مفهوم أدب الأطفال
يمكن تعريف أدب الأطفال بأنه: “خبرة لغوية في شكل فني، يبدعه الفنان، وبخاصة للأطفال فيما بين الثانية والثانية عشرة أو أكثر قليلاً، يعيشونه ويتفاعلون معه، فيمنحهم المتعة والتسلية، ويدخل على قلوبهم البهجة والمرح، وينمي فيهم الإحساس بالجمال وتذوقه، ويقوي تقديرهم للخير ومحبته، ويطلق العنان لخيالاتهم وطاقاتهم الإبداعية، ويبني فيهم الإنسان.
كما يعرف أدب الأطفال بأنه شكل من أشكال التعبير الأدبي، له قواعده ومناهجه، سواء منها ما يتصل بلغته وتوافقها مع قاموس الطفل، ومع الحصيلة الأسلوبية للسن التي يؤلف لها، أو ما يتصل بمضمونه ومناسبته لكل مرحلة من مراحل الطفولة، أو يتصل بقضايا الذوق وطرائق التكنيك في صوغ القصة، أو في فن الحكاية للقصة المسموعة.
ويعتقد البعض أن الكتابة للأطفال أكثر مشقة من الكتابة للكبار، بسبب الاشتراطات التربوية والثقافية التي يلتزم بها كاتب الأطفال، وبسبب مراعاته للمستوى العقلي والنفسي للمتلقين.
تشغل القصة المكان الأول في أدب الأطفال، على اعتبار أنها قريبة من الحكاية التي يحكيها لهم الأجداد والآباء بسبب قرب عهدهم بها بحكم العمر، فعن طريقها تمَّ نقل الكثير من تراث الشعوب من القديم إلى الحاضر، بالإضافة إلى أنها, نوعًا, ما وسيلة بديلة للخروج من الواقع بكل إزعاجاته وأزماته، تعود بالأطفال إلى استرجاع بطولات الأجداد كنوع من أنواع التعزيز النفسي والمعنوي ، وإيجاد القدوة والمثل الأعلى في محاولة لربط الجيل بتاريخه وأعلامه.
خصائص أدب الأطفال
يأتي أدب الأطفال في مقدِّمة مجالات الاهتمام بشخصيَّة الطفل وإعدَاده، وهو من أهمِّ الأجناس الأدبيَّة التي تهتم بعقل الطفل وتجعله مؤهَّلا لتحمُّل مسؤوليَّة بناء الوطن بوعي واقتدار، يتميز أدب الطفل عن أدب الكبار بخصائص تتناسب وعقل الطفل بعيدًا عن الحشو والتلقين، إنه جنس يُساهم في تنميَّة المهارات اللغويَّة عن طريق استخدام لغة سهلة بسيطة ليس فيها إطنابٌّ ولا تقعر، تعابير واضحة لاتحمل أكثر من معنى، فرموز أدب الطفل لا ينبغي أن ترهق القدرة العقلية للطفل وتكلفه جهدًا يفوق إمكاناته، نراعي خصائص النمو الجسمي وقدرات العقل على التفكير والتحليل مع وجود المقوِّمات النفسيَّة الجذابة كالحوار البسيط والحدث والحبكة السَّهلة في القصة، وأن يشمل على خصائص فكريَّة تتعلق بالخيال وأن يبتعد عن التجريد وينشد المحسوس ويتناول الصوَّر ذات الصلة بالحياة.
يمتاز أدب الأطفال بالخصائص التالية
- يشكل فعالية الأطفال إبداعية قائمة بذاتها.
- يتطلب موهبة حقيقية، شأن أي إبداع أصيل، فهو جنس جديد في الساحة العربية، إن صح التعبير.
- يتبع من صلب العمل التربوي، الذي يهدف إلى تنمية معارف الأطفال، وتقوية محاكماتهم العقلية، وإغناء حسهم الجمالي والوجداني.
- يعتمد على اللغة الخاصة بالأطفال، سواء أكانت كلامًا أم كتابة أم صورة أم موسيقا أم تمثيلًا.
- يشمل جميع الجوانب المتعلقة بالأطفال، من الأشياء الملموسة والمحسوسة، إلى القيم والمفاهيم المجردة.
