حسب التوقعات في أغسطس الماضي، من المتوقع أن يبلغ سوق الذكاء الاصطناعي العالمي في 2023 بأكثر من 150 مليار دولار بعدما كان بنحو 40 مليار دولار في 2022، وعلى أن يرتفع بنسبة 36.8% سنويا ليبلغ 1.34 تريليون دولار في 2030 (ياهو).
ونتيجة لهذا الانفجار، جرت العديد من المنتديات واللقاءات بالبحث في هذا الموضوع. فخلال لقاء مع رئيس الوزراء البريطاني في مؤتمر بليتشلي في نوفمبر 2023، صرح إيلون ماسك؛ أن الذكاء الاصطناعي هو القوة الأكثر تخريبا في التاريخ (فورتشن). بالرغم أنه أسس شركة للذكاء الاصطناعي xAI، وأعلن في بداية نوفمبر الماضي، عن أول نموذج ذكاء اصطناعي توليدي يحمل اسم Grok. في مايو 2023، وأمام الكونغرس، قال سام ألتمان، رئيس تنفيذي OpenAI صاحبة تطبيق ChatGPT، أن الذكاء الاصطناعي التوليدي يمثل خطرا وجوديا! (فورتشن).
أول نموذج للذكاء الاصطناعي تم تصميمه كان في عام 1958 واُطلق عليه IBM-704، وكان غير عملي وبسيط جدا، والعنصر المفقود كان البيانات (popular science). من المعلوم أن الذكاء الاصطناعي ليس له قيمة فعلية بدون البيانات، والدليل أن صحيفة نيويورك تايمز قد رفعت دعوى قضائية ضد مايكروسوفت و OpenAI في المحكمة الفيدرالية بتاريخ 27 ديسمبر، بحجة انتهاك حقوق الطبع والنشر.
فهل الذكاء الاصطناعي هو إلهاء كبير وينال أكثر مما يستحق! أم أنه تكنولوجيا حديثة قد تشكل ثورة في قطاع الأعمال واستخدام الكمبيوترات. هناك تحليلات كثيرة ومتناقضة، فالكل ينظر إليها من زواية محددة، كالذي يصعد للطابق الثاني من المبنى ويفتح نافذة معينة، ويقيم الوضع الخارجي وفقا لحدود رؤيته. حسب تحليلي، هناك أسباب كثيرة قد قادت لهذا الانفجار، تتلخص في الآتي:
إعادة التحليق، ارتفعت مؤشرات الأسهم الأميركية خلال فترة الجائحة، 2020 و 2021، بنسبة 110٪ في العامين، وهو ما يعادل ارتفاع 14 عاما. ولكن العام 2022 كان محبطا للمستثمرين، فقد انخفض مؤشر ناسداك الثقيل بنسبة 33٪، وأُغلق سهم تسلا بخسارة 65٪، وسهم ميتا فقد نحو ثلثي قيمته، وسهم إنفيديا هبط 59٪، وسهم أمازون خسر نصف القيمة. وأيضا، عادة ما تكون السندات الأمريكية استثمارا آمنا، ولكنها انخفضت بنسبة 13٪.
عمليات التسريح التكنولوجية الضخمة في أواخر عام 2022 وأوائل عام 2023، كانت بهدف تحسين المركز المالي عبر تخفيض تكاليف التشغيل ولم تكن تُعنى بالنمو، فكان لابد من العمل في زيادة الإيرادات.
وبعد هذا الانفجار، ارتفعت ايرادات OpenAI من 28 مليون دولار في 2022 لأكثر من 1.6 مليار دولار في 2023. وكانت ايرادات إنفيديا من مراكز البيانات في 2022 بنحو 15 مليار دولار، والآن تقدر ايراداتها في 2023 بأكثر من 54 مليار دولار وارتفع سهمها بنحو 239٪. ارتفع سهم تسلا بأكثر من 101٪، وسهم ميتا بأكثر من 194٪. أما شركة أمازون، فقد ارتفع سهمها بأكثر من 80٪ بعدما دخلت إلى حلبة المنافسة عبر بوابة شركة Anthropic التي أسسها المنشقون من شركة OpenAI، وأطلقت روبوت دردشة Claude للذكاء الاصطناعي التوليدي. بينما كان العائد على سند العشر سنوات بنسبة 3.88٪.
كعادة التكنولوجيا، فإن العامل المساعد في الدخول لقطاع الأعمال يبدأ من الأفراد. حسب تقرير فورتشن في 24 أغسطس، أشار أن ما يؤرّق الادارات التنفيذية للشركات الأمريكية أنها وجدت موظفيها يستخدمون تطبيقات الذكاء الاصطناعي التوليدي. وتقرير OpenAI في شهر سبتمبر الماضي، أشار أن أكثر من 80٪ من أشخاص شركات Fortune 500 قد أنشأوا حسابات ChatGPT.
