Ayoon Final logo details-3
Search

الشَّاهنامه (كتاب الملوك)

الكتابُ الَّذي جرتْ أكثرُ من محاولةٍ لترجمتِهِ؛ لكنَّها جميعاً جاءتْ مُوجزةً؛ بسببِ ضخامةِ هذا المؤلَّف ودقَّة نظْمِه.

عَنْ هذا الكِتاب:

أجْمِلْ بالكلامِ الجَمِيْل، وَأَجْمِلْ مِنَ الكلامِ الجَمِيْلِ بالشِّعْر.

 لَقَدْ جاءَ الفِرْدَوسي في هذا الكِتاب مِنَ الشِّعْرِ الجَمِيْلِ بِشِعْرٍ لا يَقْدِرُ عَلَيْهِ أَحَد.

الشِّعْرُ أحَسَنُ الأَشِياء، وَشِعْرُ الفِرْدَوسي أحْسَنُ الشِّعْر، بِما سَيِبِيْنُ لِقارِئِ هذا الكِتابِ إنْ شاءَ الله.

بَعْدَ هذِهِ العِبارات المُرَغِّبات نَجيءُ لِتَعْرِيْفِ هذا الكِتاب:

الشَّاهْنامَه أوْ كِتابُ المُلُوك، مَلْحَمَةٌ شِعْرِيَّةٌ فارِسِيَّةٌ اسْتَغْرَقَ نَظْمُها عِشْرِيْنَ عاماً، بَلَغَ عَدَدُ أَبياتِها سِتِّيْنَ أَلْفَ بَيْتٍ مِنَ الشِّعْر.

كِتابُ المُلُوْكِ في الأَصْلِ لَمْ يَكُنْ كِتابَ شِعْرٍ، بَلْ كانَ كِتاباً مَنْثُوراً, كانَ كِتابَ قِصَصٍ عَنِ الزَّمَنِ القَدِيْم، مَرَّتْ عَلَيْهِ سِتَّةُ آلافِ سَنَةٍ، لَوْ قامَ العادُّ مِنْ زَمانِ الفِرْدَوسي بالعَدّ، ولَمْ يَكُنْ مَجْمُوْعاً بَلْ كانَ مُفَرَّقاً في أَيْدي الشُّيُوخ، كانَ مِنْهُ عِنْدَ كُلِّ ذَكِيٍّ نَصِيْب، حَتَّى جَمَعَهُ واحِدٌ مِنْ أولادِ الدَّهاقِيْن مِنَ العارِفِيْن المَشْهُوْرِيْن، وَعَنْ لِسانِ كُلِّ شَيْخٍ حَكِيْم، مِمَّنْ كانَ يَذْكُرُ هذا الكِتاب، فَجاءَ كِتابٌ مَجْمُوْعٌ فَرِيْدٌ مَشْهُوْرٌ، سُمِّيَ كِتابَ السَّابِقين.

وَجاءَ شابٌّ شاعِرٌ فَصِيْحُ اللِّسانِ مَطْبُوعُ الرُّوْح، لَقَبُهُ دَقِيقي، قالَ أنا سَأَنْظِمُ هذا الكِتابَ شِعْراً، وَبَدَأَ بِنَظْمِهِ لكِنَّهُ لَم يَنْظُمْ مِنْهُ إِلَّا أبْياتاً قَلِيْلِةً، فَقَدْ قُتِلَ في شَبابِهِ على يَدِ غُلامٍ لَهُ، وَأَثنى الفِرْدَوسي عَلَيْهِ، إِذْ كانَ دالَّاً على الطَّرِيْقَ للاِرْتِباطِ بِهذا الكِتاب، رَغْمَ أَنَّهُ ما  صَنَّفَ إِلَّا القَلِيْلَ مِنْهُ، أو كما قالَ واحِداً مِنَ الآلافِ مِنْهُ.

بَعْدَهُ تَقَدَّمَ الفِرْدَوسي، وما أدراكَ مَنْ هُوَ الفِرْدَوسي، لِنَظْمِ هذا الكِتاب.

