Ayoon Final logo details-3
Search

صوت الصمت.. نداء الحقيقة في متاهات المسكوت عنه.. قراءة في شعر كريم العراقي

د. رائدة العامري|أكاديمية وناقدة من العراق

لكل امرأةٍ مظلومة حكايةٌ بدأت كآخر أمل وتحولت إلى نداء بصمت صارخ وتساؤلات ممزوجة بالألم والغضب واليأس. نداءات استقرت بقراءة نقدية لقصيدة : (نداء من امرأة مظلومة) للشاعر كريم العراقي..
نص شعري في تركيب أسلوبه يجمع العديد من الرموز والمعاني العميقة. خطاب استنطاق الذات على الآخر في دوامة النداء.
نداء استغاثة من صوت الصمت يستغيث في متاهات المسكوت عنه للبوح عن عدالة الذات والمشاعر والعواطف الداخلية للمرأة المظلومة، ويلقى الضوء على النص ليعكس قوته وإصراره على مواجهة الظلم بصرختها وندائها للعدالة والمساواة.
يوظف العنوان قيمتي “النداء” و “المظلومة”، كلمات ذات دلالة قوية تشير بشكل تشويقي لجلب انتباه المتلقي وفهم القضية التي تتناولها، وذلك في إيصال رسالة العدالة والتضامن مع المرأة المظلومة.
إذ يقول:
يا صاحبَ الخطأ الكبيرْ
رفقاً بقلبٍ من حريرْ
يا أعرفَ الناسِ بها.. وبما يدور بقلبها
نداء عاطفي يبدأ من المرأة/ الآخر إلى صاحب الظل المظلم يعصف بالجرح المستتر صاحب الخطأ الكبير رفقا بقلب من حرير كعصفور يحمل الأحاسيس المتقاطرة ويختنق في صمت الوهم ليراقب همس الكلمات ويعانق المستحيل… تشبيها يعكس عمق الألم في إيصال رسالة للآخر وأدرك حجم الخطأ والألم الذي يتقاطر بالأسى لحقوق محطمة معاشة ولا سيما فهم ذاتها بإنسانية وعدالة مشيرة إلى هشاشة قلبها وحاجتها للرقة والرعاية.
رموز متسربة لفك شفرات القصيدة ولاستخلاص المعنى الخفي بالإحساس العميق أدركاً حقيقيا للعواطف المكتومة التي تنبض بالأمل والألم المكبوت، تعكس المشاعر والتضاريس الداخلية لتوجه رسالة إلى المتلقي وذلك لفهم النسق الخفي والمكبوت الكامن في الذات يحفز النظر بعمق ورقة إلى تلك الأحاسيس.
مَرضَتْ تُريدك قربها.. بك لا بغيركَ تستجيرْ
أتنام ليلكَ هانئاً.. ودموعُ عينيها سعيرْ؟
ضاقت بها أيامها.. وترادفتْ سودُ الظروفْ
وتكسّرت آهاتها في صدرها مثلَ السيوف
يسهم النص في إثراء المعنى وإيصال المشاعر بشكل أعمق وأكثر تجسيدا إذ يستخدم اللغة بشكل مجازي للتعبير عن المشاعر والأفكار بأسلوب غني ومثير فتظهر الرمزية في النص ليعرض الشاعر حالة انحباس واحتياج ملح في توجه لحظة الاقتراب من الحبيب ذلك الملاذ الوحيد للقوة والأمان في الألم والوجع من خلال توظيف ثيمة (مرضت) التي ترمز إلى الشغف العميق لشفرة العشق وشغف الشاعر للحبيبة، وللإحساس بالأمان بعد الضيق والتعب الذي يعاني منه الشاعر من جانب، ورمز إلى الشوق العميق والحاجة الماسة للحب والوجود المستدام للحبيب من جانب آخر.
لا سيما يرافقها رمز التناقض والتضاد لحالات السعادة والحزن/ النفسية والعاطفية. حيث يشير إلى لحظات السعادة والهناء التي يعيشها الشاعر طول ليلته، فضلا عن المشاعر المتناقضة للألم العميق مع دموع الحبيبة المشتعلة… صور مكتنزة تكونت وتراكمت حولها.
لاسيما يسلط الشاعر الضوء على صورة مترادفة ترمز إلى الأوجاع ذات الارتباط الشديد برمزية سواد الظروف ايقونة للأوضاع الصعبة وظروف الحياة القاسية التي تتكدس حولها… من عزلة وصمت، مما يعزز الفكرة والحالة المؤلمة التي تمر بها.