وتشير هذه الخصائص إلى الأهمية البارزة لأدب الأطفال، التي جعلت منه موضوعًا شغل العديد من الكتّاب والأدباء في العالم، وقد أخذ على عاتقه مسايرة الركب الحضاري والتطور الأدبي بأشكاله وألوانه المختلفة، فقد آمن عدد كبير من الكتَّاب والأدباء والمفكرين بأدب الأطفال، وضرورة التركيز عليه، وإظهاره بشكله ومميزاته، حتى يقف إلى جانب أدب الكبار، وحتى يسهم في خدمة الجيل الصاعد، الذين هم أطفال اليوم ورجال الغد المرتقب، فهم بناة المستقبل المأمول ورجاله.
أنواع أدب الطفل
وهيَّ القصَّة والشِّعر، والمسرح المدرسيُّ ومسرح الطفل، ومسرح العرائس، ووسائل الإعلام ومختلف الوسائط ، التلفاز والإذاعة والمجلة والسرد المباشر.
معايير أدب الطفل
لكل كاتب أهداف يرسمها ووسائل يستعملها لبلوغ الغايات التي يرومها، فنحن نكتب من أجل بناء جِيل قارئ يتذوَّق ما يقرأ، ويوظف ما يكتسب، وأدب الطفل يساهم في تحرير الطفل من العنف والقمع والوصاية ويساعده في تفتق مالديه من كوامن ويعمل على تمهير مواهبه، يرسخ في ذهنه القيَّم الإنسانيَّة وينمِّي فيه الوعي بالخصوصيَّات الثقافيّة والتراث ويُحَبب إليه البيْئة، فيكتشف ذاته ومحيطه ويقبل الحق في الاختلاف ويرضى برأي الآخر، ويُسهم في إذكاء روح البحث وحب الاطلاع ويتحقق ذلك عن طريق:
1) التشويق:
أن يكون كتاب الطفل جذابًا شكلًا ومضمونًا، يشدّ إليه الطفل ويغريه بالإقبال عليه، والقارئ الجيد هو المستمع الجيد لما هو جيد.
2) الشخصيَّة :
أن يُساهم في بناء شخصيّة الطفل فأدب الأطفال يأتي في مقدِّمة مجالات الاهتمام بشخصيّة الطفل وإعداده.
3) التدرج:
لابد أن يكون الكتاب مناسبًا يتدرج بالمعلومات حسب الفئات العمريّة.
4) التبسيط:
وهو فن تسهيل القراءة وتبسيط مهاراتها باعتبار أن القراءة هي (المعرفة المفهومة )والطفل يسعد بقراءة مايفهم، وينفر من النصوص الجامدة.
5) التنويع :
الطفل يكره الرتابة ويملُّ التكرار، وله ذوق قرائي واختيار.
6) التخطيط والترتيب:
نضع أهدافًا مرتبة نرومها ونرسم سُبلًا للوصول إليها .
7) التلوين :
الطفل يُحب التلوين وله ذوق وولع بالصور ذات الألوان الزاهية
اللغة والأسلوب في أدب الأطفال
يمكن القول أن غالبية الأدباء والباحثين الذين تطرقوا لقضية اللغة والأسلوب في أدب الأطفال، يجمعون على ضرورة مراعاة لغة الطفل وقاموسه حسب مراحل العمر والنمو، مع محاولة الارتقاء التدريجي لهذه اللغة، وهذا بدوره ينعكس في الأمور التالية:
• على صعيد الألفاظ والتراكيب اللغوية: الدعوة لاستخدام الألفاظ والتراكيب السهلة، وتجنب الغريبة غير المألوفة منها، والإقلال من المفردات والتراكيب المجازية إلا ما جاء منها عفو الخاطر، واللجوء إلى التكرار في الألفاظ والتعابير.
• وعلى صعيد الجملة، تركيبها ونحوها : استخدام الجمل القصيرة أو المتوسطة الطول، وتجنب الجمل الطويلة المعقدة. استخدام الجمل والألفاظ الدالة على المعاني الحسية وتجنب المجرد المعنوي.
• وعلى صعيد الأساليب – تحري الوضوح والجمال والدقة وتجنب الإسراف في الزركشة والزخرف والثراء اللغوي المتكلف، وتجنب أسلوب التلميح والمجازات الغامضة الصعبة، والاقتراب من خصائص “لغة الكلام” والاستفادة من أسلوب الراوي في الحكاية الشعبية الشفهية.