العودة للمكاتب، بعد الجائحة، سعت الشركات للعودة إلى المكاتب، ولكنها واجهت مشكلة تكمن في رغبة العاملين بالمرونة في العمل. ووفقا للتقرير نشرته واشنطن بوست في 28 أغسطس 2023، فإن نسبة العمل من المكاتب هي النصف لمدة ست ساعات على الأقل، بينما كانت النسبة قبل الجائحة هي 84٪. ولهذا السبب، أدى إلى إعلان WeWork عن إفلاسها بعدما تفاقم الطلب على المساحات المكتبية.
في أكتوبر 2023، انتقد إيلون ماسك، العمل من المنزل، واعتبره منفصلا عن الواقع. يتشبث العديد من الرؤساء التنفيذيين بأن المكتب هو الصلصة السرية للإنتاجية. دراسة حديثة أجراها علماء في بنك الاحتياطي الفيدرالي في نيويورك وجامعة هارفارد وجامعة أيوا، بعنوان ” THE POWER OF PROXIMITY TO COWORKERS “، والتي تم نشرها في 5 نوفمبر 2023، حيث أشارت إلى ذلك وعللت بسبب نقص التدريب والتعاون.
لعل إثارة أن الذكاء الاصطناعي سيؤدي إلى فقدان الوظائف هي رسالة مبطنة بأهمية التواجد في المكاتب وضرورة مواكبة تطور التكنولوجيا وتلقي المعرفة. في مجلة HBR العدد سبتمبر وأكتوبر 2023، أشار مقال أن متوسط عمر للمهارات يبلغ الآن أقل من خمس سنوات، وفي بعض المجالات التقنية يصل إلى عامين ونصف.
الشواغر الوظيفية، بعد الازدهار الكبير في البورصات الأمريكية والعملات المشفرة خلال الجائحة، فقد ترك حوالي 50.5 مليون شخص وظائفهم في عام 2022، و 47.8 مليون شخص في عام 2021 في الولايات المتحدة. أشار البعض أن الحكومة الأمريكية تركت التضخم يرتفع، فلعلها أرادت الضغط على الأمريكيين بالرجوع إلى وظائفهم، فالنقص لا يمكن تغطيته بالمهاجرين، بسبب ما يتركون الجانب السلبي في التصويت وأمور أخرى. أظهرت الأرقام الفيدرالية لشهر نوفمبر 2023، بوجود 8.8 مليون فرصة عمل، بانخفاض عن الذروة الأخيرة البالغة 12 مليون وظيفة في مارس 2022. وكما انخفض معدل الاستقالة إلى 2.2٪، وهو أدنى معدل منذ سبتمبر 2020. ولكن تظل هناك شواغر مهمة يتطلب تغطيتها، وكما ان مجالات الذكاء الاصطناعي والأمن السيبراني وعلم البيانات تزيد الطلب على المواهب. وفقا لبيانات مكتب العمل الأمريكي في سبتمبر 2023، فإنه من المتوقع أن ينمو الطلب على علماء البيانات بنحو 36٪ من عام 2021 إلى عام 2031. ولذا تعمل بعض الشركات مثل IBM بتوظيف الذكاء الاصطناعي في بعض المهام.
الصحة العقلية، أصبحت الصحة العقلية والمجتمعية أزمة صحة عامة في الولايات المتحدة. خلال مؤتمر فورتشن لصحة العصف الذهني في 2023، دعا البعض بأهمية التركيز على إعادة بناء الروابط الاجتماعية في مكان العمل. حيث أن ثقافة العمل الأمريكية غالبا ما تؤدي إلى الإرهاق والقلق والاكتئاب، وتكلف المليارات من الإنتاجية المفقودة. حيث ارتفعت نوبات الاكتئاب بنسبة 90٪ في العقد الماضي، وأبلغ 83٪ من العاملين عن الإجهاد المرتبط بالعمل، وفقا لتقرير فورتش في ديسمبر 2023. الروبوتات والذكاء الاصطناعي يساعد في تخفيف أعباء العمل، فقد توقع بيل غيتس في نوفمبر الماضي، أن يكون أسبوع العمل لمدة ثلاثة أيام ممكنا بفضل الذكاء الاصطناعي. وقال على Trevor Noah : “إن زيادة الإنتاجية التي تحصل عليها من الذكاء الاصطناعي مثيرة للغاية. إنه يأخذ جزءا من العمل الشاق”
دورة المنتجات، قبل أن تبلغ دورة المنتج إلى مرحلة النضوج؛ يتطلب إلى تجديد المنتج أو انتاج شيء جديد. لا يزال استخدام الأجهزة الكمومية بالغالب محصور في التجارب، حيث لا تزال هذه الأجهزة بحاجة إلى حل المشكلة الرئيسة وتكمن في الكيوبت، فهي ترتكب أخطاء، حسب تقرير FastCompany في أغسطس 2023. في أواخر سبتمبر الماضي، أعلنت أنتل أنها وجدت حل للمشكلة، والإنتاج التجاري سوف يستغرق عشر سنوات تقريبا (TechRepublic). لقد قلّ الحديث أيضا عن إنترنت لامركزي Web3 في ظل طوفان تطبيقات الذكاء الاصطناعي. أشار تقرير غارتنر في سبتمبر 2023، أنه بحلول عام 2027، سيستخدم 70٪ من المطورين المحترفين أدوات البرمجة التي تعمل بالذكاء الاصطناعي، ارتفاعا من أقل من 10٪ اليوم. بمعنى، أن الأنظمة المعلوماتية والبرمجيات الحالية سيكون قد عفى عليها الزمن.