توظيف عميق يسهم في إيصال المشاعر وإبراز الواقع القاسي بثنائية رمزية لنقل المعاني والأفكار بشكل مجازي وغير مباشر وذلك في إيصال المعنى والرسالة الشعورية بأسلوب شاعري مجازي في خلق تأثير عاطفي وجمالي يضفي على النص الشعور بالغموض والقوة الشعرية. التي تسهم في إيصال الأفكار بشكل فني وجمالي، وتخلق تأثيرا عاطفيا لدى المتلقي.
وتكسّرت آهاتها في صدرها مثلَ السيوف
لو في غيابك يسألون.. تطريك بالصوتِ الحنون
توصيف يقارن تصويرا لآهات شفرات تندب مؤلمة وحادة ــ آهاتها ــ التي تكسرت في صدرها فيبرز الألم الشديد والحزن العميق الذي يختلج صوتها المكسور كالعزف على أوتار الحنين المتسلسل في صدرها لعلها ترضي العاطفة المشتاقة التي تحولت إلى جروح مؤلمة تشبه نفوذ السيوف، فضلا عن إضافة دلالة القوة والحدة العاطفية لمشاعر الشاعر جمال وعمق تحمل تأثيرها العاطفي للنص،إذ يتم وصفها للسيوف التي تتكسر في آهات الذات لتعبير عن حدة الألم الذي تشعر به. فتتناغم السيوف مع الصدر لإظهار كيف أن الألم يؤثر بشكل مباشر على قلبها وروحها.
يتحلى توظيف السؤال بأسلوب رموز مجازية للحضور والغياب ــ لو في غيابك يسألون ــ لإعطاء عمق إضافي وذلك من خلال معنى متعدد الأبعاد. وذلك من خلال استخدام الفعل “يسألون” للدلالة على الاشتياق والحاجة لوجود الشخص الحبيب. لاسيما إبراز الشوق والحنين الشديدين التي تشعر بهما الذات/ الآخر لحبيبها، والسماع لهمس الصوت بوضوح، فيعكس انتظار شدة الحاجة الوجود. فضلا عن تعزز تأثير العمق العاطفي في وجود الآخر القريب البعيد. لمنح النص طابع تأويل الغياب/ الفقد العاطفي العميق لأظهار شدة الألم والاشتياق المتواجدة في النص بشكل فعال للمتلقي، إذ يثري تفسير النص بمعان غير مباشرة ذات طابع مجاز ومعنوي أعمق، ومستوحى من الصور البصرية، التي تعزيز التأثير الجمالي ونقل العاطفة والتأثير المباشر للمتلقي بشكل أكبر.
تكتسب الأبيات الشعرية دلالة قوية وعاطفية. إذ تصف الآخر بحالة الألم والحزن التي تشعر بها الشخصية النسائية في القصيدة بدلالة وصف آهاتها التي تنكسر في صدرها مثل السيوف، مما يعكس حدة الألم الذي تعان منه. كما يوضح السؤال الموجه إليها في حال غياب الحبيب، حاجتها الشديدة إلى صوته الحنون، مما يعبر عن الشوق والحنين. يتم من خلال التعبير عن العواطف القوية والرغبة الشديدة في التواجد مع الحبيب.
ما زال في عينيّ طفلاً.. والأمُّ تغفرُ للصغيرْ
وطنٌ لها آهاتها.. ووحيدةٌ بين الذئابْ
وقويةٌ لكنما.. كم مهجةً سحقَ العذابْ
أعطتْ مثالاً للإباءْ.. غلبت عليها الكبرياءْ
مظلومةٌ مهمومةٌ والظلمُ ظلمكَ يا أميرْ
يجسد النص المعاني العميقة بشكل بصري من خلال إثارة التأمل واستدعاء المشاعر والأحاسيس وتوجيه الأفكار بعمق المعنى والتعبير، رسائل تترك أثرا قويا للمتلقي. لتعطي النص طابع مزيج من الغضب والتحدي.
إذ وظف الشاعر الصورة البصرية ليصف المظهر الجسدي وذلك ليحتفظ بروح الطفولة كصورة تعطي إحساسا بالبراءة والعذوبة التي ما تزال موجودة في داخلها، ولا سيما يعكس الحنان والرعاية التي تقدمها الأم إلى أطفالها على الرغم من وجود القهر والظلم الذي تتعرض لها الذات/ الآخر.
تتواجد أيضا صورة أخرى للأم في النص، من خلال تسلط الضوء على قوتها وشجاعتها وقدرتها على المواجهة بمفردها في وجه الصعاب والتحديات. وإظهار القوة والصلابة الداخلية للأم في مواجهة الصعاب والتحديات الحياتية المستمرة، فتشعر الأم بالوحدة بين الذئاب، “ووحيدة بين الذئاب” صورة بصرية وتشبيه يعبر عن الوحدة والعزلة التي يشعر بها الشاعر والأم في هذا العالم المليء بالتحديات والصعوبات.
