الغرابة شعور خاص بالتردد والالتباس والدهشة، يتصاعد من حالة الشك البسيطة إلى الخوف وإلى الرعب.. الغرابة نقيض الألفة والأمن، وحالة معرفية وانفعالية وإنسانية.. ينتابنا الإحساس بالغرابة حين نطالع أعمالا فنية ونشعر بالدهشة والشك والخوف والرعب، أو الفزع.. غرابة جمالية فنية في مقابل الغرابة الحياتية.. الغرابة تعني كل ما هو غير مألوف وإذا تكرر يصبح مألوفا وغير غريب.
الغرابة نوع من الحضور يدل على الغياب، حضور الموت يدل على غياب الحياة وحضور الخوف يدل على غياب الأمن، وحضور القلق يدل على غياب الاستقرار والتوازن. يتجسد ذلك في الأعمال الفنية والسينمائية والفن التشكيلي، والأفلام الخيالية وأفلام الخيال العلمي والأشباح والرعب. ومن مفردة الغرابة يمكن نفهم كلمات مشتقة أخرى، (غريب واستغراب وغرائبية وغرابة).
أنواع المكان
يستخدم المعماريون ومصممي المدن تعبير الإحساس بالمكان، لوصف القدرة التي يمتلكها مكان معين على إحداث معان مشتركة واتسام بالخصوصية، ليست كل البيئات الطبيعية التي نقطنها أماكن متشابهة هناك ملامح محلية وخصال فريدة مميزة للمكان، يمكن من خلالها المقارنة بين شعب وآخر، وبين جماعة بشرية وهوية فردية وقومية. فالمكان يعمل على تنشيط التعبيرات الرمزية عن الذات وعن ذكريات هذه الذات وطموحها وخيالاتها.
الغرابة التشكيلية
ظهرت لدى الإنسان عبر تاريخه، وجعلته يتحول من أعلى إلى أسفل. من الاهتمام بالقيم الكلاسيكية المكتملة المعبرة عن الجمال بمعناه المثالي إلى الانحراف عنه، لقد حاكى فنانو اليونان المجتمع الذي عاشوا فيه من خلال رسومهم على الأواني الفخارية والخزفية التي كانت تتصف بالفكاهية، لكن السخرية المضحكة والهازئة نادرا ماظهرت في الأعمال المشهورة والراقية في النحت اليوناني،وكان هناك سعي من أجل الوصول إلى القبح المثالي في الوقت الذي كان فيه سعي إلى جمال مثالي.
الرمزية والانطباعية
لم تكن الرمزية مثل شهرة الانطباعية وشيوعها. رغم أنهما قد ظهرتا في نفس القرن التاسع عشر، فالانطباعية اهتمت بالانطباعات الحسية الخاصة بالفنان الفردي وبالعالم الذي يوجد ما بين الموضوع وعين الفنان كما أنها أضافت تفسيرات الفنان الفردية الخاصة لهذه الانطباعات الحسية، واهتمت بالصور البصرية التي تشبه الواقع الحسي، كما يتلقاه الفنان من ضوء ولون وشكل وحركة.
أما الرمزيون فاهتموا بعرض الصور التي يستمدونها من عين العقل من عالم الخيال أو عين ثالثة افتراضية سحرية وسرية ثم يحاولون الإيحاء للمشاهد بواقعية هذه العوالم وتماسكها وتتحول عين الفنان إلى العالم الداخلي والروحاني والنفسي الخاص، الاتجاه في النظر إلى الداخل يختلف عن الانطباعيين الذين ينظرون إلى الخارج.
يعطينا الكاتب من خلال كتابه، معنى الغرابة ومفرداتها من اغتراب وغريب واستغراب وغيره، كما يضعنا من خلال الفكر الفلسفي والنظرة إلى الطبيعة، في أماكن الغرابة منذ وجد الإنسان على وجه الأرض، وتنقل وتعرف وتكاثر وصنع وعمر الأرض.
كذلك يوضح رأي العديد والكثير من الفلاسفة ورأيهم بالمستوى الجمالي الذي يطرحه التغرب، في أماكن متعددة ومجتمعات كثيرة، وفي مجالات الرسم والنحت والتكوينات الفنية المختلفة، وضروب الجنون والانفلات عن النمطية، والوجدان والعاطفة واستقبالها لكل ماهو غريب.
وفي الأخير يمكنني القول بأن الكتاب ميله فلسفي عميق.