تستحضر ذاكرتي موقف بسيط مررت به قبل عدة سنوات، على طاولة في غرفة المعيشه إعتدت على مراكمة الجرائد والمجلات القديمه عليها، عند مروري قربها إحدى المرات، سقطت محدثة فوضى في المكان، فقررت إعادة جمعها ورصها حيث كانت، أثناء ذلك لمحت عنوان في زاوية إحدى تلك الجرائد لفت انتباهي بنحو مستفز، وبرغم العجله التى كنت فيها حينها لم أستطع مقاومة قراءة ذلك المقال الذي كان عنوانه(ممنوع من القراءة).
أثار العنوان فضولي على نحو غريب، لم يكن المقال بتلك الأهمية ولكن الكاتب أوضح في نهاية مقاله أنه برغم أن موضوع المقال غير مهم لكنه استطاع إجبار القارئ على إكمال المقال بسبب الاستفزاز الذي سببه العنوان فقط.
كثيرًا ما تذكرت ذلك المقال في حياتي بعدها، فعند التركيز يتضح جليًا أن المنع يستفز النفس البشريه ويتضاعف فضولها وتمسكها بما تُمنع عنه، فهمت بعدها سبب عناد الأطفال عند نهينا لهم خوفًا عليهم، وسبب خلافاتنا مع أبنائنا المراهقين؛ فنحن نستخدم عبارات نهي تصل احيانًا إلى حد المبالغة.
زاد تركيزي في الموضوع بعد أن وجدت جملة في كتاب كنت أقرأه عن التعامل مع العقل الباطن قالت فيها الكاتبه:(علينا الحذر والانتباه من استخدام عبارات النفي لأن العقل الباطن يرفض الضغط والقهر وهو لا يقبل أن يُبرمج)، إذا فكرنا جيدا وبإمعان نجد أنه من السهل التحكم بمن حولنا بسهولةٍ اكبر لو توقفنا عن عبارات النهي وبالاخص كلمة (لا) التي نكررها كثيرًا في ساعات حياتنا اليومية وقمنا باستبدالها بعبارات وكلمات اكثرإجابيه تصل بسهولة أكبر للعقول الباطنه فتقع عليها موقع السحر وتتملك القلوب بحنان وحب، هذا يجعل تعاملنا مع الأطفال سهلا جدا، وحتى مع والمراهقين والأشخاص الذين يعانون من صعوبة في التواصل مع الآخرين، لأننا في هذة الحالة سنتمكن من السيطرة على الاستفزاز الذي يشكله المنع، والذي يدفع بالإنسان دون وعي وإدراك إلى فعل ما نهي عنه تمردًا على ذلك النهي.
بالتقليل من عبارات النهي والمنع يمكننا أن نتحول إلى اشخاص أكثر إجابية وأكثر قدره على التعامل والانسجام مع الآخرين، ونجعلهم اقل تمردًا وعنادًا وأكثر تجاوبًا، فكلمة (لا) وقعها على النفوس مزعج ومستفز، بينما الكلمات المشبعه بالحنان تقودنا دون تفكير إلى إرضاء من نسمعها منه.
لا ترفض، لا تمنع، لا تقيد.. فقط خاطب القلوب بحب وسيتبعك من تحب.