 وَلَمَّا كانَ ضَوْءُ النَّجْمِ مَعَ ضَوْءِ القَمَرِ يَكُونُ ضَعِيْفاً، نَظَرَ الفِرْدَوسي بِنَظْمِ دَقِيْقي فَوَجَدَهُ ضَعِيْفاً، وَوَجَدَ فِيْهِ أبياتاً كَثِيْرَةً غَيْرَ صَحِيْحَة، قالَ: لا يَجِبُ قَوْلُ الحَدِيْثِ هكذا، وبالمَنْجَمِ الَّذي لا تَجِدُ بِهِ الجَوْهَرَ لا تَحْفِرْ، مَنْ لا يَمْلِكُ الطَّبْعَ مِثْلَ ماءٍ جارٍ، لا تَحْمِلْ إِلَيْهِ كِتابَ المُلُوْكِ هذا، وَأَنْ يَبْقى الفَمُ خاليِاً مِنَ الطَّعامِ، خَيْرٌ مِنْ أنْ تَضَعَ بِهِ طَعاماً غَيْرَ سائِغ.
وَمَعَ ذلِكَ فَقَدْ أَثْبَتَ لِدَقيقي في الشَّاهْنامَه الأبياتَ الَّتي كَتَبَها جَمِيْعاً، تَحْتَ عِنْوانِ حَدِيْث دَقيقي، وَلَمْ يَطْمِسْ اِسْمَهُ، وَدَعا لَهُ بالمَغْفِرَةِ، قالَ: اللَّهُمَّ اُعْفُ عَنْ ذَنِبِهِ، وَزِدْ في الحَشْرِ جاهَهُ، وَشَكَرَهُ على إبانَةِ الطَّرِيْقِ لِنَظْمِ هذا الكِتابِ المَنْثُور.

كانَ الفِرْدَوسي يَطْلُبُ مِنَ اللَّهِ العُمُرَ لِإتْمامِ هذا الكِتاب وَكانَ يَخافُ أنْ يَنْقَضِيَ عُمُرُهُ قَبْلَ أَنْ يُتِمَّهُ:

أنا أطْلُبُ مِنَ الإِلٰهِ الكرِيْمِ الواحِدِ، أنْ أَبْقى مُدَّةً بالمَكانِ بالدُّنيا؛
حَتَّى أُكْمِلَ كِتابَ المُلُوْكِ هذا، أَجْعَلُهُ مُتَّصِلاً مِنْ مَقالي الجَمِيْل؛
مِنْ بَعْدِ ذاكَ البَدَنُ الحَيُّ تُرابٌ حَقَّاً، الرُّوحُ القائِلُ مَعْدِنٌ طاهِرٌ حَقَّاً؛

الشَّاهنامه كالبَحْر فِيْهِ كُلُّ شَيء، وَبِهذا المَقالِ لا يُمْكِنُ عَرْضُ كُلِّ شَيء، نَكْتَفي بِعَرْضِ نَماذِجِ قَلِيْلَةٍ مِنْه، مِنْ وَصْفِ المَعارِكِ والبُطُولات، وَوَصْفِ جَمالِ الجَمِيْلات، وَعَرْضِ أبياتٍ مِنْ شِعِرِ الحِكْمَة، وَعَرْضِ شَيْءٍ مِنْ قِصَصِ الحُبِّ، وَعَرْضِ أبياتٍ يَظْهَرُ بِها جَمالُ شَعِرِ الفِرْدَوسي.