لقد أعلنت مايكروسوفت في 3 يناير 2024 على موقعها الإلكتروني، أنها تضيف مفتاح Copilot إلى لوحة مفاتيح Windows، وبشرت بتحول كبير في جهاز شخصي نحو أكثر ذكاء، وسيكون عام 2024 عام الكمبيوتر الشخصي للذكاء الاصطناعي. وأيضا، في 20 اكتوبر الماضي، أعلنت IBM عن معالجها الجديد NorthPole وأنه مبني على الذكاء الاصطناعي (arsTechnica)، وكذلك أعلنت أنتل عن معالجها الجديد Meteor Lake، و AMD عن معالجها MI300 AI، على أنهما مبنيان على الذكاء الاصطناعي.
الوجود في الطليعة، في منتدى عمالقة التكنولوجيا امام مجلس الشيوخ الأميركي في منتصف سبتمبر 2023، تم استبعاد جميع الشركات الصغيرة. ومن بين الأفكار التي نوقشت هي كيف يمكن للولايات المتحدة أن تظل متقدمة على الصين وبلدان أخرى. ولذلك، طُرحت فكرة إنشاء وكالة مستقلة للإشراف على جوانب معينة من التكنولوجيا (Fortune). خلال اجتماعات الأمم المتحدة في أواخر سبتمبر الماضي، واجه الأمين العام للأمم المتحدة تحدي في هذا الموضوع وحول جدوى إنشاء هذه الوكالة. فبعد إنشاء الوكالة الدولية للطاقة الذرية قبل أكثر من 65 عاما، زادت في التوترات حول الغرض الذي تخدمه (واشنطن بوست).
الأهداف الخاصة، دراسة جامعة East Anglia، نُشرت في أغسطس الماضي، أشارت أن تطبيق ChatGPT أظهر تحيزا سياسيا كبيرا ومنهجيا تجاه الديمقراطيين في الولايات المتحدة وحزب العمال في المملكة المتحدة، وحزب لولا دا سيلفا في البرازيل. ردت الشركة، أن تعليماتها واضحة حول عدم تفضيل بيانات محددة لتدريب الخوارزميات (واشنطن بوست).
دراسة نشرتها بلومبيرغ في سبتمبر 2023، عن مجموعة من الوظائف في الولايات المتحدة. فمثلا، يشكل الأمريكيون البيض 70٪ من العاملين في الوجبات السريعة، ولكن 70٪ من نتائج الصور المنتجة من بعض تطبيقات الذكاء الاصطناعي أظهرت أنهم من ذوي البشرة الداكنة.
سوف تظل تحديات كثيرة بشأن الأمن السيبراني، خلال مؤتمر DefCon في لاس فيغاس في سبتمبر الماضي، تم اكتشاف 2700 عيب في ثمان نماذج الذكاء الاصطناعي وتشمل OpenAI وGoogle وMeta وNvidia، وقال الخبراء أن العيوب غير محصورة في هذا العدد، فيمكن أن تظهر عيوب أخرى في مكان آخر (Forbes). في تقرير فورتش بتاريخ 4 يناير 2024، قيل أنه خلال العامين الماضيين نما الاحتيال المالي بنسبة 30٪ سنويا، وأن الذكاء الاصطناعي سيسرع هذا الاتجاه.
هناك أدوات يستخدمها المتسللون للتصيد الاحتيالي، منها WormGPT، ولها قدرة في إنشاء البرامج الضارة والولوج إلى البريد الإلكتروني وكتابة رسالة من مسئول كبير يطلب بسداد فاتورة احتيالية على وجه السرعة، ويصعب الكشف عنها في ظل تطور النماذج اللغوية (istari).
ولذلك، من المقرر أن تخضع البنوك في أوروبا لاختبارات الإجهاد الإلكتروني. قال البنك المركزي الأوروبي إنه سيتم اختبار حوالي 109 بنك على وسائلها للرد على هجوم إلكتروني والتعافي منه، بدلا من قدرتها على منعه، وسيتم تقييم إجراءات الطوارئ للمؤسسات المالية وخططها لاستعادة الحياة الطبيعية بعد مثل هذا الهجوم (barrons).
