Ayoon Final logo details-3
Search

ليلى بين الماضي والحاضر
قراءة في قصة “ليلى من بعد الذئب”

بتول أحمد خميس ماجستير إعاقة ذهنية وتوحد

ليلى والذئب أو كما لقبت بذات الرداء الأحمر القصة الأكثر شهرة عالميًّا، نقلها شارل بيرو عام 1698 ليعيد كتابتها كثير من الكتّاب والناشرين، ومن بين زخم القصص التي سردت حكاية ليلى والذئب استوقفتني قصة بعنوان “ليلى من بعد الذئب” للكاتب “السيد نون” ورسوم “أندريه ماليف” إصدار لؤلؤ للنشر والتوزيع عام 2020.

لم تسرد لنا قصة “السيد نون” ما قرأناه وحكته الجدات للأحفاد، ولكنها نقلتنا لأحداث وقعت بعد هلاك الذئب وعودة ليلى لمنزلها؛ بدأت مقدمة القصة بسؤال استفهامي “من منكم لم يقرأ ويسمع عن قصتي مع الذئب؟”، من صياغة السؤال يفهم القارئ أن المتكلم في القصة هي ليلى ذاتها، مؤكدًا ذلك الرسم التوضيحي لشخصها وهي تقوم بفعل الكتابة مضافًا إليه إمضاء ليلى أسفل مقدمة القصة، وفي ذلك إيحاءٌ لطيف وانعكاس يعمق تعايش القارئ وتفاعله مع واقعية أحداث القصة.

صيغ السؤال كما ذكرنا بأسلوب استفهاميّ تعجبيّ، وفي ذلك إثارة لذهن القارئ وتشويقًا إليه، عزز الكاتب التشويق بعبارة مباشرة للسؤال لاستثارة فضول القارئ لمعرفة بقية القصة، القصة التي لم يسمعها أو يقرأها أحد، وذلك لكتمان ليلى السر إلى أن أباحت بما يجول في وجدانها، من خوف استحوذ على عقلها ومشاعرها، فعانت حرمان الأمان والراحة.

من سياق القصة نكتشف أن القضية المراد طرحها وعلاجها هي مشاعر الخوف، لا يخفى على المربين والتربويين الأثر السلبي لكتمان مشاعر الخوف عند الطفل، وبذكاء الكاتب وظف قصة ليلى والذئب لمعالجة تلك القضية، فمن جهة تعدّ قصة ليلى والذئب من أكثر القصص العالمية المحببة للصغار، مما يسهل تقبل الطفل لها، فيحذو حذو ليلى في معالجة المشكلة، ومن جهة أخرى صعوبة الموقف (هجوم الذئب على ليلى) تبسط للصغار بعض مخاوفهم، يضاف إلى ذلك قدرة الكاتب على طرح قضايا نابعة من محيط الأطفال وهمومهم، وليس ما يريده الكبار من الصغار، فمنذ قرون مضت قصة ليلى والذئب تقدم تعزيزًا لقيمتي الطاعة وتجنب الحديث مع الغرباء، بينما ليلى اليوم تتحرر من كتمانها لتعبر عن مشاعرها التي تمثل مشاعر كثير من الصغار، وهي بذلك تحي مفارقة دام الجدال فيها طويلًا في أدب الطفل ألا وهي؛ هل يُكتب للطفل ما يريده الكبار منهم أم ما يريده الأطفال.

عند الاسترسال في قراءة القصة نجد توافقًا كبيرًا بين النص والرسم، وقدرتهما على إظهار مشاعر الخوف لدى ليلى، فعبارات النص موفقة في إظهار عمق الخوف، ساندتها الرسوم والألوان من خلال لغة الجسد وتعابير الوجه وحركة اليدين، فنظرات الخوف والحزن والقلق واضحة منذ بداية القصة، أمّا اليدان رُسمتا ممتدين إلى الأسفل ومتلاصقتين بالجسد، وفي مشهد آخر تخفي اليد الوجه كاملًا، وفي الحالتين إيحاءٌ للانطواء وكتمان مشاعر الخوف.

استمر إبداع ريشة الرسام في إظهار ضخامة مشاعر الخوف التي تخفيها ليلى، وذلك باعتماد اللون الرمادي في غالب عناصر القصة؛ ما يوحي إلى القارئ بالخوف والقلق، أما الظل الأسود الملازم ليلى لم يكن سوى تعبيرًا مجازيًّا بالرسم عن مشاعر الخوف، وأن لرسم الظل على هيئة الذئب دلالة مؤكدة على ملازمة حادثة الغابة مشاعر ليلى وسيطرته عليها طوال تلك المدة، فلا وجود للذئب في قصتنا، ولكنّه ما زال موجودًا بوجدان ليلى، فرسم الظل بصورة الذئب تعبير صريح على المخاوف، وأكد ذلك أمران: الأول اختفاء ظل الذئب باختفاء مشاعر الخوف، والثاني هاجس الأم وخوفها على ابنتها انعكس بصورة ظل ليلى لوالدتها.

          أمّا لون الرداء الأحمر الذي رافق ليلى طوال مشاهد القصة كان رمزًا لشخصها وللحفاظ على أصالة القصة وعناصرها، وبقية الألوان أُضيفت في نهاية القصة دلالة لعودة ليلى لدائرة الراحة والطمأنينة بكسرها قيود الخوف والقلق.

استرسل الكاتب في أحداث القصة استرسالًا منظمًا ومنسقًا؛ بدءًا باختيار القصة وقضيتها ومعالجتها، فبخطة علاجية علمية مبسطة سهُل على القارئ الصغير إدراك مخاوفه الداخلية وإكسابه الوعي العلاجي لها، وذلك بالاعتراف بوجود المشكلة واللجوء للشخص المناسب لطلب العون، ومن ثم فهم أن المخاوف شعور طبيعي لدى جميع البشر وعلى الإنسان التحكم بها وتقليل أثرها، وهذه الخطة العلاجية لخصت بحديث ليلى مع والدتها.

ختم الكاتب القصة بسؤال موجه للقارئ الصغير لإثارة تفكيره، لكنّه انحرف عن مسار قضية القصة؛ فبدلًا من التركيز على التعبير عن مخاوفهم، تساءل الكاتب عن تكرار القارئ للخطأ، ليعيدنا لقيمتي الطاعة والتركيز على الأخطاء كما في القصة العالمية المشهورة.

للقصص العالمية سحر جعلها خالدة في ذكريات الكبار، وحاضرة في قصص الصغار، وتوظيفها لحل قضايا تمس الأطفال لهو فن وإبداع يُظهر وعي الكاتب بقضايا الأطفال ومشكلاتهم، وتعد قصة “ليلى من بعد الذئب” نموذجًا مميزًا يحتذى به لمزج سحر الحكايات بقضايا الصغار.

secondplay

3 Videos
Play Video

TestPlaylist

3 Videos
Play Video