وَصْفُ القِتال وَبلاءِ الأَبْطالِ بالقِتال:

وَصْفُ رُسْتَم في إِحْدى مَعارِكِه:

في كُلِّ لَحْظَةٍ كانَ يَرْمِي الخَنْجَرَ، بِكُلِّ طَرِيْقٍ كانَ يُلْقي البَدَنَ بلا رَأْس؛
مَعَ حَرْبِهِ لا قَدَمَ للجَبَل، مَعَ غَضَبِهِ لا مَحَلَّ للفِيْل؛
على ذَلِكَ الشَّكْلِ تَجَمَّعُوا عَلَيْهِ كالحَلَقَةً، بالرِّماحِ والخَناجِرِ والدَّبابيسِ والسِّهام؛
 يَرمُونَ بِها ذاكَ البَطَلَ خاطِفَ الأَسَد، الشَّمْسُ مِنْ فَوْقِهِ صارَتْ سَوْداء؛
مِنَ الرِّماحِ كانَ كَأنَّهُ في مَزْرَعَةِ القَصَب، مِنَ الدَّمِ وَجْهُ الأرضِ صارَ كالخَمَّارَة؛
بالضَّرْبَةِ الواحِدَةِ كانَ يَبْري عَشْرَةَ رِماح، يَصْرُخُ وَيَجِيْشُ والعَدُوُّ مَغْمُومٌ؛
شُجْعانُ إِيرانَ مِنْ خَلْفِ ظَهْرِهِ، وَهُوَ مَمْلُوْءُ القَلْبِ بالغَضَبِ وراغِبٌ بالحَرْب؛
مِنْ كَثْرَةِ الرِّماحِ والدَّبابيسِ وَأَعْمِدَةِ الحَدِيْدِ والسُّيُوف، قُلْتَ كانَتْ تُمْطِرُ شقائِقَ النُّعْمانِ مِنَ الغَيْم؛
مِنَ القَتْلى كانَتْ صَحْراءُ المَعْرَكَة، أبداناً وَظُهُوراً وَخُوَذاً وَتِيْجاناً؛
مِنْ صِيْنِيٍّ وَشِكَنِيٍّ وَمْنْ هِنْدِيّ، وَمِنْ سَقلابِيٍّ وَهَرَوِيٍّ وَمِنْ بَهْلَوِيّ؛

وَهذا وَصْفٌ لِمَعْرَكَةٍ بَيْنَ الإيْرانِيِّيْنَ والأتراك:

الجَيْشُ مِنَ الجِهَتَيْنِ جاءَ كالجَبَل، فُرْسانُ الأتْراكِ وَجَماعَةُ إِيْران؛
هكذا صارَتِ الشَّمْسُ مِنْ غُبارِ الجَيْش، كالنَّارِ تَطْلَعُ مِنْ بَحْرِ الماء؛
مِنْ لَمَعانِ السُّيُوفِ والنِّصالِ والنِّبال، قُلْتَ اللَّيْلُ يَزْرَعُ في الهَواءِ الشَّقائِق؛
مِنْ كَثْرَةِ خُوَذِ الذَّهَبِ وَدُرُوْعِ الذَّهَبِ، وَمِنْ جَيَشانِ الفُرْسانِ بِأَكْمارِ الذَّهَب؛
طَلَعَ غَيْمٌ كالشَّمْعِ الأَصْفَرِ، الأرْضُ صارَتْ مِنَ الغُبارِ كالأَبَنُوس؛
رُؤوسُ القادَةِ تَحْتَ الدَّبابيسِ الثَّقِيْلَةِ، صارَتْ كالسَّنادِيْن وَمَطارِقِ الحَدَّادِيْن؛
مِنَ الدَّمِ قُلْتَ النَّهْرُ صارَ الخَمَّارَةَ، مِنَ الرِّماحِ قُلْتَ الهَواءُ صارَ مَزْرَعَةَ القَصَب؛
كَمْ مِنْ رَأْسٍ أُخِذَتْ بِطَيَّةِ الحَبْل، وَكَمْ مِنْ بَدَنٍ عَزِيْزٍ صارَ مَهِيْناً؛
الكَفَنُ الجَوْشَنُ والفِراشُ مِنَ التُّرابِ والدَّم، والبَدَنُ مُعْتادُ الدَّلالِ مُمَزَّقٌ بالسَّيْف؛
الأرْضُ الأُرْغُوانُ والزَّمانُ السَّنْدَرُوس، والفَلَكُ والنُّجُومُ مَمْلُوْءَةٌ بِصَوْتِ الكُوْس؛