تجسيد لإيصال الشعور بالألم والمحنة كمهجة تطحن العذاب لتبرز القوة الداخلية للأم وقدرتها على مواجهة الصعاب والمعاناة التي تنال منها. “كمْ مهجة سحق العذاب” شفرة رمزية إلى العالم القاسي والاختبارات الصعبة التي تواجهها الأم وحدها، لا يزال لديها رغبة العودة والأمان في وطنها… فالوطن رمز إلى الانتماء يعكس مشاعر الحب كإحساس بقوة وصمود الأم أمام الصعاب والالتزام تجاهها فضلا عن استلاب الهوية وتعزيز فكرة الظلم الذي يواجهها وتحديها في حياتها.
النص يحمل الصور البصرية بين القوة والوحدة والظلم والمعاناة، وصبر وإباء الأم التي تتجاوز كل الصعاب وتبقى واقفة رغم الظروف الصعبة والظلم الواقع عليها للتعبير عن صعوبة حياة الأم ومعاناتها النفسية والاجتماعية، وفي الوقت نفسه تبرز قوتها وصمودها في مواجهة التحديات التي تعاني منها الأم في مجتمع قاس ولا يدعمها في معاناتها. فيعكس السعي للبقاء والتأقلم في بيئة ضعيفة وعدم وجود دعم ومساندة من الجميع
يتحلى النص بأفكار ومشاعر عميقة ومعقدة بطريقة مشوقة وجمالية بالكبرياء يرمز إلى القوة والصمود والشموخ القوة والكبرياء كرمز القوة النفسية والعقلية للتغلب على المحن والصعوبات. فقوة الأم وكبريائها الذي يمكنها من التغلب على الصعاب والمحن على الرغم من ذلك تظل الأم يافعة ومهمومة في أعين الشاعر، على الرغم من المحن والصعوبات التي مرت بها الأم، فإنها لم تستسلم للعذاب وظلم الظروف إذ استطاعت أن تظهر قوتها ومثابرتها إذ- أعطت مثالا للإباء ــ إشارة إلى الشجاعة والقوة التي تتحلى بها الأم في مواجهة التحديات، وتتجاوز التحديات وتثبت هويتها وكيانها رغم الظروف الصعبة. وتعبر عن تفوقها على المشاعر الضعيفة والهزيمة. تعكس استمرار الأم في صمودها وتصميمها على التغلب على الصعاب، تعبر عن قوة الإرادة والتصميم التي تمتلكها الأم، وعن كبريائها الذي ينهض رغم المحن التي تواجهها. لغة مجازية بارعة تبوح بمظلومة مهمومة والظلم ظلمك يا أمير، وتؤكد استمرار تحملها للهموم والظلم المباشر، مع الأمل في أن يأتي يوم من العدل والتحرر.
وهي التي خطفتكَ من حدبِ الهموم
حملتك من بئرِ الأسى نحو النجوم
إبك اعتذاراً يا ملولْ.. كي تسعد الوجه الخجولْ
وأسرع كطيرٍ خائفٍ.. هذا النداءُ هو الأخيرْ
يوحي النص إلى لحظة تحول حاسمة في حياة الآخر إذ يستخدم الشاعر التوظيف الدلالي بالانتقال من حالة الحزن إلى حالة السعادة والأمل. من خلال الكلمات “خطفتك، وحملتك” إشارة إلى القوة والقدرة التي تشعر بها الذات التي تمكنت من إيقاع الهموم والأعباء التي تحاصر الآخر، لتعكس تحرر الشاعر من الأحزان والمتاعب والتطلع للمستقبل القريب.
نص يوحي بانسنة الأشياء بين ذات الآخر والطير كخطاب بنداء أخير “أسرع” مع صورة مجازية للخوف وحركة مفاجئة تشبه حركة الطير المذعور. ينم عن ضرورة الاستجابة من خلال التبادر بالتسامح وتقديم الاعتذار وانتزاع الحزن من الذات المكبوتة التي تأمل بالتعويض، بهدف إدخال السعادة والبهجة في وجه الآخر الخجول الذي فقد طاقته وحيويته. كي تعزز الرغبة في التغيير والتقدم والشعور بالأمل والتحفيز. صور بصرية تعزز الرؤية والمشاعر بشكل أكثر قوة وإثارة التي يحاول الشاعر إيصالها المتلقي في مواجهة التحديات والتغلب على المخاوف والتألق كالنجوم.

secondplay

3 Videos
Play Video

TestPlaylist

3 Videos
Play Video