها تكاد تنحصر في مصدرين أساسين، الأول الأساطير التي سطرها عقل الانسان وتراكمت مع مرور الوقت، أما المصدر الآخر الذي استعان به الانسان هو المصادر الدينية التي آمنت بها المجتمعات، فكل مجتمع آمن بديانة معينة وبمصادر مقدسة ترجع لذلك الدين، حاول أن يرجع لها وأن ينتزع منها معلومات تحاول أن تجيب على هذا التساؤل وتشبع فضوله.

وبعد أن يتم جمع تلك المعلومات وانتزاعها من النص الديني حاولت المجتمعات رسم سيناريوهات متكاملة ترسم لنا صورة عن كيفية نشأة الكون، لكن الإشكالية التي نتجت من ذلك أن هذه الصورة ولأنها من مصدر مقدس أضفى عليها البعض نوعا من القدسية أيضا، فغدت هذه القصص والسيناريوهات مقدسة أيضا.

لكن كل ذلك تغير تماما مع اطلالة القرن العشرين واكتشاف النظرية النسبية، فهذه النظرية العملاقة ليست مجرد نظرية بسيطة بل إطار معرفي جديد، سمح لنا بإلقاء الضوء على بعض الأسئلة الخالدة مثل السؤال الذي نحن بصدده وهو كيف نشأ الكون؟

فلقد استطعنا من خلال هذه النظرية أن نصل الى نتيجة لم نكن نتوقعها على الإطلاق وهو أن الكون لا يمكن أن يبقى ثابتا لا يتمدد، لأن جميع الحلول الرياضية المطروحة للمعادلات الرياضية في النظرية النسبية كانت تشير الى أن الكون في تمدد مستمر، ولكن ولأن الذهن البشري انغرس فيه أن الكون ثابت ولا يتمدد، فلقد أثر ذلك حتى في عباقرة العلم آنذاك، فرفض آينشتاين صاحب النظرية ذلك، وحاول بكل ما أوتي من ذكاء وفهم نقض النتيجة التي توصلت اليه نظريته النسبية.

وجاء عالم مغمور يدعي ليميتري، وأوضح لآينشتاين وللمجتمع العلمي بأن النظرية النسبية مهما قمنا من محاولات ستوصلنا الى نتيجة مفادها بأن الكون غير ثابت وأنه في تمدد مستمر، وقام آينشتاين بمراجعة الحسابات التي قدمها ليميتري وأقر بصحتها لكنه انزعج من تلك الحقيقة ووجه حديثه مخاطبا ليميتري” فهمك للفيزياء بغيض بحق!”.

ومع تطور التلسكوبات لاحظ العلماء أدلة داعمة وبقوة لفكرة التمدد الكوني وذلك من خلال التلسكوب الذي لعب دورا هاما في دعم فكرة التمدد الكوني وهو تلسكوب هابل.

وفي عام ١٩٣٣ وبعد تضافر عدد كبير من الأدلة الداعمة لفكرة التمدد الكوني قام ليميتري بطرح نظريته التي كانت فكرتها قائمة على التمدد الكوني، فاذا كان الكون يتمدد بمعدل معروف، فإننا إذا رجعنا بالزمن الى الخلف فيمكننا حساب عمر الكون ومتى ولد!

وعندما استمع آينشتاين عام ١٩٣٣م لمحاضرة ليميتري والذي انتقده سابقا بعنف، تراجع عن موقفه وأقر بجهله وروعة طرح ليمتري قائلا “هذا هو أجمل تفسير لبدء الخلق استمعت له على الاطلاق”.

ومنذ ذلك الحين، خطا علم الكون خطوات رائدة في مسيرته العلمية، بحيث إننا نستطيع أن نقول بأن كل ما مقدمته البشرية من تقدم في علم الكون لا يقارن قط بما توصل اليه هذا العلم خلال آخر قرن من الزمن بدء من تاريخ النظرية النسبية.

إن النظرية النسبية لم تجب على هذا السؤال الا بعد أن قامت بعمل عملاق وكبير وهو أنها غيرت مصدر المعرفة البشرية لهذا السؤال، فلقد أثبتت هذه النظرية أن المصدر الصحيح لهذا السؤال ليست النصوص الدينية المختلفة ولا الأساطير التي سطرتها المجتمعات البشرية، فالنصوص الدينية مقتضبة وأحيانا يلفها بعض الغموض، لأنها في الأصل لم تأت لتجيب على هذا السؤال بتفاصيل تشبع بها الفضول البشري.

فالخطأ الذي ارتكبناه أننا اعتمدنا في محاولة اجابتنا على هذا السؤال وحل التحديات المرتبطة به على مصدر معرفة لم يأت لهذا الغرض في الأصل، ولذا عندما تغير مصدر المعرفة الى علوم الطبيعة حدثت ثورة معرفية عملاقة أوصلتنا الى تفاصيل دقيقة ما كانت البشرية تتخيل أن تصل لها

ترى هل هناك تحديات وأسئلة أخرى ما زلنا نعتمد فيها على مصادر معرفية لم تخصص أصلا للإجابة على تلك الأسئلة ولحل تلك التحديات؟

علينا التفكير مليا!

مصدر المعلومات العلمية والتاريخية:

  • Dan Hooper, At the Edge of Time: Exploring the Mysteries of Our Universe’s First Seconds

secondplay

3 Videos
Play Video

TestPlaylist

3 Videos
Play Video