ومعركة أخرى:

علا مِنَ الجَيْشَيْنِ صَوتُ البُوْقِ والكُوْس، الهَواءُ صارَ نِيْلِيَّ اللَّونِ والأرْضُ كالأبَنوس؛
مِثْلَما يَلْمَعُ البَرْقُ مِنَ الغَيْمِ الأَسْودِ، كاَنَتِ النَّارُ تَلْمَعُ مِنَ الدَّبُّوْسِ والسَّيْف؛
الهَواءُ صارَ أَحْمَرَ وَأَسْوَدَ وَبَنْفْسَجِيَّاً، مِنْ كَثْرَةِ الأَسِنَّةِ والأَعلامِ ذاتِ الأَلْوان؛
والأرْضُ صارَتْ مِثْلَ بَحْرٍ مِنَ القِيْر، مَوْجُهُ مِنَ الخَناجِرِ والدَّبابيسِ والسِّهام؛

مِنَ الفَجْرِ إلى أَنْ صارَتِ الشَّمْسُ مُظْلِمَةً، الدَّمُ يَجْري في الجَداوِلِ كالماء؛
مِنَ القَتْلى صَارَتِ التِّلالُ بِكُلِّ مَكانٍ، وَلِلْبُوقِ والكُوْسِ مِثْلُ زَئِيْرِ الأَسَد؛
الهَواءُ مِنَ الحِرابِ صارَ كالأَجَمَة، والشَّمْسُ خَلْفَ حِجابٍ مِنَ الأَبَنُوس؛
مِنْ غُبارِ الجِيادِ الفِيْلُ صارَ غَيْرَ ظاهِرٍ، مِنَ الغُبارِ لا شَخْصَ كانَ يرى اليَدَ والعِنان؛

وَصْفُ جَمالِ الجَميلات:
الفِرْدَوسي يَصِفُ رودابه بِنْت مَهراب مَعِشُوقَة زال:

بالقامَةِ السَّاج وباللَّونْ العاج، حُوْرِيَّةٌ على رَأْسِها مِنَ المِسْكِ التَّاج؛
بِنَرْجِسَتَيْنِ ذابِلَتَيْنِ وَحاجِبَيْنِ مائِلَيْن، وَفَمٍ ضَيِّقٍ مِثْلَ قَلْبِ الفَقِيْر؛
العَيْنانِ مَمْلُوْءَتانِ بالنَّوْمِ والوَجْهُ مَمْلُوْءٌ بالماء، والخَدُّ مَمْلُوْءٌ بالوَرْدِ والشَّعْرُ مَمْلُوْءٌ بالمِسْك؛
رَأْسُها مَعْجُونٌ مِنَ المِسْكِ والعَنْبَر، بَدَنُها بِضِياءِ الياقُوْتِ والزُّمُرُّد؛
زُلْفُها وَجَعْدُها مِثْلُ زَرَدِ الذَّهَب،  مُلْقىً بِهِ العُقْدَةُ على العُقْدَة؛
لَها عَشْرُ أَصابِعَ فِضِّيَّةٍ كَهَيْئَةِ القَلَم، رُقِمَ عَلَيْها مِنَ الغالِيَةِ مِئَةُ رَقَم؛
خَدَّاها شَقائِقُ النُّعْمانِ في الياسَمِيْن، طَيَّاتُ زُلْفِها الطَّيَّةُ على الطَّيَّة؛

وَهذا وَصْفُهُ لِـ سُودابه بِنت ملِك هاماوران الَّتي تَزَوَّجَها كيكاوس:

قامَتُها أَجْمَلُ مِنْ قامَةِ السَّرْو، على رَأْسِها التَّاجُ مِنَ المِسْكِ الأَسْوَد؛
قَدُّها عالٍ والضَّفِيْرَةُ حِبالٌ، لِسانُها كالخَنْجَرِ وَلُبانُها كالسُّكَّر؛
جَنَّةٌ مُزَيَّنَةٌ ملأى بالنُّقُوش، كالشَّمْسِ المُشِعَّةِ بالرَّبِيْعِ السَّعِيْد؛
بِياقُوْتَتَيْنِ ضاحِكَتَيْنِ وَنَرْجِسَتَيْنِ ناعِسَتَيْن، وَعَمُوْدَيْنِ لِلْحاجِبِ مِثْلَ قَلَمِ الفِضَّة؛

الحِكْمَة
شِعْرُ الفِرْدَوسي مَشْحُونٌ بالحِكْمَة:

حَذارِ أنْ تَكُونَ مُتَهَوِّراً بالدَّهْر، فإنَّ سُمَّهُ زائِدٌ عَنِ التِّرْياق؛
لا تَمُدَّ اليَدَ بالحِرْصِ والحِقْد، لا تَجْعَلْ مَنْزِلَ السَّفَرِ مكانَ الجُلُوْس؛
دارُ الدُّنيا مَمْلُوْءَةٌ بالآتِيْنَ والذَّاهِبِيْن، صِرْتَ قَدِيْماً يَأتُونَ بِآخَرَ جَدِيْد؛
واحِدٌ يَجِيْءُ داخِلاً وآخَرُ يَخْرُجُ، ظَلَّ زَماناً بالمَنْزِلِ يَرْتَعُ أو يَرْعى؛
إِذا ما طَلَعَ صَوْتُ طَبْلِ الرَّحِيْل، يَدْخُلُ بالتُّرابِ رَأْسُ النَّمْلَةِ والفِيْل؛

أنتَ ما قُلْتَ مِنَ الحَدِيْثِ كُنْ قائِلاً ، كُنْ طالباً للعالَمِ  وَكُنْ عاقِلاً ؛
إِذا ذَهَبْتَ ، المُعامَلَةُ مَعَ الله ، حَسَناً كانَ ذاكَ المَكانُ أمْ سَيِّئاً ؛
اُنْظُرْ لِما تَزْرَعُ فَذاكَ ما سَتَحْصِدُ ، الحَدِيْثُ كُلَّ الَّذي تَقُولُ سَتَسْمَع ؛

وفي الشَّاهنامه المأساة، كمأْساة رُسْتَم وَسهراب، الأبُ والاِبْنُ، يَقْتَتِلان، لا يَعْرِفُ أحَدُهُما الآخَر، وَيَقْتُلُ الأَبُ الاِبْن.

وَفِيْها وَصْفُ عَظَمَةِ المُلُوك، هذا قَولٌ عَنْ عَظَمَةِ خَسْرو:

لا شَخْصَ في العالَمِ صَغِيْراً أو كَبيراً، يَذْكُرُ العَظَمَةَ بِذاكَ الشَّكْلِ؛
مِنْ تُورانَ وَمِنَ الهِنْدِ وَمِنَ الصِّيْنِ والرُّوم، وَمِنْ كُلِّ أرْضٍ كانَتْ بَلَدَاً عامِراً؛
كانُوا يَجْلِبُونَ الخِراجَ إلى جِوارِ الشَّاه، في النَّهارِ المُضِيْءِ واللَّيالي السَّوْداء؛
مِنَ الغُلامِ والجارِيَةِ مِنْ كُلِّ بابٍ، مِنَ الدُّرِّ والياقُوْتِ والجَواهِرِ جَمِيْعاً؛
لَمْ يَكُنْ لِدِيْنارِهِ وَكَنْزِهِ الحَدُّ، مِثْلَهُ في الزَّمانِ لَمْ يَكُنِ المَلِك؛
مِنَ الشَّاهِيْنِ وَمِنَ البازِ والعُقابِ الطَّائِر، وَمِنَ الأَسَدِ والفَهْدِ والتِّمْساحِ بالماء؛
في بَيْتِ حَرِيْمِهِ الذَّهَبي مِنَ الجَواري، اثْنَتا عَشْرَةَ أَلْفَ جارِيَةٍ كالرَّبِيْعِ السَّعِيْد؛
مِنَ الفِيَلَةِ كانَ لَهُ أَلْفانِ وَمِئَتان، قُلْتَ مِنْ تِلْكَ لا يُوْجَدُ المَكانُ على الأَرْض؛
مِنَ جَمِيْلاتِ الصِّيْنِ والفِيْلِ والجُنْد، كانُوا على السَّرْجِ الذَّهَبِيِّ السَّنَةَ والشَّهْر؛
وآخَرُ سِتَّةُ عَشْرَ أَلْفِ جَوادِ حَرْبٍ، وَمِئَتانِ مِنَ المَطايا لَمْ تَكُنْ بالحِساب؛
واِثْنا عَشَرَ ألْفَ جَمَلٍ حامِلِ حِمْلٍ، وَسِتُّ مِئَةٍ وَسِتَّةٌ وَسِتُّون حامِلِ هَوْدَج؛
فلا شِخْصَ في العالَمِ رأى ذاكَ أَبَداً، ولا سَمِعَ مِنَ الشُّيُوخِ المُسِنِّيْنَ العالِمِيْن؛

