نشرت عطرك في دمي و شرياني
فيا “ظفار” سكنت نبض وجداني
*
لو لا الهوى ما اتخذت الريح مركبتي
ولا احتملت اللظى ما بين أجفاني
*
ولا غرقت و عالي الشم تمنعني
من السقوط بموجات وقيعانِ
*
و لا قلقت و مثلي كله جلدٌ
إن الحوادث تأتي دون حسبانِ
*
ولا أرقت من الهم الممض ولا
كابدت شوقي في سري و إعلاني
*
و لا تعبت ورا الأخبار أتبعها
في كل زاوية أو كل ميدانِ
*
ولا لجأت إلي العراف أسأله
عما اعترى خلدي أو ما تغشاني
*
ولا رجوت افتضاح الصبح يفصح لي
مما يعربد في أعماق كتماني
*
ولا فتَشْتُ خيوط الشمس في لهفٍٍ
عن الطيوف تعنّيني بإدمانِ
*
لكنه الحب في الأحشاء مصطخب
يا حبذا الحب من أنحاء “ريدان”
*
فللجمال احتفال في مرابعها
وعرس حلم على نجد و وديانِ
*
وللفنون اشتعال في مسارحها
وللينابيع فيها لحن عيدانِ
*
و للبحار اهتزاج في سواحلها
و للشموخ بريق فوق “سمحانِ”
*
وللطيور غناء المجد من قدمٍ
وللنسيم أريج من شذا البانِ
*
تبارك الله جلاها و صورها
صنو الجنان و أهداها لإنسانِ
*
بنوك قد شيدوا من علمهم إرما
ما شادها قبل علم الإنس و الجانِ
*
للفن آيته، والسحر طلعته،
والحسن غرته، صنيع فنانِ
*
جاء الفراعين “حتشبسوت” تقدمهم
في موكب من جلال القدر والشانِ
*
الود مأملهم، والصدق محملهم
حسن الخلائق إحسان بإحسان
*
شيسور”ألقى ضحاها فيض بهجته”
على المدائن فاختالت كنيسانِ
*
“سمهْرم” اشتهى النساك نفحتها
من “سومريٍ” و”آشوري” وكلداني
*
و”فارسيٍ” و”كوليٍ” بها فتنوا
و”بابليٍ” و”روماني” و”يوناني
*
صحائفٌ بحميد الذكر ناطقةٌ
يزهو بها زمنٌ في إثر أزمانِ
*
فالمجد يعشقه صبٌ به كلفٌ
ما هاب نصل الردى أو سيل بركانِ
*
يا أخت “مسقط” في عزٍ و في شممٍ
على الصخور أبيدت سطوة الجاني
*
و أخت “نزوى” فؤداً خفقه حدبٌ
و صوت حقٍ على بغيٍ و طغيانِ
*
وأخت “صور” مضاءً و قده هممٌ
ترنو له قممٌ، في أفق أكوانِ
*
أخت “صحار” التي في الدهر قد صمدتْ
كحصنها الصامد الأبراج صوانِ
*
و أخت “عبري” التي من قلبها انطلقتْ
جحافل النصر تمحو جذر عدوانِ
*
هاهمْ بنوك و عين الله تحرسهم
للنجم معراجهمْ في هدي قرآنِ
*
ماضيهمُ قبسٌ في صبح حاضرهمْ
يبنون في ثقةٍ عزيز أركانِ
*
و يغرسون بذور الخير في حلمٍ
قد طرزوه أحاسيساً بأوطانِ
*
و يلبسون عطول الدهر زينته
عقداً من الخلد، لا عقداً من الفاني
*
ينافسون السنا في فجر طلعته
ويغمرون الربى في جد إخوانِ
*
ويسبقون الصبا في طيب أردان
وينثرون الندى في كل بستانِ
*
مهد النبيين لا حلّتْ بها نوبٌ
ولا تضعضع منها ركن بنيانِ
*
ولا تعاورها أنواء عاصفةٍ
ولا تبدل منها رسم عنوانِ
*
ولا تناهبها أظفار حسدها
ولا تناهشها أنياب غيلانِ
*
يا من تغلغلتِ في روحٍ و جثمانِ
ومن تهللتِ في فكرٍ و إيقانِ
*
ومن ترسختِ في وجدان وجداني
ومن توهجتِ في أنصال فرسانِ
*
أنا العمانيُّ لا أرضى بخذلانِ
ولا حملتكِ إلا شمس برهانِ
*
ولا سكبتكِ إلا بين أجفاني
ولا جعلتكِ إلا دُرّ تبيانِ
*
ولا نقشتكِ إلا فوق شهبانِ
ولا اتخذتُ سوى الرحمن معوانِ
*
فالحرُّ مذهبه زخات نورانِ
ملء الفضاء ضحى لا خيط دخانِ
*
عينٌ مسهدةٌ لا عين نومانِ
قلبٌ يموج منىً لا قلب غفلانِ
*
نفسٌ مطهرةٌ من كل شنآنِ
الحُرُّ شيمته إيفاء بلدانِ
——————————-
(١) ريدان هو اسم ظفار في التاريخ القديم. وكان حاكمها يدعى ( ذو ريدا).