Ayoon Final logo details-3
Search

أبجديات في قراءة العمل الفنّي

فوزية علي الفهدية

معرض دهشة إبداع

قد يبدو وعلى الغالب أن طريق العلم هو رحلة إجابة عن التساؤلات أو محاولة تفسيرها، وربما بات جلياً في ظل التنامي المعرفي، لأن يكون إضافة سؤال هو بمثابة إثراء معرفي أيضاً، وإن كان سؤال بحت بلا إفتراضات وإجابات تحيطه فتزيد به هالته المعرفية، لنقول بذلك هل الفنّان يرسم بعقله أم بقلبه؟ وهل تلك الأعمال الفنّية هي تجلّيات لأفكار نابعة من عقله، أم هي فيض من شعور محض؟

في عالم الفنّ بصياغاته المختلفة، كثُر الحديث حول مدى جدوى الفن، وإلى أي مدى هو قادر على إثراء الساحة المعرفية رفاهاً وحساً إبداعياً، فدوّنت حول ذلك مجلدات كثيرة، بداية من تاريخ الفنّ وتطوره التدريجي، إلى حين ظهور المدارس الفنّية الحديثة، إلى حين تسلّلها بخفة إلى المناهج المدرسية، إيمانًا راسخاً ويقيناً لا يمكن نقضه حول أهمية الفن.

ودمجه لتلك المقولة المتداولة ( علم الفنون، وفنون العلوم )، ليكون بذلك الفنّ علم قائم بذاته، يتطوّر شأنه شأن العلوم الأخرى، على نحو متسارع متجدّد، تصل آفاقه لما لا يمكن حصره من الأنواع والتصنيفات، وتلك الخامات المستخدمة بإبتكار فذّ، فكما يقال كل فنان ينطبق عليه تلك المقولة التي قيلت عن ليوناردو دافنشي: ” ما لمِس شيئاً إلا وحوّله إلى جمال خالد “.

إلا أن المتلقي لذلك الفنّ ما زال ساكناً أمام ذلك الفنّ، وإلى الآن يسير بتباطئ ما بين الأركان الفنّية المعروضة، تباطئ متزايد إلى الحدّ الذي يصل فيه إلى تأتأة في قراءة العمل الفنّي، أو حتى سكون وصوت مبالغ في ما تسمى بحالة من اللاإنطباع.

فهل بات علينا إيجاد أبجدية تلاحق مقياس سرعة العصر؟ أو حتى فك خط قراءة العمل الفنّي لتكون في متناول المتلقّي العادي العابر، المتذوّق فقط، البعيد النائي بنفسه عن اللغة التخصصية لدى أهل الفنّ ومحترفيه؟

ألا يشكّل تلقّي العمل الفنّي ببهتان حائر، وبِلا تشكيل أي إنطباع لمن قبيل الإهدار في موارد الإبداعات؟

مما لا جدل فيه أن ( الفنّ للفنّ ) قول لا دحض فيه ولا نكران، إلا أن قراءة العمل الفنّي لا يبعدك عن ذلك القول، بل أنه يوغل بك في تفاصيل فنّية مرهفة الحس، ستزيد من كون أن الفنّ خُلق للفنّ أولاً وقبل كل شيء، ومن ثمّ تأتي الرسالة والنواحي الأخرى.

فكقارئ عادي وكمتلقّي شغوف بالفنّ، ما عليك سوى محاولة ترجمة إنطباعك عن العمل الفنّي، وبالجانب الآخر محاولة تتبّع إنطباع الفنّان وهو يقوم بتحفته الفنّية، لتنتقل بعدها إلى معرفة أساسيات العمل ومراحل تكونه إلى حدّ تأمل جميع عناصر العمل، وصولاً إلى فضاءاته المحيطة به، فضلاً عن الألوان التي تشكّل علماً قائماً بذاته، ومحاولة التفكّر كيفما دمجت الألوان فيه، هل كان ذلك وِفق قوانين الألوان المعروفة أم أنه اندمج مع إحساس الفنّان ورؤيته؟ لتكون لك قرباً وبعداً من العمل مستكشفاً زوايا الظل والنور، حتى قيل لا فنان حقيقي بلا معرفة لقوانين الظل والنور، لتبصر بعدها مدرسة الفنّ، فهل تكون مستوحاة من المدارس الكلاسيكية، أم هي مستحدثة مع الفنّ الحديث، أم هي إبتكاريّة إلى حدّ صارخ لكل الثراء والوفرة في الخامات من حولنا.