قَصَصُ الحُبِّ في الشَّاهنامه كَثِيْرة أهَمُّها قِصَّةُ زال وَرُودابه، قِصَّةُ بيجن وَمنيجَه، وَقِصَّةُ خَسْرُو وَشِيْرين المَشْهُورَة، هذِهِ أبياتٌ قليلة مِنْ قِصَّةِ خسرو وشيرين:

لَبِسَتْ ثَوباً أَصْفَرَ عَبِيْرُهُ مِسْكٌ، وَجَعَلَتِ الوَجْهَ بِلَوْنِ الجُلَّنار؛
فَوْقَ الثَّوْبِ الدِّيْباجُ الرُّوْمِيُّ الأَحْمَر، كُلُّ نَقْشِهِ مِنْ ذَهَبِ الأَرْضِ والجَوْهَر؛
وَضَعَتْ على الرَّأْسِ الإكْلِيْلَ المَلَكِيّ، كُلُّ نَقْشِهِ الجَوْهَرُ البَهْلَوِيّ؛
مِنَ النَّرْجِسِ غَسَلَتْ وَرْدَ الأُرْغُوان، كانَ النَّرْجِسُ مَرِيْضاً والوَرْدُ صَحِيْحاً؛
بِذاكَ الصَّفاءِ كالماءِ وَذاكَ الجَمال، فَتَحَتِ اللِّسانَ بالقَوْلِ بَالبَهْلَوِيَّة؛
أنْ أَيْ قائِدَ الجَيْشِ القَوِيَّ والأَسَد، والمَلِكَ المُبارَكَ والبَطَلَ مُرْدي الأَسَد؛
أَيْنَ كُلُّ ذاكَ الحُبِّ والدَّمْعُ بالدَّمّ، إِذْ كانَتْ رُؤْيَةُ شيرينَ الطَّبِيْبَ لِذاك؛
كُنْتَ تُوْصِلُ النَّهارَ لِلَّيْل أَيْنَ كُلُّ ذاكَ، العَيْنانِ باكِيَتانِ والشَّفَتانِ ضاحِكَتان؛
أَيْنَ كُلُّ ذاكَ الوَعْدِ والمِيْثاقُ بَيْنَنا، أَيْنَ كُلُّ ذاكَ العَهْدِ والأَيْمانُ بَيْنَنا؛
كانَتْ تَقُولُ وَهِيَ تَسْكِبُ مِنَ العَيْنِ، دَمْعَ الدَّمِ على الثَّوْبِ اللَّازَوَرْد؛
خَسْرُو أَطْلَعَ الماءَ بالعَيْن، صارَ وَجْهُهُ أَصْفَرَ مِثْلَ الشَّمْس؛