والأسلوب في تعريفه: هو شكل ومضمون، ودراسة الأسلوب مستحيلة دون الفهم لقطبي الأسلوب (الشكل والمضمون)كوحدة. وأول المبادئ لدراسة أدبية للغة لأي عمل أدبي فني، هو الإدراك الحقيقي والعميق لمتلازمة اللغة والفكرة. واستشفاف فلسفة الكاتب وأيديولوجيته اتجاه الإنسان والمجتمع في ألفاظه وكلامه، أي في هيكلية البناء الفني للنص. وينبغي أن تبدأ دراسة نصوص الكاتب ابتداء من تفرَّد الكاتب بأسلوب يطبعه بذاته، باعتبار أسلوبه انعكاسًالتفاعل يحدث بينه وبين المجالات الفكرية. هناك أهداف يضعها معظم كتّاب أدب الطفل في الوطن العربي, يمكن إجمالها بالآتي:
التأسيس لمجتمع مستقبلي مسلّح بالثقافة.
ترسيخ التراث العربي الإسلامي.
الثقافة وسيلة لإطلاق طاقات النمو عند الأطفال.
ترسيخ وتحصين الثقافة العربية ضد أي غزو ثقافي غربي.
القيم التربوية والمفاهيم الوطنية
يشارك في عملية تنشئة الطفل عدة أطراف أو وسطاء:
الجيران، جماعة الأقران، المدرسة، أماكن العبادة ووسائل الإعلام المسموعة والمرئية والمقروءة.
ويحتل الأدب مكانة بارزة في عملية تنشئة الأطفال، فهو يستطيع: ” أن يلبي احتياجاتهم النفسية، ويسهم في إشباع اهتماماتهم العقلية، ويربي أذواقهم، ويصقل مشاعرهم وإحساساتهم، ويمكنهم من التصدي للحياة ومتغيراتها بإيجابية ووعي” .
وهناك من يغالي في أهمية أدب الأطفال ودوره في تكوين شخصية الطفل وبلورة اتجاهاته السوية، ويُستشهَد بعبارة الشاعر البلغاري (ران بوسيليك )الذي قال في هذا الصدد: ” الأدب للأطفال كحليب الأم والهواء النقي اللذين لا بد من توافرهما “
وعن أهمية كتّاب الأطفال، قال الكاتب الفرنسي فرنسيس فيدال:”إن كتّاب الأطفال يمكن أن يغيّروا ذوق العالم – بل العالم نفسه”.
ويتضاعف تأثير الأدب في الأطفال بسبب حساسيتهم وقابليتهم الشديدة، ولأن الأدب الجيد يعتمد على الأسلوب غير المباشر وعلى الإيحاء. فعن طريق النموذج والقدوة والتقليد، وعن طريق التوحد والتماهي، يُذوق الأطفال القيم ويمتصّونها، بحيث تسهم في تكوين شخصياتهم واتجاهاتهم في المستقبل.
تصنيف القيم في أدب الأطفال
تتنوع وتتعدد المضامين والقيم في أدب الأطفال، وهي لا تقتصر على النص/ الكلمات، بل يمكن أن تظهر كذلك في الرسومات والصور والألوان.
ونستطيع أن نصنف القيم في خمس مجموعات:
- مجموعة القيم الذاتية.
- مجموعة القيم الاجتماعية.
- مجموعة القيم الوطنية / القومية.
- مجموعة القيم الإنسانية.
- مجموعة القيم المعرفية / النظرية.
ويلاحظ أن هذه القيم تندرج من الخاص إلى العام، أو من الدائرة الذاتية الشخصية، إلى الدائرة الإنسانية العامة.
ومن الجدير بالذكر أن القيم قد تكون متقاربة ومتداخلة، فيصعب تمييز القيم الاجتماعية من الإنسانية.
بث القيم الأخلاقية والوطنية والإنسانية والجمالية: يتم من خلال أبطال القصة، حيث تتبلور بتماهٍ مع تسارع الأحداث التي تصل إلى العقدة إلى درجة يتوحّد فيها القارئ مع الشخصية الفاعلة في الرواية، يجعل القارئ من نفسه بطلًا كبطل القصة التي يقرؤها…
وينجح الكاتب بتمرير القيم الوطنية من خلال مرحل ثلاث:
أولًا : استشفاف القيم من خلال القراءة.
ثانيًا : بناء القيم في نفس الطفل من خلال المحفزات والنماذج الأمثولة التي يطرحها النص .
ثالثًا: الالتحام وتمثّل السلوك القيمي من خلال التفاعل مع الشخصية الفاعلة (البطل).