لتؤطّر كل ذلك بطريقة الإخراج النهائي للعمل الفنّي، وكل ذلك يسير على نحو جدلي مع ذاتك أو حتى مرافقيك  محاولة في الإبحار للمعنى لترسو في جدوى الفن، فتقول أخيراً هل كان يرسم بفكره أم أن مشاعره هي من تقوده للعمل الفنّي؟ ومع تكرار ذلك فإنه يقودك إلى تحقق الهدف.

المعرض الفنّي دهشة إبداع في نسخته الثانية كأنموذجاً للقراءة الفنية، التي تترجم لنا المعنى أو تخلق لأنفسنا معانٍ أخرى تليق بحديث الفنّ الصامت، والذي جاء كنتاجات للوحدات الدراسية لمناهج مادة الفنون التشكيلية للطلبة الذكور بمحافظة الداخلية، في معرض فنّي محاط بهالة تجلّيات الفنّ، بداية من تلك الأبواب والنوافذ التي تدعونا إلى أن نطرق باب صوت المعنى العذب للفنّ، في أعمال خشبية تحاكي الثيمة العمانية وهويتها المعمارية.

لتدخل بعدها خامات همست للفنّان أن يتربّع عرش لوحة فنّية عبر تقنيات حفر ونحت وتشكيل، لنكوّن من الأشكال المألوفة فنّ، ليقودنا إلى إدراك حقيقة وجود الفن من حولنا قبل تدخلات الفنان حتى، فالطبيعة هي مرتع الفنّ الأول.

ليأخذنا بعدها التشكيل بالورق وفنّ الكولاج إلى مستويات ننتقل بها من السطحية للعمق، عبر مهارات بسيطة جداً يتربّع فيها الحس الفنّي المكان، والخيوط دور كبير في ربط أذهاننا بالمدارات الكونية بإتساعها ومداها، ليكون هناك عمق في اللوحة ومدى يعطي للعمل آفاقاً أوسع لا نهائية، ويبقى الخط العربي الترجمان الأول لتجليات اللغة في داخلنا، لتظل تترنّم مراراً في تكرار منقطع النظير على تلك العبارات والأذكار التي تقتات عليها قلوبنا، لتتنوّع بعدها الأعمال الفنية إلى طباعة تحاكي الصورة المرسومة، وتجوال حر بريشة الفنّان إلى عوالم التراث والطبيعة والهوية العمانية بتفردها وخصوصيتها، وكما أن للمدارس الفنية حضور جليّ عبر عدد من الأعمال الفنية التي تؤكد على تدرّج الفنانين الصغار في رحلتهم الإبداعية، فيكون بذلك التنوع حاضراً فينا يتفق الجميع على رسالة الفنّ وجدواها الغائر في عمق الحياة، والتي لا يمكن إنكارها وتجاوزها على الإطلاق، تنوّع يوازي ثراء المعطيات من حولنا، واتفاق يتوحّد في المواد الأولية للخلق.

  • لنعود بذلك إلى حيث ابتدأنا، هل الفنّان حين يرسم يكون حاضر العقل مشحوذ الذهن أم أن ذلك كله محض شعور فاض بها، أم أن الأمر برمّته هو توازن يحاكي توازن الكون الأزلي ما بين القلب والعقل، لنقول أخيراً حسبُ الفنّ أن يكون للفنّ.

secondplay

3 Videos
Play Video

TestPlaylist

3 Videos
Play Video