عَنْ جَمالِ شِعْرَ الفِرْدَوسي

حِيْنَ امْتَلأَ سَفْحُ الجَبَلِ بِالرَّعْد، وَامْتَلأَتْ ضَفَّةُ النَّهْرِ بالنَّرْجِسِ والزَّهْر؛
وكانَ مِنَ الزَّهْرِ خِداعٌ وَمِنَ النَّرِجِسِ ارْتِياعٌ، وَمِنَ السُّنْبُلِ عِتابٌ وَمِنَ الجُلَّنارِ زِيْنَة؛
حِيْنَ امْتَلأَ قَلْبُ الغَيْمِ بالنَّارِ وَعَيْنُهُ بالماءِ، أَظْهَرَ الغَيْمُ النَّارَ ورَشَّحَ الماءَ؛
 مِنْ صَوْتِهِ المَهِيْبِ نَهَضَ الرَّأْسُ مِنَ النَّوْم، اُصْحُ وانْظُرْ إلى العالَم؛
 أَهُوَ الدِّيْباجُ أمْ رَسْمُ ماني (رَسَّامِ الصِّيْن)، حِيْنَ صارَ العالَمُ مُنَوَّراً مِنَ الشَّمْس؛
 رَأَيْتَ وَجْهَ النَّرْجِسِ والشَّقائِقِ مَمْلُوْءاً بالماء، ضَحِكَ الهَواءُ قالَ أَيْ جَرِيْءَ العَيْن؛
 أنا مِنْ عِشْقِكَ أَبْكي لا مِنَ الألَمِ والغَضَب.

شَكا الفِرْدَوسي مِنَ الفِقْرِ وَقِلَّةِ ذاتَ اليَد وأنَّ الأحرارَ أَخَذُوا مِنْهُ هذا العَمَلَ بِلا أَجْر، وَأَثْنى في مَواضِعَ كَثِيْرَةٍ مِنَ الكِتاب على الشَّاه مَحْمُود الغَزْنَوي، وَشَكَرَ أَيْضاً العامِلَ على خُراسانَ حُيَيّ قُتَيْب اِلَّذي وَضَعَ عَنْهُ الخِراجِ وَكانَ لَهُ مِنْهُ العَطاءُ مِنَ المالِ والكِساء، وَذَكَرَ مِنْ نُسَّاخِ الشَّاهنامَه علي دَيْلَم وَأَبُو دُلَف. وَأَتَمَّ الفِرْدَوسي نَظْمَ الشَّاهنامَه في السَّنَةِ أرْبَعَمائة مِنَ الهِجْرَة (حِيْنَ مَرَّتْ مِنَ الهِجْرَةِ خَمْسُ ثَمانِيْنات:

جِئْتُ بِتارِيْخِ المُلُوْكِ وَأنا بالفَقْر، جِئْتُ أمامَ النَّجْمِ غَيْرِ المُسْعِد؛
الكُبَراءُ وَأَهْلُ العِلْمِ مِنَ الأحْرار، كَتَبُوهُ كُلَّهُ جَمِيْعاً بِلا أَجْر؛
جَلَسْتُ أَنْظُرُ إِلَيْهِمْ مِنْ بَعِيْد، كما لَوْ كُنْتُ الأَجِيْرَ عِنْدَهُم؛
مرارَتي تَمَزَّقَتْ مِنْ قَوْلِ أَحْسَنْت، لَمْ يَكُنْ لِيْ مِنْهُمْ نَصِيْبٌ غَيْرَ أَحْسَنْت؛
أَغْلَقُوا رُؤوسَ بِدَرِهِمُ القَدِيْمَةِ ، مِنْ إغْلاقِها قَلْبي المُضِيْءُ انْجَرَح؛
مِنْ هذا الكِتابِ مِنْ مَشْهُوري البِلاد، لِـ علي دَيْلَم وَلِـ بُو دُلَف النَّصِيْب؛
وَلِـ حُيَيّ قُتَيْب ذاكَ مِنَ الأحْرار، الَّذي ما طَلَبَ مِنِّي الحَدِيْثَ بِلا أَجْر؛
كانَ لي مِنْهُ طَعامٌ وَلِباسٌ وَفِضَّةٌ وَذَهَبٌ، وَجَدْتُ مِنْهُ الحِراكَ والقَدَمَ والجَناح؛
لا خَبَرَ لي عَنْ أَصْلِ وَفَرْعِ الخِراج، ظَلَلْتُ أَتَقَلَّبُ بِكِسْوَةِ النَّعيم؛
حِيْنَ دَخَلَتِ السَّنَةُ بالواحِدَةِ والسَّبْعِيْن، أَدْخَلْتُ الفَلَكَ تَحْتَ بَيْتِ الشِّعْر؛
كانَ بَدَنُ الشَّاهِ مَحْمُوْدَ عامِراً، وَكانَ رَأْسُهُ أَخْضَرَ وَكانَ قَلْبُهُ سَعِيْداً؛
كانَ عَلَيْهِ الثَّناءُ في العالَمِ مَنِّي، ما بَقِيَ الكلامُ مِنْ ظاهِرٍ وَخَفِيّ؛
وَكانَ لي الثَّناءُ مِنَ الكُبَراء، وكانَ لَهُ المَزِيْدُ مِنَ الثَّناء؛
كانَ خالِداً الرَّجُلُ العاقِل، وَكانَ العَمَلُ بِمُرادِ قَلْبِهِ جارِياً؛
وَكانَ لَهُ العِلْمُ والرَّأْيُ والنَّسَب، وَكانَ سِراجَ العَجَمِ وَشَمْسَ العَرَب؛
قِصَّةُ يَزْدَجَرْد وَصَلَتْ لِلنِّهايَةِ الآنَ، في الخامِسِ والعِشْرِيْن مِنْ شَهْرِ اِسفَند؛
وَقَدْ مَضَتْ مِنَ الهِجْرَةِ خَمْسُ ثَمانِيْنات، باسْمِ مالِكِ العالَمِ العادِلِ الفَعَّال؛
لَمَّا وَصَلَ هذا الكِتابُ المَشْهُورُ لِلْجِذْر، اِمْتَلأَ وَجْهُ البِلادِ مِنِّي بالقَوْل؛
مِنْ بَعْدِ هذا أنا لا أَمُوتُ فَأنا حَيٌّ، فَأنا قَدْ بَذَرْتُ بُذُورَ الكلام؛
كُلُّ شَخْصٍ مَلَكَ العَقْلَ والرَّأْيَ والدِّيْن، مِنْ بَعْدِ مَوْتي يُثْني عَلَيَّ؛

أَتَمَّ الفِرْدَوسي نَظْمَ الشَّاهنامَه في السَّنَةِ أرْبَعَمائة مِنَ الهِجْرَة، (أَدْخَلْتُ الفَلَكَ تَحْتَ بَيْتِ الشِّعْر)، وَلَهُ حِيْنَها مِنَ العُمْرِ واحِدٌ وَسَبْعُونَ عاماً، (حِيْنَ دَخَلَتِ السَّنَةُ بالواحِدَةِ والسَّبْعِيْن)، فَكانَ هذا القَصْرُ المَشِيْدُ مِنَ الكلام، الَّذي لا يَخْرَبُ مِنَ الأَيَّام:

الأبْنِيَةُ العالِيَةُ تَصِيْرُ خَراباً، مِنْ حَرارَةِ الشَّمْس وَمِنَ المَطَر؛
أَشَدْتُ مِنَ النَّظْمِ قَصْراً عالِياً، لا يُصِيْبُهُ الأَذى مِنَ الرِّيْحِ والمَطَر؛
تَمُرُّ على هذا الكِتابِ السِّنُون، وَيَظَلُّ يَقْرَأُهُ الشَّخْصُ الَّذي يَمْلِكُ العَقْل.

اليوم تمَّتْ ترجمةُ هذا الكتابِ كاملاً بأجزائِهِ التِّسعةِ على يَدِ المُترجمِ الدكتور علي عباس زليخة.

secondplay

3 Videos
Play Video

TestPlaylist

3 Videos
Play Video